خبر عام مأساوي بامتياز ..بقلم: طلال عوكل

الساعة 08:54 ص|30 ديسمبر 2013

مع نهاية كل عام، نتوقع ان يكون هناك مراجعات لما سبق، ومحاولات لاستشراف عام قادم، مسألة المراجعات لا تقتصر على الاحزاب والمؤسسات وانما تمتد الى الاشخاص، الذين يحترمون اوقاتهم، وامكانياتهم، ويتطلعون الى تحسين حياتهم.

في ضوء الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني، من قبل المانحين والسلطات والمجتمع تقوم هذه المؤسسات بانجاز تقاريرها عن عام يمضي وتضع مخططاتها لعام قادم، ولكن السؤال هو اذا ما كانت الفصائل والسلطات تقوم بمثل هذه المهمة على النحو الشفاف والموضوعي والهادف.
اذا كان معيار التقييم يستند الى برامج ومخططات واستراتيجيات وبناء على ذلك تتم المراجعة ورصد الايجابيات والانجازات وتحديد الاخفاقات ومواطن الضعف وتحليل اسبابها، فإننا على المستوى الوطني لا نستطيع ان نفعل ذلك بسبب طبيعة المهام الكبيرة التي تحكم العمل الوطني الفلسطيني.
ولاننا لا نستطيع ان نفعل ذلك، لاننا سنكرر في كل عام تقريبا، تغريبتنا المأساوية فإن ثمة مجالا، اما لتعداد الانجازات قليلة كانت او كثيرة، ويكون ذلك في اطار فهم البعد التراكمي للعمل الوطني، او اننا مضطرون في غياب هذه الانجازات لان نقيم مراجعاتنا تحت عنوان درء او تخفيف المخاطر والاثمان التي ندفعها جراء القصور الفاضح عن تحقيق انجازات يعتد بها.
واذا كان من الصعب علينا ان نحكم على مدى تقدم او تراجع كل عناوين وادوات الفعل الوطني، نظرا لاتساع هذه المهمة، وتعدد العناوين والادوات فاننا مضطرون لحصر التقييم والحكم في اطار العموميات الوطنية.
في اطار العموميات الوطنية يترتب علينا الاعتراف، بأن مشروعنا الوطني لا يزال متعثرا ويعاني من ازمة، تستحق وتفرض على الكل الفلسطيني ضرورة مراجعته واعادة صياغته من جديد في ضوء المتغيرات الكبرى التي تقع من حولنا وتلك التي تقع في داخلنا، وعلينا ان نسأل بجرأة، عن مكمن الخلل، هل هو في المشروع ذاته، ام في ادوات، وآليات تحقيقه؟ ثمة حاجة ماسة للمراجعة فالمشروع الوطني ليس محل اجماع حقيقي، ليس هذا وحسب بل ان المخططات والمشاريع الاسرائيلية تفرض الحاجة لاعادة النظر بمفرداته واطاره العام، اما ادواته، فهي بين ممزقة، وعاجزة، عن ان ترتقي الى مستوى الاعباء والآمال التي ينص عليها المشروع الوطني.
لقد تمت صياغة هذا المشروع في ظل ظروف دولية، وعربية واقليمية معينة، وادوات فعل وطني فلسطيني محدودة ومعروفة، اما وان المرحلة تغيرت، على مختلف المستويات، واختلفت معها عناصر ومصادر القوة الفلسطينية الفاعلة فإن ذلك يوجب المراجعة والتصحيح والتطوير.
كانت هذه المهمة، مرتبطة بعنوان آخر للازمة الوطنية الفلسطينية وهي ازمة الانقسام الفلسطيني الذي وقع قبل نحو سبع سنوات، اذ ان المصالحة الوطنية، ما كان لها ان تتوقف عند حدود القضايا الاجرائية فقط، بل كان ينبغي اصلا ان تبدأ ولم تبدأ من حوار وطني جامع يستهدف تطوير المشروع الوطني، وتحديد الخيارات والبدائل، والبرنامج السياسي.
ملف المصالحة، تحول الى فئة الامراض المزمنة، التي كلما مر عليها زمن اطول كان ذلك لاستفحال المرض، وتراجع القدرة على المعالجة بالوسائل الطبيعية والحال اننا الآن، نقع تحت طائلة حسابات ومراهنات، ومتغيرات صعبة ومعقدة، لم يعد بالامكان معها تجاوز هذا المرض، دون عمليات جراحية او تقديم اثمان باهظة.
