خبر قَطْر العقوبات على اسرائيل يهدد بأن يصبح طوفانا- هآرتس

الساعة 11:07 ص|15 ديسمبر 2013

بقلم: براك ربيد

التقى دبلوماسي اوروبي رفيع المستوى قبل بضعة اسابيع مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاسرائيلية. وكان أحد المواضيع التي تحدث عنها الاثنان استمرار عقوبات الاتحاد الاوروبي على المستوطنات. وأشارت خلاصة ذلك الحديث اشارة جيدة الى أحد التهديدات الشديدة التي ستواجهها اسرائيل في السنة القريبة وهو ازدياد العزلة الدولية قوة. "إن اعلام منتوجات المستوطنات بعلامات في طور جمود في هذه المرحلة"، قال الدبلوماسي الاوروبي لمحادثه الاسرائيلي. "لكن إعلم أنه اذا دُفع التفاوض مع الفلسطينيين الى طريق مسدود فتوقعوا طوفان عقوبات". وفوجيء الموظف الاسرائيلي الرفيع المستوى قليلا بالتصريح الشديد. "أليست ظروف فشل التفاوض مهمة؟"، سأل. وأجاب الدبلوماسي الاوروبي قائلا: "أنتم خاسرون في لعبة الاتهامات، كما تبدو الامور الآن".

بقي خمسة اشهر اخرى لنهاية المدة التي حُددت للاتصالات بين اسرائيل والفلسطينيين. وعلى خلفية السير في نفس المكان في المحادثات استعد وزير الخارجية الامريكي جون كيري ليعرض على الطرفين اتفاق اطار في محاولة لاختراق الطريق المسدود والزام الزعيمين أن يتخذا قرارات.

حذر كيري نفسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من "حملة سلب شرعية وقطيعات قوية" ستنطلق اذا فشلت محادثات السلام، بيد ان نبوءة غضب الدبلوماسي الاوروبي الكبير ووزير الخارجية الامريكي بدأت تتحقق في هذه الايام. ليس الحديث الى الآن عن طوفان عام من عقوبات وقطيعات من قبل الدول الغربية لكن من المؤكد أنه يمكن أن نشعر بقطر أخذ يقوى. والأهداف الرئيسة لتلك الاجراءات هي المستوطنات في الضفة الغربية وكل كيان يتصل بها.

إن عددا يزداد من شبكات السويق في اوروبا لا تنتظر التوجيهات وبدأت ببساطة تعلم منتوجات المستوطنات بعلامات. وفي مقابل ذلك يقوى جهد القطيعة مع منتوجات اسرائيلية تأتي من المستوطنات، مثل تمر "المجهول" من غور الاردن، أو آلات وزجاجات من شركة "صودا ستريم" التي يوجد أحد مصانعها في سهل أدوميم. وفي استعداد لعيد الميلاد تجري حملات دعائية للقطيعة مع منتوجات الشركة في بريطانيا وايطاليا، وفي الولايات المتحدة وكندا واستراليا ايضا.

قبل بضعة اسابيع أوقفت شركة "أهافا" التي تبيع منتوجات من البحر الميت، كل أنشطتها في جنوب افريقيا بسبب حملات دعائية للقطيعة مع منتوجاتها التي تأتي من وراء الخط الاخضر.

لا تتضرر شركات اسرائيلية فقط بل شركات دولية ايضا تعمل وراء الخط الاخضر. فشركة النقل العام الفرنسية الضخمة "فيوليا" تحت ضغوط ثقيلة بسبب نشاطها في شرقي القدس وفي اماكن اخرى وراء الخط الاخضر. وقد أعلنت شركتها الفرعية في اسرائيل منذ زمن غير بعيد أنها ستتوقف عن استعمال خط الحافلة في الشارع 443.

وثم مثال آخر وهو اتحاد شركات الحراسة البريطانية "جي 4 إس" الذي خسر عقودا في جنوب افريقيا بسبب نشاطه في المستوطنات ويواجه حملات دعائية في كينغز كوليج في لندن وفي جامعة شفيلد البريطانية لسحب استثمارات الجامعة من الشركة.

