خبر ارتباك إسرائيلي.. وميل لعدم التصعيد جنوب لبنان

الساعة 07:09 ص|17 ديسمبر 2013

وكالات

 

أربك الحادث الذي وقع ليلة أمس الأول، على الحدود اللبنانية الجنوبية القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. وخلافا للأوامر الثابتة المعهودة بالرد على مصادر النيران تجنّب الجيش الإسرائيلي وقت الحادث، وبحسب المصادر الإسرائيلية، إطلاق النار خشية حدوث تصعيد. رغم أن المعلومات الأولية تحدثت عن مطالبة الجيش لسكان المستوطنات باللجوء إلى منازلهم واتخاذ جانب الحيطة والحذر ورفع مستوى التأهب الأمني، إلا أن التقديرات ذهبت إلى أن الحادث جنائي الطابع. وجرى التركيز على أن الجيش، وحتى بعد مرور ساعات على مقتل الجندي الإسرائيلي، يحقق في تفاصيل الحادث، وأنه يكتفي بتسيير دوريات برية وجوية وإطلاق قذائف الإضاءة.

ويوم أمس، وبعد إعلان مقتل الرقيب أول شلومي كوهين، بدأت في التكشف تقديرات واتهامات متبادلة. فالجيش الإسرائيلي، على ما يبدو بوغت بالحادث ولم يعرف كيف سيتصرف. وتنامت لديه تقديرات متناقضة بأن الحادث قد يكون سببه دوافع جنائية أو أنه مجرد عملية صرف أنظار عن عملية تسلل تجري في مكان آخر على طول الحدود. ووفق رواية إسرائيلية فإن الجندي اللبناني مطلق النار كان ضمن ستة من الجنود اللبنانيين، قبل أن ينفصل عنهم فجأة ويبتعد ليبدأ إطلاق النار على السيارة العسكرية الإسرائيلية. وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن جنود الموقع العسكري الذين هبّوا لإنقاذ الجندي المصاب رأوا «أشباحا» في الجانب اللبناني فأطلقوا نيراناً من أسلحة خفيفة باتجاهها من دون التحقق إن كانوا أصابوا أحدا أم لا. ولذلك كانت الخطوة الأولى احترازية وهي رفع حالة التأهب ومطالبة المستوطنين التزام بيوتهم بانتظار أية تعليمات جديدة وإرسال تعزيزات كبيرة إلى الحدود. وأقام الجيش الإسرائيلي الكثير من الحواجز على الطرقات فضلا عن تسيير دوريات جوية مكثّفة لضمان عدم حدوث تسلل عبر الحدود.

ولكن بعد التدقيق المطوّل تبين أن أي اختراق للحدود لم يحدث وأن الفاعل جندي من الجيش اللبناني ولم يخترق الحدود. وحينها انتقل الحديث، حسب ضابط إسرائيلي كبير، إلى أن «الجيش الإسرائيلي جاهز في الشمال ونحن ندرس رد فعلنا». وأبلغ ضابط كبير آخر صحيفة «معاريف» أن «الحادث كما يبدو تم على يد جندي لبناني على مسؤوليته الشخصية. لكننا لا نزال نحقق في الظروف». وأضاف «إن الرصد الإسرائيلي أظهر احتشاد عدد كبير من الجنود اللبنانيين بعد إطلاق النار، فقمنا بنقل رسائل مشددة لليونفيل ونحن ندرس خطواتنا اللاحقة». وقد بدأت قيادة الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي تحقيقاتها العملياتية حول ظروف الحادث. كما أجرت هيئة الأركان العامة مداولات بشأن الرد المحتمل والمناسب من جانب إسرائيل، وتركت للمستوى السياسي أمر اتخاذ القرار.

واتجه اهتمام الجيش الإسرائيلي لمعرفة إن كان الجندي اللبناني الذي أطلق النار تصرف من ذاته أو وفق أوامر من جهات في الجيش أو حتى من «حزب الله» أو جهات أخرى. وأعلن وزير الجيش الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون أن حكومته طلبت توضيحات من الحكومة اللبنانية عبر الأمم المتحدة. وأضاف أن «ما جرى أمس على الحدود اللبنانية كان خطيرا. وكما نعلم فإن مطلق النار على جندينا هو جندي لبناني، ونحن نرى الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية مسؤولين عما يجري في جانبهم. وسوف يلتقي اليوم ضباط الاتصال من الجيشين الإسرائيلي واللبناني في مقر اليونيفيل لاستيضاح تفاصيل الحادث. ونحن نطالب لبنان بتفسير دقيق لما جرى، فإذا كان جنديا عاصيا فماذا فعلوا به وماذا ينوون أن يفعلوا لمنع وقوع حوادث من هذا النوع؟».

وقد وقعت عملية إطلاق النار على السيارة التي كان يستقلها الجندي الإسرائيلي في الطريق الأمني على الحدود، على بعد عشرات الأمتار من موقع الجيش الإسرائيلي في رأس الناقورة. وجرى الحديث عن أن ما أطلق كان ست أو سبع طلقات من سلاح خفيف كانت كافية لقتل الجندي الإسرائيلي لأنها أطلقت من مسافة قريبة. واستذكر الجيش الإسرائيلي حادثا أخطر وقع قبل حوالي ثلاث سنوات في آب 2010 حينما قتل جندي لبناني ضابطا في الجيش الإسرائيلي برتبة مقدم استدعت حينها رد فعل موضعي عنيف.

