تحليل قصف على شفا التصعيد .. ورسائل احتواء وتهديد

الساعة 08:02 ص|26 ديسمبر 2013

أطلس للدراسات

جاء رد الفعل الاسرائيلي على مقتل أحد العاملين في وزارة الحرب الاسرائيلية على حدود غزة عنيفاً ومركزاً، قياساً مع الفترة الماضية التي امتدت منذ حرب الأيام الثمانية، حيث استهدف قصفه مواقع للقسام وسرايا القدس في رسالة مزدوجة المعاني والأهداف؛ أولها تحميل المسؤولية مباشرة لحركة حماس والقسام، وثانيها أن اسرائيل لن تمرر مثل هذه "الاختراقات" للتهدئة بدون رد عنيف، وثالثها أن اسرائيل رغم رد فعلها العنيف لا زالت معنية باستمرار المحافظة على التهدئة ولا ترغب في التصعيد.

الرد الاسرائيلي الذي استند إلى تفويض من نتنياهو ووزير حربه يعلون، يأتي في سياق قراءة اسرائيلية سياسية أمنية للحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية التي يعيش فيها القطاع في الأشهر الأخيرة، تحديداً بعد تنحية مرسي عن الحكم، حيث يعتقد الاسرائيليون أن حكومة حماس تسيطر سيطرة كلية ناجحة على الحالة الأمنية في القطاع، مع استثناءات لبعض الخروقات التي تقوم بها بعض الفصائل الصغيرة عبر إطلاق صاروخ في فترات متباعدة، لكن أمر إطلاق النار عبر بندقية قنص ومن قبل شخص مدرب لا يدخل ضمن تلك الاستثناءات، وإن مثل هذا الأمر لا يتم إلا بمباركة حماس.

كما تعتقد اسرائيل أن حركة حماس تعيش أزمة كبيرة بعد خسارة مرسي، وفي ظل المفاوضات، فهي في حيرة من أمرها بين رغبتها باستمرار التهدئة، وفى نفس الوقت استمرارها في مشروع المقاومة وتصعيد الاشتباك وأعمال المقاومة العنيفة في الضفة لإفشال المفاوضات، وقد اتهمت الأجهزة الأمنية الاسرائيلية حماس بالوقوف خلف عبوة "بات يام".

ربما يعتقد الاسرائيليون وفق استنتاجاتهم أن حركة حماس تريد الاستمرار في المحافظة على التهدئة، لكن مع عدم التسليم أو الاستسلام للردع الارهابي الاحتلالي، وذلك عمليات تكتيكية بين فترات متباعدة لا تؤدي إلى نسف التهدئة، وفي نفس الوقت تحافظ على سخونة جبهة الحدود وتفرض على الاحتلال التعايش مع أمر واقع يقوم على استنزاف تكتيكي محدود في ظل استمرار التهدئة.

هذه المعادلة تخشاها إسرائيل كثيراً، وهو ما تطلق عليه "تآكل حالة الردع" التي يعتقدون أنهم حققوا مستوى عال منها في حرب الأيام الثمانية، لذلك كانت الرسائل الأمنية والسياسية التهديدية التي أطلقتها قيادة دولة الاحتلال حملت مضامين إرهابية عالية، حتى ان بيرس انضم لجوقة المهددين.

حكومة نتنياهو على المستوى الائتلافي وعلى مستوى الظروف السياسية الإقليمية والدولية لا تريد شن حرب عدوانية واسعة على القطاع لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها ما تمتلكه المقاومة من وسائل ردع صاروخي، كما ان جنرالات الاحتلال لا يستطيعون أن يضمنوا للمستوى السياسي انتصار واضح وحقيقي، علاوة على خوفهم من أن أي حرب ستحولهم الى مجرمي حرب، فتقرير غولدستون لا زال ماثلاً أمامهم، وهم يدركون أن احراز أي تقدم عسكري سيكون مرهوناً بسفك دماء كثيرة من المدنيين، وهو أمر لا يمكنهم تجنبه في ظل الاكتظاظ الكبير لسكان القطاع.

هذا فضلاً عن أسباب كثيرة أخرى، لذلك فإن إسرائيل تتبنى سياسة مزدوجة تجاه القطاع، تقوم على تعزيز ردعها ورفع مستوى الإرهاب والتهديد على أمل أن يردع ذلك المقاومة، وحتى لا يصل مستوى التدهور إلى مرحلة "إما يكشف فيها عجز الحكومة وجيشها عن ردع المقاومة وإما الدخول في حرب اضطرارية"، معادلة معقدة تضطر معها حكومة اسرائيل الأكثر يمينية إلى أن تهتم بتخفيف حدة المعاناة الانسانية داخل القطاع عبر الطلب من المصريين بتخفيف الحصار، بحيث لا تنفجر "طنجرة الضغط"، وهى ربما ترحب وتشجع أطرافاً أخرى على مد يد العون للقطاع والتخفيف من معاناته، بما يخفف التوتر ويخدم استمرار سياستها الردعية تحت مظلة التهدئة.

من جهة أخرى؛ فإن أكثر ما استفز جيش الاحتلال من عملية القنص أنها عملياً تعني في حال تكرارها فرض شريط حدودي شرقي السياج محرم على المستوطنين المدنيين التواجد به لأغراض الزراعة وغير ذلك دونما مرافقة واحتياطات أمنية، وهو يفرض تبادلية الأحزمة الحدودية المحرمة على جانبي الحدود بين الجيش والمقاومة.

التهدئة ستبقى صامدة طالما أن طرفي المتراس لا زالا يجدا في استمرارها مصلحة لهم، برغم اختراقها من وقت لآخر لأهداف تكتيكية من بينها تحسين وتعزيز كل طرف لقدراته في ردع الطرف الآخر، لكن سرعان ما سيبادر كل طرف بطريقته وأسلوبه لتطويق مثل هذه الاختراقات، إلى أن تتغير الظروف وتتبدل مصالح أي من أطراف التهدئة، عندها لن تنجح أي محاولات التهدئة والتطويق.