في الاسبوع الاخير فقط ظهرت عدة أمثلة على هذا التوجه. فقد نشرت حكومة بريطانيا توصيات لرجال اعمال وفيها تحذير من الاستثمار أو نقل اموال أو شراء أملاك في المستوطنات "بسبب الخشية من ضرر صوري وقانوني"، أما شركة الماء الكبرى في هولندة فأعلنت أنها تقطع جميع الصلات بـ "ميكوروت" بسبب نشاطها في المناطق، بعد "تشاور" مع وزارة الخارجية في لاهاي.

بل إن حكومة رومانيا التي تعتبر معتدلة فيما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي في الضفة، طلبت في اطار تفاوض في اتفاق لاستعمال عمال رومانيين في اسرائيل ألا يُرسلوا الى اعمال بناء في المستوطنات. إن وزارة الخارجية في القدس تواجه هذه الاجراءات عاجزة. وحينما يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بموجة بناء خمسة آلاف وحدة سكنية في المستوطنات ويحاول وزير الاسكان اوري اريئيل أن يُحدث تسونامي بناء في المستقبل بنشر مناقصات تخطيط لـ 24 ألف وحدة سكنية اخرى في المناطق، يصعب أن نُقنع بأن اسرائيل تسعى الى حل دولتين للشعبين.

إن كل ما بقي للدبلوماسيين الاسرائيليين هو أن يعبروا عن عدم الرضا أمام وزارة الخارجية في لندن لأن التحذيرات لرجال الاعمال تضر بالاتصالات بالفلسطينيين وأن يؤدوا احتجاجا الى السفير الهولندي في تل ابيب "على الجو الذي تُنشئه وزارة الخارجية في لاهاي التي تشجع القطيعة مع اسرائيل". وأن تنذر حكومة رومانيا انذارا يجعلها ترجع الآن عن مطالبها المتعلقة بمكان إعمال العمال.

لكن مسؤولين كبار في وزارة الخارجية يعترفون بأن كل ذلك هو بمنزلة أكامول أو لصقة جروح في أحسن الحالات. إن أمواج البناء في المستوطنات بعد كل دفعة افراج عن السجناء الفلسطينيين ربما تُسكّن مجلس "يشع" وحزب البيت اليهودي، لكنها تُغضب المجتمع الدولي وتجعله يفكر في تشديد العقوبات على المستوطنات.

إنهم في وزارة الخارجية يشيرون الى نشر التوجيهات الجديدة عن المفوضية الاوروبية بشأن الانفاق على المستوطنات أنها نقطة سمة استراتيجية بالنسبة لمؤسسات الاتحاد نحو الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية. وتحظر التوجيهات تقديم هبات أو قروض أو جوائز الى من يوجد في المستوطنات بل تمنع تقديم قروض الى جهات اسرائيلية تجري نشاطا ما في المستوطنات. لكن في حين حظيت التوجيهات المتعلقة بحظر النفقة في المستوطنات، بتغطية اعلامية، تم تقديم عقوبات اخرى من المفوضية الاوروبية تحت الرادار. وذكر مسؤول كبير في وزارة الخارجية أنه في شهر حزيران نشرت المفوضية الاوروبية توجيهات تقول إن شهادات النوعية التي تصدرها خدمات حماية النبات في اسرائيل بالنسبة للمنتوجات الزراعية التي تأتي من وراء خطوط 1967 لن تحظى بالاعتراف بها.

ونشر في تموز تقرير المفوضية الاوروبية الذي يقول إنه لن يتم الاعتراف بالصلاحية الاسرائيلية لاصدار رخصة لمنتوجات عضوية من تلك المناطق. وليس الحديث عن استقرار الرأي على حظر استيراد المنتوجات من المستوطنات الى الاتحاد الاوروبي، لكن هذه الخطوات يتوقع أن تجعل من الصعب جدا على مزارعين من المستوطنات أن يسوقوا منتوجاتهم في اوروبا وتسبب لهم ضررا اقتصاديا عظيما.

ولهذه الاسباب فان العلاقات بين وزارة الخارجية الاسرائيلية وخارجية الاتحاد الاوروبي سيئة جدا. وبين الدبلوماسيين الاسرائيليين وهيئة الموظفين في بروكسل توتر وشك بل عداوة. والشعور في القدس هو أن العاملين مع وزيرة الخارجية الاوروبية كاثرين آشتون في بروكسل وفي شرقي القدس بل في تل ابيب يحثون دائما على عقوبات وضغط آخر على اسرائيل بسبب المستوطنات ويُعدون بحماستهم دولا اوروبية اخرى. "يوجد مسار بروكسلية في وزارات الخارجية في العواصم المختلفة في اوروبا"، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية.

