خبر برودة المنطقة وسخونة جولات كيري .. مركز اطلس

الساعة 07:45 ص|16 ديسمبر 2013

أطلس للدراسات

برودة أجواء المنطقة التي تصل حد التجمد، يبدو أنها لا تؤثر علي جولات كيري التي تزداد سخونة، وترتفع معه حرارة استجابة الأوروبيين لتنسيق المواقف دعما لإنجاح مهمات كيري، فبدا معه حراك التسوية ينشط وتدب فيه الحياة بشكل معاكس للواقع، وكأنه تجند لمهمة المستحيل؛ مهمة كيري في التوفيق بين الاحتلال وهواجس أمن اسرائيل من جهة وبين السلام المسكين الذي علية أن يلائم نفسه "لنزاهة كيري وسخاء نتنياهو وحمائمية ليبرمان" من جهة ثانية، حراك اسرائيلي أوروبي يحاول دعم جهود كيري، فداخل إسرائيل بدأ بعض رجال الصحافة وشركاء ائتلاف نتنياهو في التحذير من الخطوات الأوروبية الآخذة بالتبلور تجاه تعزيز مسيرتهم ضد المستوطنات في حال وصول المفاوضات الى طريق مسدود، والمقاربة بين جنوب إفريقيا وتل أبيب عشية سقوط نظام الابارتهايد من حيث استدعاء الحصار والمقاطعة، أما على مستوى الائتلاف فثمة عدم استقرار تعبر عن رغبة تتبلور لدى حزبي "يش عتيد" و"الحركة" لافتعال أزمة مع حزب "البيت اليهودي" وهو حزب المستوطنين الذي تقول عنه ليفني أن هدفه هو تخريب المفاوضات، لكن انزعاج رئيس حزب "يش عتيد" يائير لبيد من "البيت اليهودي" يتماثل مع انزعاج نتنياهو من "البيت اليهودي" هو انه يفسد عليهم تمثيل لعبة الرغبة بالتوصل للسلام، لكن بينت المقتنع بصدق أن كل عملية السلام عبارة عن مسرحية يصر على أن يلعب فيها دور القلق  الخائف والمخرب لينال إعجاب جمهوره ويكسب المزيد من الأرض.

إلا أن كيري على ما يبدو يعيش في عالم آخر، عالم ليس فيه أي وجود لمفاهيم إرادة الشعوب وتطلعها للحرية أو لحق تقرير المصير، عالم يهيمن عليه مفهوم البزنس والصفقات، كل شيء يمكن حله بالعصا والجزرة والتحايل على المبادئ والمفاهيم، فها هو يصر على أن يتجاهل حقيقة الاحتلال وحقيقة جوهر اساس ائتلاف نتنياهو الرافض ببساطة لأي نوع من التسويات التي تنهي الاحتلال وتوقف مشروع الاستيطان، كيري يتجاهل كل ذلك ويصر على أن يغتصب من الفلسطينيين تنازلات ليرضي بها نتنياهو ويعوضه عن ملف إيران، وفي وجه الفلسطينيين تشهر كل الأسلحة وفي مقدمتها سلاح الحصار المالي، ومن جهة أخرى اغراؤهم بأوهام اقتصاديات السلام.

ليس بعيداً عن ذلك ما يبثه الاتحاد الاوروبي عبر موظفين كبار مجهولي الهوية من أن الاتحاد الاوروبي سينظر في استمرار تمويله لمؤسسات السلطة في حال فشلت المفاوضات، وكأن السلطة مسؤولة مسبقاً عن نتيجة المفاوضات، وفي المقابل الحديث عن حوافز كثيرة في حال الوصول الى حل للنزاع، حيث تم نشر مشروع قرار أوروبي سيتم اعتماده برفع مستوى الشراكة مع فلسطين واسرائيل في حال الوصول للسلام الى درجة استثنائية.

أما الضغوط الأوروبية على اسرائيل فهي تأتي متدرجة ومتدحرجة وبالتنسيق مع كيري، الذي يريد عبرها أن يلوح لنتنياهو بالكرت الأصفر التحذيري من مغبة أن تلاقي اسرائيل في حال استمرار تعنتها مصير جنوب إفريقيا قبل سقوط نظام الابارتهايد.

فمن قرار الاتحاد الاوروبي بضرورة وسم منتجات المستوطنات بوسم خاص يظهر منشئها الى إجبار اسرائيل على توقيع اتفاقية "هورايزون" بشرط عدم استفادة المشاريع العلمية في المستوطنات من أموال المنحة؛ إلى مقاطعة بعض الشركات الأوروبية للاستثمار في أراضي الـ 67، وآخرها كانت شركة مياه هولندية؛ إلى وتوقف رومانيا عن إرسال مواطنيها للعمل في إسرائيل اذا لم تتعهد الأخيرة بعدم تشغيلهم داخل أراضي الـ 67، وآخرها كانت نصيحة وتوصية بريطانية لمواطنيها وشركاتها بعدم الاستثمار أو إجراء الصفقات أو السياحة في المستوطنات، وحذرتهم من أنهم قد يتعرضون لأضرار اقتصادية وأخرى قد تلحق سمعتهم، لأن المستوطنات حسب القانون الدولي مقامة على أرض محتلة وهي ليست جزء شرعي من إسرائيل، وذكرت بريطانيا في بيانها أن المستوطنات عقبة في وجه السلام وتهدد حل الدولتين.

وحسب كتاب اسرائيليين فإنهم يتوقعون أن هذه هي البداية فقط، وأن اليوم الذي قد تتحول فيه التوجهات الرسمية والشعبية الأوروبية إلى تسونامي بمقاطعة إسرائيل، ليس ببعيد في حال ظلت حكومة نتنياهو تتمسك بالاستيطان على حساب السلام.

نتنياهو الذي يبرع في قلب الحقائق وتسويق إسرائيل كواحة الاستقرار والديمقراطية والحرية؛ أدرك هذه الأيام أكثر من غيره أن مهارة الخطابة وقلب الحقائق ونفاق الأقربين لا تستطيع أن تحتال وتخدع عقول وقلوب البشرية، فلم يجرؤ على المشاركة في تأبين المناضل الأممي الكبير مانديلا، ولم يرد أن يذكر العالم في بث حي ومباشر بآخر قلاع العنصرية والاحتلال، وقد نجح في أن يوفر على إسرائيل تنديداً أممياً.

كيري الذي يكثف جولاته المكوكية محاولا بعث أملاً في مشروعه، مدفوعاً بما يقوله هو انقاذ اسرائيل مما ينتظرها في حال فشلت المفاوضات، ونحن نعتقد أنه حقيقة مدفوع بحرص شديد على مستقبل إسرائيل، وهو من نوع حرص الاصدقاء الحكماء على مستقبل صديق أرعن وأعمى البصيرة تسيطر عليه شهوة السلطة والاستيطان ومفتون بقوته.