خبر ذكرى الحرب على غزة تكشف الجهد الاستخباري الإسرائيلي .. عدنان أبو عامر

الساعة 12:18 م|30 ديسمبر 2013

في مثل هذه الأيام قبل خمس سنوات، أيقنت القيادتان السياسية والعسكرية للاحتلال أن نجاح أو فشل المعارك الميدانية الدائرة في غزة يعود بالأساس إلى دقة المعلومات الاستخبارية التي يجمعها جهاز (الشاباك) شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"؛ لأن الحرب على غزة حرب معلومات واستخبارات أكثر من أي شيء آخر، واستخدامها ضروري خلال العملية العسكرية، لإنقاذ حياة الجنود الذين قد يكونون في خطر حقيقي.

وشهدت الحرب على غزة آنذاك 2008-2009م جهوداً مكثفة من العملاء؛ لنقل معلوماتهم الاستخبارية عن تحركات رجال المقاومة ومخططاتهم إلى غرفة قيادة العمليات في القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال، ومن هناك تنتقل المعلومات إلى الضباط في الميدان، إذ تترجم بإحدى الطرق التالية: إما عن طريق استدعاء القصف الجوي أو المدفعي لمواقع معينة، أو الدفع بإسناد لوحدات ما، أو إحكام الطوق على المقاومين الفلسطينيين.

لكن ثمة إحباط في صفوف جهازي (الشاباك) و"أمان"؛ بسبب عدم حفاظ المستوى التنفيذي على سلامة العملاء الفلسطينيين؛ لأن القوات استخدمت المعلومات بشكل كشف مصدرها، ما أدى إلى تصفية العديد من العملاء على يد فصائل المقاومة، بمسوغ أن الجيش في حرب، ولا وقت للحذر، ويدافعون عن موقفهم بالقول: "إنه يجب القيام بكل شيء للحفاظ على حياة الجنود في الميدان، فسلامتهم تسبق سلامة العميل".

واتبع الاحتلال في تلك الحرب على غزة أسلوبًا استخباريًّا نفسيًّا، إذ ألقى مناشير فوق مناطق مأهولة باكتظاظ في القطاع، والتهديد بأنه سيصعد النشاط العسكري؛ للنيل من عزيمة الفلسطينيين، بجانب القصف المتواصل الذي يتسبب بارتقاء شهداء ووقوع جرحى والدمار الهائل.

إضافة إلى سيل من المكالمات الهاتفية تنهال على المواطنين في منازلهم، تحمل رسائل التهديد والوعيد، لكل من يحوي في منزله أسلحة أو عتادًا عسكريًّا، وتطالب سكان المناطق القريبة من حدود القطاع بمغادرتها، والتوجه إلى مراكز المدن، وأخرى تحمل التهديد والوعيد لسكانها، وكل ذلك لفصل جسم المقاومة عن جماهيرها، والاستفراد بها.

وبموازاة الحرب العسكرية التي شنها الجيش على غزة، ظهرت أصوات من داخل المؤسسة الإعلامية عامة، والمراسلين العسكريين خاصة، أبدت امتعاضها من التقييدات والأوامر التي يصدرها الناطق العسكري.

وهو ما يعني أن المجتمع الإسرائيلي لا يرى صورة الحرب في غزة؛ جراء التعتيم الرسمي الصارم المفروض عليها، وتعاون الصحافة العبرية مع المؤسسة الحاكمة، ومنع الإسرائيليين من الاطلاع على صور قاسية وغير محتملة فور رفع الستار الإعلامي الحالي بعد انتهاء الحرب، وهو ما يعني التجند الطوعي لمصلحة الرواية الرسمية، وتغييب الحقائق عن الإسرائيليين، بحيث إن القارئ الإسرائيلي لا يسمع أو يجد سوى صوت واحد، المؤيد للحرب.

وعمدت سلطات الاحتلال إلى مصادرة الهواتف المحمولة من الجنود في ميدان القتال؛ لمنعهم من إرسال رسائل نصية قصيرة عن خسائر المعركة، أو توزيع صور عن القوات التي تقاتل المقاومين، ويكشر الرقباء العسكريون الذين يتحاشون عادة التدخل في التغطية الإخبارية الروتينية عن أنيابهم، استهجاناً لهذا الأمر.

وكل ذلك يعني أن الجيش حول نفسه إلى خندق للإعلام، ويشتبه بعض الصحفيين في أن سلطات الاحتلال تتعمد تحويل الاهتمام العالمي إلى بلدات الـ(48) الحدودية القريبة، التي تعاني قصف الصواريخ الفلسطينية.

ودعت أوساط أمنية واستخبارية السلطات المختصة لمنع التقاط بث قنوات فضائية عربية كالجزيرة، اتهمتها بتحريض العرب ضد الكيان العبري، وطلب من رئيس مجلس البث التلفزيوني بالكوابل والأقمار الصناعية العمل على منع التقاط قنوات عربية؛ لأنه _على حد قولهم_ "لا يمكن السماح بالتقاط بث للعدو في أثناء الحرب، خاصة قنوات تبث أكاذيب وأقوالاً تحريضية؛ بهدف تحطيم معنويات المدنيين والجنود في الدولة".

وفرضت السلطات مقدمًا رقابة على بث التقارير المتعلقة بالعمليات العسكرية، ومنعت الصحفيين الإسرائيليين والأجانب من دخول قطاع غزة لتغطية العمليات هناك.

وجرت العادة أن يجند الاحتلال لحروبه على غزة طاقماً إعلاميّاً كبيراً، يستغرق تدريبه أشهرًا؛ ليكون جاهزًا لممارسة التضليل الإعلامي، ويتعلم من تجاربه السابقة باستخدام العلاقات العامة ووسائل الاتصالات للتوجه إلى الدبلوماسيين؛ لتعريف العالم أسباب الحرب وتفاصيلها.

وقد بدأ الاحتلال في الأيام التي سبقت الحرب حملته الإعلامية بتأكيده للسفراء الأجانب أن صبره بدأ ينفد من هجمات الفلسطينيين، مستخدمًا أفضل المتحدثين باسمه للمعركة في وسائل التضليل الإعلامي، يرافقون ممثلي عشرات الدول من سفراء ودبلوماسيين في جولة على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.