لسنا بصدد الخوض في اسباب تعطل المصالحة، ولا بصدد توزيع وتحديد المسؤوليات فهذه وتلك قيل فيها الكثير، ولكننا كنا ننتظر مبادرات جرئية، ان لم تكن من اجل تحقيق المصالحة، فمن اجل فحص مدى قدرتنا على تحقيقها في ضوء، كثرة العوامل الكابحة.
الحديث عن الانقسام يحيلنا جبريا، لتقييم برامج وشعارات طرفية، على الطرف الاول كان الحدث الابرز هذا العام، الموافقة على استئناف المفاوضات والاستجابة للجهد الاميركي الاوروبي الساعي من اجل احداث اختراق في مجرى عملية السلام.
هذه الموافقة تفتقر الى الاجماع الوطني اولا، وتفتقر للبيئة المناسبة، حيث جرى استئناف المفاوضات دون ان يتوقف الاستيطان، ودون موافقة اسرائيل على مرجعية حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧، بل انها جرت في ظل استمرار اسرائيل، بكل ما تنفذه من سياسات واجراءات، وقد استغلت اسرائيل المفاوضات لتوسيع وتمكين مخططاتها الاستيطانية.
لم نفعل ازاء ذلك شيئاً، لا قمنا بتفعيل المقاومة الشعبية ولا توجهنا الى الامم المتحدة، ولا بادرنا لاعادة تنظيم صفوفنا وتوحيدها، والمحصلة اننا الآن امام خيارات صعبة، فالموافقة على الافكار والمبادرات الاميركية اشد خطرا من رفضها، وفي الحالتين علينا ان ندفع اثمانا باهظة.
اما على الطرف الآخر، حيث من يطرح برنامج المقاومة بديلا، فإن الازمة قائمة ذلك ان المقاومة لم تتحول الى فعل مبادر وانما الى فعل متلق، يقوم على مبدأ الدفاع عن النفس، فاذا لم تتحرك آلة القتل الاسرائيلي فإن المقاومة لن تتحرك، وانما تواصل تجهيز نفسها لملاقاة آلة الحرب الاسرائيلية وقتما تتحرك، ومن المربع ذاته، مربع الدفاع عن النفس.
وفي كل الاحوال تنعدم البدائل، فلا بدائل يعتد بها، للقوى المسيطرة، ولا بدائل للمشاريع التفاوضية، والمقاومة، ولا فعل سياسيا او مجتمعيا ناشطا باتجاه تصحيح الاوضاع المعوجة.
فتح وحماس تتحركان على مشاريعهما فيما الفصائل الاخرى، في حالة بيات شتوي، انها تنتظر ما تسفر عنه صراعات او اتفاقات الحركتين الكبيرتين، في هذه المرحلة لا نعثر سوى على انجاز واحد وهو الافراج عن العدد القليل من الاسرى القدامى الذين تم الافراج عنهم، وعدد آخر من الاسرى الذين خاضوا معركة الامعاء الخاوية.
في مشهد هذا العام، ايضا، تدهورت احوال الناس، وتفاقمت الازمات التي يعانون منها، من الفقر، الى البطالة، الى تدني مستويات المعيشة، الى انتهاك الحريات، وازدادت بؤساً اوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة، ولا نريد هنا أن نستعرض ما يجري للفلسطينيين في سورية ولبنان فهذا له شأن آخر، لا يتسع له المقال.
في هذا العام نستطيع أن نسجل، بأن التعاطف والدعم والتأييد العربي وغير العربي لسكان قطاع غزة ضد الحصار، وحتى ضد الاعتداءات الاسرائيلية، هذا التعاطف والدعم والتأييد قد تراجع بوتائر عالية وملموسة، هنا علينا ان نسأل عن السبب، في ذواتنا وفي سياساتنا وسلوكنا قبل أن نبحث عنه عند الآخرين، العام المنصرم عام مأساوي بامتياز، عام من التراجع حتى قياساً بالعام الذي سبقه.