خبر تحرير الدفعة الثالثة من الأسرى وترقب دفعة أسري الـ 48

الساعة 09:58 ص|30 ديسمبر 2013

أطلس للدراسات

مساء اليوم الاثنين سيتم إطلاق سراح 26 أسيراً من سجون الاحتلال، وهي الدفعة الثالثة من أربع دفعات وافقت إسرائيل عليها عندما اعتبرها الفلسطينيون استحقاقاً ضرورياً لاستئناف المفاوضات، وقد أطلق على المجموعة كلها الـ 104 أسيراً (أسرى ما قبل أوسلو)، رغم أنها تسمية غير دقيقة لأن بعضهم اعتقل بعد توقيع اتفاقية أوسلو، ومن بين المجموعة التي ستتحرر أقدمهم اعتقل سنة 85 وأمضى 28 عاماً في الأسر، وهو الأسير أحمد فريد شحادة، وآخرهم رامي جودة بربخ الذي اعتقل في أكتوبر 94 وأمضى في الأسر تسعة عشر عاماً.

عمدت اسرائيل على نحو خاص فيما يتعلق بتحرير أسرى ما قبل أوسلو في إطار المفاوضات إلى أمرين؛ الأول ربط الإفراج عن كل دفعة بنشر عطاءات ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية، واقرار مخططات أخرى، وتنفيذ عمليات بناء فعلية في بعض المستوطنات، والأمر الآخر أنها قسمت السجناء المنوي الإفراج عنهم إلى أربعة مستويات حسب معايير إسرائيلية، وكأنها مع تحرير كل أسير تقتطع غرامات من لحمها الحي، ويتفاوت وزن ما تقتطعه وحجم ما تشعر به من ألم من أسير الى آخر حسب موقع كل أسير في سلم معاييرها، فأخرت تحرير الأسرى الأثقل وزناً حسب معاييرها إلى الدفعات الأخيرة.

أما الربط بين تحرير الاسرى الأبطال وبناء المستوطنات فهو فعل خسيس ودنيء، أريد منه التنغيص على فرحة الأسرى بتنسمهم عبق الحرية بعد سنيين طوال من الصمود في مواجهة عذابات ومعاناة الأسر ثمناً لحرية لتحرر وطنهم وحرية شعبهم، عبر معادلة حريتهم مقابل الاستيطان، أي سلب أرضهم ووطنهم مقابل حريتهم، وهم الذين اختاروا بإرادتهم الحرة أن يضحوا بحرياتهم في سبيل حرية وطنهم، إنه اللؤم الصهيوني الزنيم الذي يحاول أن يحمل مشروع الاستيطان على أكتاف الأسرى الأبطال، وهو من جهة أخرى استفزاز لكل الشعب الفلسطيني واستفزاز لقيادة السلطة، فضلاً عن النية المقصودة في الاساءة والتشهير بوطنيتها عندما يتم التأكيد على موافقتها الصريحة أو الضمنية أو الخجولة لمعادلة الأسرى مقابل الاستيطان.

مباشرة في اليوم التالي لتحرير الأسرى؛ سيبدأ غول الاستيطان البشع بإظهار بشاعة أنيابه ليغرسها في أشجار الزيتون، وفى هدم بعض البيوت ومصادرة بعضها الأخرى في أحياء القدس، وربما تسريع جدار الغور بحالة استعراضية تعكس حجم الكراهية والعنصرية والافتتان بالقوة والعنجهية التي تعبأ بما يجرى من مفاوضات أو بكل الأصوات المنددة بالاستيطان، طالما بقيت مجرد أصوات ونداءات وقرارات معلقة في الهواء. فإسرائيل تشعر أنها دفعت ثمناً تريد جبايته أضعافاً مضاعفة، فعقيدتها تقوم على الثأر والانتقام وجباية أقصى الأثمان طالما استطاعت ذلك.

