خبر « مودة ».. لمسة وفاء لأهل العطاء .. توفيق السيد سليم

الساعة 11:17 ص|19 ديسمبر 2013

"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا..."، "مثل  المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى..." ما سبق غيض من فيض مما  جاء به سيد الخلق وخاتم المرسلين وهو يرسي قواعد العلاقات البينية داخل المجتمع المحمدي ليكون مجتمعا مترابطا ومتكاتفا ومتحابا ومتراصا في مواجهة كل الخطوب والتحديات التي قد تحاول النيل منه...

ولأنها الرسالة المحمدية الخالدة إلى يوم الدين.. ليس غريبا ونحن نعيش على بُعد أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان من الصدح والجهر بها هناك في بطاح مكة، أن نعيشها واقعا ملموسا في حياتنا، وليس أدل على ذلك مما شاهدناه وعايشناه خلال الأزمات التي عصفت بنا في غزة تحديدا لا سيما خلال اعتداءات الاحتلال الوحشية في الأعوام (2008-2009- 2012) بالإضافة إلى الآثار الكارثية التي لحقت بقطاعات واسعة من أبناء شعبنا نتيجة المنخفض الجوي غير المسبوق الذي ضرب المنطقة قبل أيام وخلف ضحايا بشرية وخسائر مادية وآثار نفسية بحاجة إلى فترات زمنية طويلة للتخلص منها ومن تبعاتها...

ففي غمرة الأزمة، وبينما كان المتضررون والمنكوبون يحاولون استجماع قواهم لإدراك ما عصف بهم، كانت الطواقم الرسمية الميدانية المخولة بمتابعة الأزمة تبذل قصارى جهدها مشكورة لاستدراك الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه (رغم أن آذاننا صُمّت من كثرة الحديث عن الجاهزية للمنخفض قبل حلوله بأيام)...!

وفي موازاة ذلك الجهد الميداني وقت الأزمة، ولأن الموقف جلل والمصاب كبير لم يتأخر "فرسان الواجب رغم قلة الإمكان" عن امتطاء صهوة النخوة والوفاء انسجاما مع مبادئهم وانحيازهم والتحامهم الدائم واللامحدود مع هموم شعبهم وابتلاءاته التي  يتعرض لها، كيف لا وهو الذي احتضنهم وآواهم في وقت الحرب ليرد لهم الجميل وقت الشدة والمحنة التي ما فتأت تغادره... فكانت "مودّة"!

فمنذ اللحظة الأولى لوقوع "الكارثة" التي ألمّت بالآلاف من أبناء شعبنا من شمال غزة إلى جنوبها، والتي كان بالإمكان تدارك جزء ليس باليسير منها بحسب الكثير من المعطيات والشواهد وإفادات المواطنين، تداعت كافة الأطر والفعاليات المنبثقة عن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، تلك الحركة التي رفعت منذ ولادتها المباركة شعار "تقديم الواجب على الإمكان"، ليأخذ كل دوره في خدمة المجتمع- كما هو ديدنها- بدءاً من جهاز الإسعاف  الحربي التابع لسرايا القدس (يد تنصب الصاروخ وأخرى تغيث الملهوف)، ولجان العمل الاجتماعي والخيري، مرورا بالقيادة السياسية التي عايشت عن قرب هموم المهمومين، وليس انتهاءً باللجان النقابية المختلفة المنبثقة عن الاتحاد الإسلامي في النقابات (في مقدمتهم العمال والأطباء والممرضين)... كل أخذ دوره وموقعه، هذا يقدم خدمة الإنقاذ، وذاك يقدم مساعدة إغاثية عاجلة، وآخر يواسي ويكفكف الجراح ويخفف الآلام، وأولئك يداوون ويقدمون العلاج بالمجّان للمكلومين... في مشهد رائع من مشاهد التكاتف والتعاضد والمودة ينم عن مدى الوعي بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والاجتماعية لمنظومة العمل التي تحكم حركة انبثقت من بين ثنايا "الإسراء" والإحساس بهموم وآمال وتطلعات الجماهير المتعطشة للحرية والعيش بكرامة...

إن "مودة" التي لامست قلوب المكلومين في كافة أرجاء غزة المصابرة والمحتسبة، مطلوب من القائمين عليها –وهم أهلٌ لذلك- أن تظل مستمرة، وأن تأخذ أشكالاً أخرى من الالتحام بالشعب لتعبر عن ضميره وصوته في كافة قضاياه وما أكثرها هذه الأيام... فإن شعبنا الذي قدم وضحى على مدار جولات الصراع المختلفة مع العدو الصهيوني وسني الاحتلال العجاف، بحاجة دوما إلى الأفضل رغم "قلة الإمكان"..!!

ملاحظة: (للأسف لم نسمع حتى اللحظة عن فتح أي تحقيق رسمي –في الضفة وغزة على السواء- أو حتى دعوة للتحقيق في الكارثة، خاصة تلك التي وقعت في شارع النفق بغزة! مع الإشارة إلى أن مؤسسات الاحتلال المختلفة دعت حتى قبل بدء ذوبان الثلوج إلى فتح تحقيق في القصور الذي عصف بمنظومة الخدمات الخاصة بالجبهة الداخلية!)، وهنا نتساءل مجدداً، أليس شعبنا الذي يستحق جدارة الحياة بكرامة.. يستحق دوما الأفضل؟!