خبر تجفيف « حماس »..! بقلم: أكرم عطا الله

الساعة 07:35 ص|22 ديسمبر 2013

نحن لا نخطط، ولا أعتقد أن هناك مؤسسة فلسطينية أو حزباً سياسياً يعرف ماذا سيفعل غداً أو الشهر القادم أو السنة القادمة، فليس هناك استراتيجية ولا مراكز تخطيط تنشغل بقراءة الأحداث وتحليلها وتتنبأ بالمستقبل، ولا تصورات لما سيحدث سلباً أو إيجاباً لوضع سياسة للتعامل معها، إذ تبدو السياسة لدينا حالة انتظارية تترقب الأحداث ويجري التعاطي معها على قاعدة التعامل مع الوقائع والمستجدات، فنحن محكومون بسياسة رد الفعل وليس الفعل، وأمام تلك الحالة السلبية يكثر السؤال الساذج عن الإنجازات، وكأن تلك تأتي بالمصادفات.
ولكن غيرنا مشغول بالتفكير والتخطيط لنا أو التخطيط والتنفيذ علينا، ويعرف بدقة مسار الأحداث ويوجهها ويوجهنا نحن حيث يريد، وحين تداهمنا الأحداث ونحن مشغولون بصغائر الصراعات على المكانة والنفوذ نتعاطى معها كالقضاء والقدر، الذي لا نسأل سوى اللطف فيه سواء لجهلنا في ممارسة السياسة أو لانشغالنا بما هو ذاتي لدى ذوات وأحزاب تضخمت فأصبحت أكبر من الوطن الذي يقدم كقربان على مذابح المصالح حيناً والجهل أحياناً أخرى.
أصبح هناك ما يكفي من الإشارات الكافية للقراءة، لأن الولايات المتحدة تضع كل ثقلها هذه المرة لتحقيق اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن كان هناك ما أمكن التقاطه في العام الأخير ما يستحق التدقيق والتأمل، لكنها أصبحت أكثر وضوحاً، وآخرها أن قامت بحجز خمسين غرفة فندقية في القدس لخبراء التفاوض الأميركيين ليكونوا على تواصل لحظي مع طرفي المفاوضات، وبات من الواضح أن المفاوضات دخلت في تفاصيل قضايا جوهرية كان الإسرائيلي يرفض حتى الحديث حولها، وتشي التسريبات القليلة والتصريحات النادرة عن الجانبين بأن الأمور يجب أن تؤخذ على محمل الجد هذه المرة، فالإدارة الأميركية تدفع بقوة لتحقيق صفقة بعد أن نجحت في إنجاز صفقة الملف الإيراني، وأصبح من الواضح أيضاً أن جون كيري يصر على نيل جائزة نوبل للسلام.
لكن هذه العاصفة السياسية التي تنتظرها المنطقة كما والتي ستكون العاصفة الثلجية التي ضربت الأسبوع الماضي لعبة أطفال قياسا بها، كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت التي يعمل كيري على إعدادها، تتطلب تمهيد المنطقة أولا وإضعاف معارضي الاتفاق الذي يستلزم حشد تأييد رأي عام شعبي من الفلسطينيين، فحركة حماس التي تحكم قطاع غزة أحد أكبر المعارضين، وإذ يجري العمل على إضعافها في قطاع غزة وهذه المرة عن طريق إنهاك الاقتصاد في هذه المنطقة الفقيرة أصلا، وحين يطال الأمر معظم سكان قطاع غزة، تبقى قيادة حماس وحدها كصوت صارخ في البرية في حين ينتظر الشعب الخلاص.
حركة حماس تعيش الفترة الأسوأ منذ تأسيسها، إذ تشهد المرحلة الأصعب في الحصار يقابلها المرحلة الأقل تعاطفا، فلا صديق يستمع لها ولهمومها، حتى قطر التي كانت بالأمس تغدق مشاريع بمئات ملايين الدولارات، كان لا بد من كارثة تطيح بغزة لتدفع على خجل عشرة ملايين دولار بات من الواضح ارتباطا بالتوجه الأميركي أنها ستكون الأخيرة.
وبينما يجري تحضير طبخة سياسية في واشنطن يجري طبخ غزة على نار هادئة، فليس مصادفة أن تعلن كل الأطراف دفعة واحدة عن انحسار الدعم المالي وصولا لموت الاقتصاد، ليعلن نهاية التجربة الفاشلة في حكم حركة حماس، بصورة تجعل المواطنين يتوقون لأي حل على غرار مقدمات ما قبل أوسلو حين عجزت منظمة التحرير الفلسطينية عن دفع رواتب موظفيها لثمانية أشهر، ولم تتمكن من تسديد إيجار مقراتها.