في ظل ذلك ستجد السلطة نفسها مجدداً في حرج شديد، وستعلوا الكثير من الأصوات المحقة المطالبة بالانسحاب من المفاوضات، وتبنى استراتيجية وطنية مقاومة بما في ذلك التوجه لنيل عضوية المنظمات الدولية الذي تم تجميده في أعقاب استئناف المفاوضات، وسيهرع كيري مجدداً إلى المنطقة لتشجيع الرئاسة بالتغلب على هذا المأزق وحسم ترددها لصالح الاستمرار في التفاوض، ونميل للاعتقاد الكبير أن الرئيس عباس رغم إدراكه أن جعبة كيري ليس فيها إلا عروض اسرائيلية هي عبارة عن مطالب واشتراطات نتنياهو في مجال الأمن ويهودية الدولة واللاجئين بعد أن تم تبنيها أمريكياً مع بعض التعديلات الطفيفة، وأن استمرار المفاوضات في ظل الاستيطان سيكون له تداعيات وأثمان خطيرة، لا سيما على المستوى الوطني الفلسطيني، وكذا على مستوى تآكل رصيده الوطني، رغم كل ذلك؛ فإنه سيقبل الاستمرار في المفاوضات على أمل أن ينجح في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو.

الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو الذي تم الاتفاق على إطلاق سراحها تشمل حسب الفلسطينيين وعلى ما يبدو الأمريكيين، تشمل أسرى الـ 48، نقول: الأمريكيين فهموا أن أسرى الـ 48 مشمولين في الـ 104 أسير، لأن كيري لمح أنه في حال إطلاق سراحهم سيوصى بإطلاق سراح الجاسوس جونثان بولارد.

اسرائيل منذ البداية أبقت موضوع أسرى الـ 48 غامضاً، فلم تنف الأمر رسمياً كما لم تؤكده، بعض الوزراء نفى أن يكونوا ضمن أي صفقة، وبعضهم الآخر صرح أن الصفقة قد تشملهم، لكن الشيء الأكيد الذي تم اتخاذ قرار به يتعلق بهم هو أن حكومة تل أبيب في جلستها قبل خمسة أشهر، التي انعقدت لاتخاذ قرار بالموافقة على تحرير المائة وأربعة أسير، وفوضت لجنة وزارية خاصة بصلاحية اتخاذ القرار والمصادقة على تحرير كل أسير، استثنت من هذا التفويض ما يتعلق بأسرى الـ 48، وطالبت أن يكون المجلس الوزاري الحكومي بوزرائه الـ 22 هو صاحب القرار بشأن تحرير كل أسير منهم، الأمر الذي سيجعل نتنياهو يواجه صعوبة كبيرة في تمرير هذا القرار داخل ائتلافه الحالي، وهو عندما أجل البت بشأنهم الى المرحلة الأخيرة؛ ربما توقع أن تنفجر المفاوضات قبل وقت استحقاق إطلاق سراحهم.

ويبدو أن الأمريكان سيكونون حريصين على عرض خطتهم (اتفاقية إطار أو اتفاقية انتقالية) قبل موعد إطلاق الدفعة الرابعة، بحيث أن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي سيواجهان الاختبار الأصعب، الاختبار السياسي مواجهة العرض الأمريكي بنعم أو لا، أو نعم ولكن، قبل اختبار استحقاق الدفعة الرابعة، وستكون الدفعة الرابعة للفلسطينيين أحد الجزرات المقرونة بالنعم، أي أسرى الـ 48 مقابل نعم لخطة كيري، إلا إن استطاع عباس المناورة والتأجيل وكسب الوقت لما بعد وقت استحقاق تحرير الدفعة الرابعة، فإما أن ينجح بتحريرهم ويكون في ذلك تعويض كبير جداً عن مهزلة المفاوضات وانتصار يستحق الثناء، وإما لا يكون أمامه إلا خيار وقف المفاوضات بسبب تنصل اسرائيل من التزامها بتحرير كل أسرى ما قبل أوسلو.

أما من جانب ائتلاف نتنياهو فلا يبدو أنه سينجح في تخطى الأشهر القادمة بتشكيلته الحالية، حيث سيواجه استحقاقي خطة كيري وربما إطلاق أسرى الـ 48؛ فإطلاق أسرى الـ 48 لن يمر بسلام داخل الائتلاف، كما أن اتخاذ موقف من خطة كيري قبولاً أو رفضاً سيكون له ثمنا ائتلافياً، سواء من قبل الجناح الأكثر تشدداً أو من قبل حركة ليفني، الأمر الذي لن يجعل أمام نتنياهو سوى خيار المناورة والتحفظ، ووضع بعض الشروط التعجيزية وربط الدفعة الرابعة بالقبول السياسي الفلسطيني.