خبر الربيع العربي.. ثورة بين تطرفين .. د. وليد القططي

الساعة 10:42 ص|26 ديسمبر 2013

الحديث عن الثورات العربية التي اُصطلح على تسميتها بالربيع العربي حديث شائك وملئ بالألغام، ولكن لا بد من المحاولة رغم صعوبة المشهد الحالي في الوطن العربي الذي اندلعت في بعض بلدانه هذه الثورات لنضع النقاط على الحروف.

أولاً: هذه الثورات ثورات حقيقية اندلعت بسبب تراكم الظلم والاستبداد والفساد في الدول العربية، وبسبب احتكار السلطة وامتيازاتها المادية والمعنوية من فئة صغيرة في الدولة مقابل الغالبية الفقيرة المسحوقة المستضعفة المظلومة وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والمشاركة في الحكم والسلطة... فثارت هذه الجماهير ضد مضطهديها من النخبة الحاكمة المستبدة

ثانياً: هذه الثورات لم يكن لها قائد محدد سواء شخص قائد للثورة، أو حزب معارضة خطط للثورة ووجهها، أو جهة خارجية خططت ونفذت خطتها عن طريق اتباعها في الداخل أو عبر وسائل إعلامها

أو مجموعة ثائرة تحركت ثم تبعتها الجماهير.... رغم إن كل ما ذكر يمكن يكون موجوداً في هذه الدولة أو تلك بنسب متفاوتة، فثورة 25 يناير في مصر بدأت من مجموعة من الشباب الرافضين لأن يصبح قدر مصر هو مبارك وأبنائه ونخبته الحاكمة ثم تبعتها الجماهير والأحزاب المعارضة الأخرى. وفي تونس اندلعت الجماهير الغاضبة ضد حكم بن على في ثورة غضب وأُسقطت نظام حكم بن على قبل أن تفيق قوى المعارضة من سباتها وتلحق بالثورة... وهكذا، وقد غاب عن كل هذه الثورات قائد "كارزمي".

ثالثاً: التيار الإسلامي في هذه الثورات لم يكن هو القائد والمخطط والمفجّر لها بل لحق بها كبقية القوى المعارضة الأخرى وركبها واستثمرها لصالحه، وهذا ليس خطأً فإن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، والحديث هنا عن التيار الإسلامي الوسطي كحركة النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر اللذان نجحا في الوصول إلى السلطة عبر انتخابات حرة ديمقراطية رغم ما حدث في مصر بعد ذلك من انقلاب على الشرعية الانتخابية، وما يحدث في تونس من معوقات لا زالت تمنع الثورة فيها من تحقيق أهدافها، وعدم تمكن هذا التيار في ليبيا من أن يكون الأول في الانتخابات التشريعية، ووصوله في المغرب إلى الحكومة تحت ظل الملكية.

رابعاً: هذه الثورات لم تتبن القضايا الكبرى للعرب كقضية فلسطين وقضية الوحدة العربية، والتخلص من التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية... وهي القضايا التي شغلت العرب طوال مرحلة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين وبعض القضايا – كقضية فلسطين – تم تأجيلها إلى اجل غير مسمى، بل وإسقاطها من الفكر والوجدان لصالح قضايا قطرية وتحت مبررات المصلحة الوطنية وعدم ملائمة الزمان لهذه القضايا الكبرى، كما أن قضايا التبعية والاستقلال تلاشت بعد أن جاء بعض ثوار الربيع العربي على ظهر دبابات الناتو وأموال الرجيعة العربية ودعم الأمريكان، وبعض هؤلاء الثوار لا زالوا يستجدوا الأجنبي ليتدخل عسكريا في بلادهم.

 خامسا: إذا كانت الأمور تقاس بنتائجها فإن النتائج الظاهرة أمامنا معظمها سلبية فنظرة سريعة إلى دول ما يُسمى بالربيع العربي لا نجد ما يسرنا فليبيا أصبحت تحت حكم المليشيات المسلحة المتصارعة والمتنافسة والمتطرفة التي قسّمت ليبيا إلى كانتونات مستقلة، وتراجعت الدول الليبية إلى الجانب الشكلي فقط بدون وجود حقيقي على الأرض، ومصر ارتدت إلى حكم عسكري مستبد وانقسم ثوار الأمس إلى قسمين: قسم مع العسكر وقسم ضد العسكر، وتونس لا زالت تراوح مكانها في صراع على السلطة وهوية الدولة دون أن تنطلق حتى الآن نحو تحقيق أهداف الثورة، في اليمن حدث توافق وتقاسم بين النظام الحاكم القديم وبين المعارضة مع بقاء مجموعات متطرفة خارج الدولة ونظام الحكم، وفي البحرين أُجهضت الثورة تحت مبرر الصراع المذهبي بين السنة الحاكمين والشيعة المحكومين، وفي سوريا تحولت الثورة إلى حرب أهلية ضروس تأكل الأخضر واليابس واندفعت مجموعات متطرفة متعطشة للدماء من كل أنحاء الأرض تعتبر أشد تطرفاً وانتهاكاً للحريات وحقوق الإنسان من النظام السوري الذين ثاروا عليه وفي المغرب تمكن النظام الملكي بعد وصول حزب العدل والإحسان لرئاسة الحكومة والحكم في ظل الملكية، وفي السعودية قام النظام الملكي بإجراء خطوات وقائية استباقية بتقديم رشاوى اقتصادية مجزية لفئات الشباب المهمشين والعاطلين عن العمل والذين لا يجدون فرصة في المجتمع السعودي النخبوي.

خامساً: والخلاصة التي يُمكن الوصول إليها هي أن ثورات ما يُسمى بالربيع العربي وقعت ضحية لتطرفين هما أشد سوءاً من بعضهما البعض، وهما تطرف الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة والفاسدة التي تقودها نخبة حاكمة مكونة من الأسر الملكية والجمهورية وأتباعهم من المنافقين والمنتفعين من رجال الأعمال الفاسدين والمثقفين والانتهازيين وغيرهم، وتطرف الجماعات المسلحة التي تتحرك باسم الإسلام وتحمل فكراً إقصائيا يُلغى كل ما عداه ويعمل على تصفيته معنويا وجسديا، وتقدم نموذجا سيئاً للإسلام ملئ بالدماء والأشلاء وتخترق حرمات حافظ عليها المسلمون طوال عصورهم بدءا من الخلفاء الراشدين وحتى اليوم كالمحافظة على أماكن عبادة أهل الكتاب وأضرحة العلماء والصحابة وحرمة الدماء والأعراض والأموال.