تنتقل موجة القطيعات بسبب الاحتلال في المناطق من اوروبا الى امريكا الشمالية ايضا. فقبل اسبوع اتخذت مديرية اتحاد المحاضرين للدراسات الامريكية في الولايات المتحدة قرارا لم يسبق له مثيل، على القطيعة مع الجامعات في اسرائيل. وسيوجد فيما يُستقبل من هذا الشهر اقتراع بين آلاف المحاضرين الاعضاء في هذه المنظمة لاجازة القرار بصورة نهائية.         

قبل ذلك ببضعة اسابيع عقد المؤتمر السنوي لمنظمة صحة الجمهور في الولايات المتحدة التي تجمع ثلاثين ألف طبيب وممرض وعامل اجتماعي. وسقط القرار الذي يرى أن اسرائيل تضر بصحة الفلسطينيين بعد جهود ضغط من منظمات يهودية استمرت اشهرا.

 وتبلغ مبادرات القطيعة ايضا الى كنائس ليبرالية في امريكا الشمالية، فقد بدأت الكنيسة البروتستانتية الكبرى في كندا – يونايتد تشيرتش – حملة دعائية للقطيعة مع منتوجات المستوطنات ومع شركات تعمل وراء الخط الاخضر.

 يقول بحث جديد صدر عن معهد "مولد" (مركز تجديد الديمقراطية) الذي يشتغل بمنزلة اسرائيل في العالم وبقضية العزلة الدولية أن اسرائيل قابلة للضرر بصورة خاصة بسبب العقوبات والقطيعات من جهة شركات في الغرب، وذلك خاصة بسبب العداوة لها من الدول المجاورة وحقيقة أن 40 بالمئة من انتاجها الوطني الخام يأتي من التصدير وبخاصة الى اوروبا.

وأشار البحث الى ظاهرة تحظى بصدى أقل وهي "القطيعة الخفية": فان رجال اعمال أو فنانين أو اكاديميين اسرائيليين يشهدون بأنهم أصبحوا يلقون قدرا أكبر من رفض اشخاص دوليين التعاون معهم بسبب "الشحنة السياسية" التي تقترن بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني. بل إنه يصعب تقدير مبلغ الضرر الذي يُحدثه ذلك بالاقتصاد الاسرائيلي.

 ويقول كاتبو البحث إنه برغم الصعاب التي واجهتها اسرائيل منذ كان انشاؤها، حظيت بنجاح كبير في عقد أحلاف مع الولايات المتحدة واوروبا، لكن هذه العلاقات ساءت في السنوات الاخيرة وصارت الى ازمة تعرض مستقبلها للخطر. وبيّن البحث الذي فحص عن مجالات الثقافة والعلوم، والاقتصاد والعلاقات السياسية أن مصدر أكثر التوتر بين اسرائيل والدول الغربية هو السيطرة الاسرائيلية على المناطق. وقال البحث إن هذا التوجه لن يتغير بل سيقوى فقط كلما مر الوقت بلا تقدم سياسي.

"إن استمرار الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية واصرار حكومات اسرائيل على الاستمرار في مشروع الاستيطان مسؤولان بصورة مباشرة وحدهما عن اضعاف مكانة الدولة الدولية"، ورد. "وما دامت المستوطنات على حالها فانه يتوقع أن يزيد خطر عزلة اسرائيل".

ويقول كاتبو البحث إن تغيير التوجه وصد تهديد العزلة الدولية ليسا متأخرين، لكن نافذة الفرص لفعل ذلك ليست غير محدودة. "إن اسرائيل في فترة رحمة ما زالت تتمتع فيها بتأييد حليفاتها التاريخية وتغرق فيها الدول المحيطة بها في صراعات داخلية"، كتبوا. "إن كل خطة تقريبا تتجاوز اجراء تفاوض لا بقاء له وتعبر عن استعداد عملي لانهاء السيطرة الاسرائيلية في المناطق تنفع اسرائيل. إن هذه الخطوة ستنشيء فصلا حادا بين معارضة وجود اسرائيل ومعارضة الاحتلال".