في لقاء الأربعاء الماضي مع المفوض العام للأونروا روبرت تيرنر، فاجأنا بالقول إن وكالة الغوث لن تتمكن من تسديد رواتب موظفيها للشهر الحالي في موعدها الثابت، وسنخاطب موظفينا لنبلغهم بتأخير الرواتب، وبذلك تنضم وكالة الغوث ربما الأكثر ثباتا إلى سلسلة الارتباك المالي للمؤسسات الثابتة التي تضخ المال في شرايين الاقتصاد الغزي، ولا أعتقد أن تلك مصادفة بريئة من الذين يخططون لنا حيث تتكامل عوامل الأزمة.
فحركة حماس وبعد إغلاق الأنفاق، ووقف توريد السولار الصناعي للمحطة الذي كان يؤمن فرق السعر بين شرائه وبيعه لشركة الكهرباء دخلا معقولا للحركة وضعف الاقتصاد الداخلي وانحسار الجباية، لم تعد قادرة على تأمين فاتورة الرواتب ولم تتمكن من إتمام فاتورة شهر تشرين الأول حتى اللحظة لجميع موظفيها، فيما أحالت نصف راتب شهر آب للمستحقات، وقد يحقق بيع السولار القطري المجاني الذي تم توريده بعد العاصفة الثلجية بعض الدخل، ولكن عمق الأزمة يتراكم كل شهر ولا يبدو أن في الأفق ما ينقذ وضع حكومتها المالي.
وليس من المصادفة أيضا أن تسجل موازنة حكومة الحمد الله نقصا هذا الشهر ليأتي الحل من خلال الأموال التي تأتي إلى قطاع غزة من المواصلات والعلاوات الإشرافية لموظفي السلطة، وربما أن ذلك مقدمة لما تم تسريبه من أن الاتحاد الأوروبي قد يتوقف عن دفع رواتب موظفي غزة بحجة أنه اكتشف أنه يدفع لموظفين لا يذهبون لعملهم وهذا لا يقبله دافع الضرائب الأوروبي، وكأن الاتحاد الأوروبي لا يرى ذلك منذ سبع سنوات، ولكن المسألة ليست صدفة أو اكتشافا متأخرا لدى دول تراقب بدقة كل شيء.
وليس مصادفة أيضا توقف تحويل معظم مشاريع المؤسسات الدولية بقطاع غزة وبعضها ثم تسريح جزء كبير موظفيه، والبعض الآخر يشهد تقليصات كبيرة في الرواتب وتشكو أغلبها بأن لا تمويل مطلع العام القادم وكأنها تنضم لتفاقم أزمة من السذاجة أمام هذه التقاطعات أن تقول إنها مصادفة من المصادفات بقدر ما أنها توحي بتخطيط منظم عاشه الفلسطيني سابقا.
ومن نوادر الأزمة التي تلوح في الأفق والتي ستدفع ثمنها حركة حماس أن مسؤولا كبيرا بالحركة كان يهاجم الرئيس الفلسطيني في مؤتمر صحافي لأنه يدفع رواتب للموظفين المستنكفين عن العمل، وربما لا يعرف ذلك المسؤول أن تلك الرواتب هي التي تسير اقتصاد غزة وهي سبب نجاح حركته بالاستمرار بالحكم، وحين تتوقف عشرات الملايين التي تتدفق شهريا من رام الله سينهار اقتصاد غزة وتنكشف تجربة حماس.
السياسة ليست أحداثا عابرة وخاصة حين تصدر عن دول تقف خلفها مراكز تفكير وعقول هادئة، وفي هذا الوضع يبدو أن حركة حماس أمام الفترة الأصعب والتي ربما تستهدف تجفيفها، هذا الأمر ينطبق على الضفة الغربية إلى حد ما بحيث تبدو الصفقة إن تمت أفضل خياراتها، لكن الأمر أكثر استهدافا لحركة حماس التي على ما يبدو سيشتد الخناق حولها بهدف كشف عجزها وتعرية تجربتها التي غطتها لسنوات أموال السلطة وتمكنت من الاستمرار، وذلك من خلال وقف تدفق الأموال على قطاع غزة الذي تحكمه، ويظهر أن أمام القطاع عدة أشهر قادمة صعبة مطلوب خلالها أن تسبح غزة على بطنها وذلك يحقق أكثر من هدف.
وإذا كان الأمر صعبا على حركة حماس التي تقف أمام مصيرها الأصعب، فهو لا يقل صعوبة على القيادة الفلسطينية التي ستكون أيضا أمام خيارين أحدهما مر، إن قالت نعم فالتكلفة كبيرة، وإن رفضت الصفقة التكلفة أعلى كثيرا!