خبر المسيحيون في غزة: نتقاسم مع المسلمين الألم.. والفرح إذا استطعنا

الساعة 07:14 ص|18 ديسمبر 2013

السفير

يعاني مسيحيو قطاع غزة، كغيرهم من المسلمين، من ظروف الاحتلال والحصار والانقسام، إذ تمنعهم إسرائيل في أعيادهم من الانتقال إلى الضفة الغربية المحتلة، للاحتفال بها وتأدية طقوسهم الدينية، إلا في حدود ضيقة، لكنهم يواجهون المعاناة ذاتها، في ظل اعتداءات الاحتلال الى جانب ظروف العمل وانقطاع الكهرباء وغيرها.
مع حلول ساعات مساء كل يوم، يتجه خضر الذي يعتنق الديانة المسيحية هو وزوجته وأبناؤه إلى منزل صديقه المسلم أحمد الذي لا يبعد عنه كثيراً في وسط مدينة غزة، وهناك يتبادلون أطراف الحديث عن الحياة والعمل.
لا تخلو الجلسة، التي تمتد حتى منتصف الليل، من حديث عن الوضع السياسي الذي يعيشونه، والنصيب الأكبر يكون لغزة وحصارها، وأرض مهد المسيح وآلام اهلها، لا سيما انهم حرموا من زيارتها لسنوات عديدة بفعل الإجراءات والقيود القمعية للاحتلال.
حال خضر وأحمد، يختصر حال العديد من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة تحت وطأة حصار واحتلال لا يفرق بين أطيافهم ودياناتهم، فيما يجمعهم مصير مشترك، على أساس علاقة يميزها الود والاحترام برغم اختلاف الديانات.. هم في الألم والفرح سواء.
يمارس المسيحيون في غزة حياتهم الدينية بحرّية، وينعمون بحماية الجهات الأمنية، فيتوجهون إلى كنائسهم حينما يشاؤون، وهم جزءٌ أصيل من نسيج المجتمع الفلسطيني وبنيته، وقد كانوا وما زالوا شركاء في النضال والتضحية، وعاشوا مع المسلمين من أبناء شعبهم أحلك الظروف، خاصة في الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع.
ويقول خضر النصراوي (35 عاماً)، إنه كأي مواطن فلسطيني يحب وطنه، لا يستطيع أن يميز نفسه عن اخوته وأصدقائه من المسلمين، لأنه تربى وترعرع معهم، وعاش معهم الظروف والأحداث ذاتها.
وعن صديقه أحمد القدوة يقول خضر لـ«السفير»: «هو وزوجته يعتنقان الإسلام، لكنهما أقرب الناس إلى قلبي، ودائماً نمضي أوقاتنا سوياً كأننا أخوة، نسهر ونتسامر ونسافر معاً، ونتابع حياتنا اليومية ونتواصل بشكل مستمر، كأننا أخوة من أب وأم واحدة».
ويوضح خضر، أن هذه هي طبيعة الفلسطيني الذي لا يمكن أن يفرق بين مسلم ومسيحي، لصعوبة تحديد الفروقات في العادات والتقاليد وأمور الحياة اليومية.
فجأة، يتوقف خضر عن الحديث ويقول بألم: «رغم كل هذا التعايش المميز، إلا أن حالة الانقسام فصلت أبناء الوطن الواحد، وأبعدتهم عن بعضهم البعض، وهذا ما يؤلمنا كمسيحيين ومسلمين».
ويلفت خضر إلى أن واقع مسيحيي غزة لا يمكن فصله عن واقع المسلمين، إذ إنه لا يستطيع أن ينحي نفسه في ظل هذه الظروف الصعبة عن الوضع المعيشي مثلاً، الذي يعيشه كل مواطن غزي، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية وغيرها لا تفرق بين مسيحي ومسلم.
ويعبّر خضر عن أمله في قضاء أعياد الميلاد المجيدة في منزل أسرته الكبير في مدينة الناصرة داخل الأراضي المحتلة في العام 1948، مشيراً إلى أن هذا ما يؤلم عدداً كبيراً من المسيحيين في غزة، ممن لا يستطيعون التنقل بين مناطق الوطن المقطع الأصال، ومشاركتهم أهلهم وأحبتهم فرحة الأعياد وطقوسها.
ويعيش في قطاع غزة ما يقارب 1500 مسيحي من أصل 3500، حيث أجبرت الظروف الصعبة المئات على الهجرة إلى دول مختلفة، وهم يعملون في قطاعات متعددة كالتجارة والعقارات والمصانع والمهن المختلفة، ينتمون إلى أربعة طوائف دينية هي: الروم الأرثوذكس (الغالبية العظمى في غزة)، والكاثوليك والمعمدانيون، والانجيليون.

جسدٌ واحد

ولا يختلف حال دانا ترزي (22 عاماً) التي تنتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس، عن حال خضر النصراوي، إذ تؤكد أن صديقاتها المسلمات يأتين إلى منزلها ويحتفلن معها في مختلف الأعياد، ويشاركن في تزيين شجرة الميلاد معها، وفرحة الاعياد مع عائلتها، مشيرة إلى أن المسيحيين في غزة يشعرون بأنهم جسدٌ واحد مع المسلمين، ويلقون احتراماً وتقديراً ومعاملة حسنة من الجميع، ويؤدون كل طقوسهم ومناسباتهم الدينية بحرّية.
ترزي قالت لـ«السفير»: «إننا فلسطينيون كالجسد الواحد، نعاني من الانقسام والحصار الذي يطال الجميع، ونشارك كل أصدقائنا المسلمين فرحة أعيادهم وأحزانهم، ونشعر بتقارب كبير في ما بيننا».
وأكدت ترزي أن حكومة «حماس» المقالة في غزة تتعامل مع أبناء الطائفة المسيحية كأي مواطن فلسطيني، لكنها شددت على أن ما يؤلمهم كمسيحيين في غزة، هو منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمن هم أقل من (35 عاماً) من الحج إلى بيت لحم وحضور أعياد الميلاد هناك.

هدفٌ واحد

من جهته، أكد الأب مانويل مسلم، رئيس دائرة العالم المسيحي في مفوضية العلاقات الدولية المسيحية، ورئيس الكنيسة الكاثوليكية في غزة سابقاً، وعضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، أن المسيحيين في غزة لا يميزهم شيء، فما يجري على المسلم يجري على المسيحي.
وأوضح الأب في حديثه إلى «السفير»، أن المسلمين والمسيحيين في غزة خصوصاً، يتعذبون ويتألمون ألماً واحداً، ويقاومون مقاومة واحدة، ويعانون سوياً من جريمة الحرب ضد الإنسانية والمتمثلة في الحصار المفروض على القطاع منذ 7 سنوات.
وأضاف: «صحيحٌ أنهم أقلية في غزة لكنهم ينتمون إلى شعب عظيم وهو الشعب الفلسطيني، ولديهم هدف واحد هو تحرير الارض. فعدوّنا واحد: إسرائيل».
وشدّد الأب على أن المسيحي في غزة يحمي المسلم، كما يحمي المسلم المسيحي، فهم جسدٌ واحدٌ يتداعون لنصرة بعضهم البعض ويفرحون لبعضهم البعض، ويعانون من احتلالٍ وحصارٍ واحد.