ويبدو أن إسرائيل، وفق الصحف الإسرائيلية، لم تكن معنية بالتصعيد، أو على الأقل بتصعيد واسع. وحاولت إقناع نفسها بأن الأوساط اللبنانية عموما و«حزب الله» خصوصا غير معني بالتصعيد، كل لأسبابه، وخصوصا بسبب الحرب الأهلية في سوريا. وحتى رغم الاتهامات من جانب «حزب الله» لإسرائيل بالمسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن عدد من التفجيرات، فإن الحزب لا يبدو أنه مستعد لفعل ما يمكن أن يقود إلى التصعيد. ومع ذلك ذهب قليل من المعلّقين إلى عدم استبعاد أن يكون «حزب الله»، المعني بالانتقام لاغتيال الشهيد حسان اللقيس، آثر أن ينفذ جندي لبناني عملا لا يقود إلى بدء حرب إسرائيلية. عموما أكد عدد من المعلقين من البداية أن من المشكوك فيه أن تنجرّ إسرائيل إلى ردّ فعل واسع يقود إلى تصعيد مع لبنان.

ووجه والد الجندي الإسرائيلي اتهامات للجيش بالإهمال وذلك عبر تساؤلات عرضها في مقابلة مع موقع صحيفة «إسرائيل اليوم». وقال: «لدينا الكثير جدا من التساؤلات التي لم نحصل من الجيش على إجابات لها: ماذا كان يفعل ابننا هناك؟ ولماذا سافر من دون مرافقة؟ وكيف نزف حتى الموت؟». وقد حاول الجيش التوضيح أنه أرسل مروحية لنقله إلى مستشفى رمبام في حيفا إلا أنه توفي أثناء نقله وقبل وصوله إلى المستشفى في نهاريا. ورد الجيش على الاتهامات بالإشارة إلى أن الجندي كان، وخلافا للتعليمات، لا يعتمر خوذته ولا يلبس الصدرية الواقية من الرصاص ولم يحمل سلاحه، فضلا عن أن خروجه من قاعدته تم على ما يبدو من دون إذن. والجندي الإسرائيلي يعمل أصلا في القاعدة البحرية الإسرائيلية على شاطئ رأس الناقورة.

واعتبر عضو الكنيست من «كديما»، نائب رئيس الشاباك سابقا، إسرائيل حسون «أنه رغم الحادث، من الأفضل لإسرائيل الحفاظ على الوضع القائم الهادئ على الحدود مع لبنان». وأضاف أن «السؤال هو إلى أين تتجه الأمور؟ لأن الوضع القائم أمر هشّ. وإذا كان لا بد من الرد، فينبغي أن يكون موضعيا جدا. الواقع كما هو اليوم جيد لإسرائيل».

وحاول المعلق العسكري في «معاريف»، عمير ربابورت الرد على السؤال المطروح في إسرائيل وهو «كيف الرد؟»، وأشار إلى أن «العملية التي قتل فيها جندي من الجيش الاسرائيلي تظهر فقط أنه تحت سطح الهدوء التام، الظاهر السائد على الحدود الشمالية يوجد برميل من البارود آخذ في الامتلاء منذ انتهاء الحرب اللبنانية الثانية في العام 2006. فقد انتهت الحرب إياها في أن الجيش اللبناني انتشر على طول الحدود، والطرفان ـ حزب الله واسرائيل ـ انشغلا بالتسلح على مدى السنين». وأضاف أنه «كان يخيل في السنوات الاخيرة أن هناك ردعاً اسرائيلياً حيال حزب الله، ولكن في الاشهر الاخيرة شيء ما تغير: فقد وجّه حزب الله اصبع اتهام الى اسرائيل في سلسلة أحداث وصفتها وسائل الاعلام الاجنبية بهجمات اسرائيلية على ارساليات السلاح الى المنظمة وكاغتيالات لرجالها».

ومع ذلك أشار ربابورات إلى «أنه يبدو أنه ليست للعملية التي وقعت أمس صلة لحزب الله، فقد نفذها جندي في الجيش اللبناني، الخاضع للحكومة اللبنانية. أما عمليا، فان قوات الجيش اللبناني التي تخدم قرب الحدود مع اسرائيل تستند في معظمها الى أبناء الطائفة الشيعية، والكثير من الجنود يرون في حسن نصر الله زعيمهم الحقيقي». وأوضح أن التحقيق الأولي أظهر أن «الجندي اللبناني الذي نفذ عملية اطلاق النار عمل بمفرده. فقد أطلق 6 7 رصاصات نحو السيارة التي تحركت بمحاذاة استحكام سلاح البحرية في رأس الناقورة. وكانت النار دقيقة جدا ويبدو أنها نفذت من بندقية قناصة. يحتمل أن يكون الجندي حقا عمل على عاتقه، ولكن يمكن أن يكون حزب الله هو الذي بعثه كي ينقل رسالة ما الى اسرائيل. واذا كان كذلك فان هذا نمط عمل سبق للمنظمة أن انتهجته في العقد الماضي، قبل حرب لبنان الثانية، حين كانت تنفذ نار القناصة نحو الاراضي الاسرائيلية حين كان يبدو لها أنها خرجت عن «قواعد اللعب».

وخلص ربابورات إلى أنه «بعد العملية أمس، قدمت اسرائيل الى قيادة الامم المتحدة شكوى رسمية حادة اللهجة ضد الجيش اللبناني. واذا ما قبلت الادعاء بأن الجندي عمل على عاتقه، يحتمل أن تكتفي بالشكوى. ولكن حتى لو لم تقبل هذا الادعاء، مشكوك أن ترد اسرائيل في الايام القريبة بشكل من شأنه أن يشعل كل الحدود الشمالية. وهذا كما أسلفنا هو التحدي الذي تضعه العملية أمام الجيش الاسرائيلي: كيف الرد؟».