خبر إسرائيل ونظام بريتوريا العنصري: إرث أسود لعلاقة متشابكة.. حلمي موسى

الساعة 09:14 ص|12 ديسمبر 2013

تحاول إسرائيل منذ انتهاء الحرب الباردة أن ترسم لنفسها صورة الدولة المدافعة عن الحرية والديموقراطية في العالم، بل وتحاول أن تعيد كتابة تاريخها بشكل ينسجم مع ذلك. وفي هذا السياق تحتاج إلى قدر كبير من الفظاظة لإزالة اللطخات السوداء الكثيرة التي حفرتها علاقاتها مع الأنظمة الاستبدادية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. غير أنها تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير عندما يتعلق الأمر بمحاولتها إزاحة إرث ثقيل من التعاون والتماثل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقد برزت صعوبة ذلك على وجه الخصوص عندما عجزت عن التماثل مع العالم بأسره في التعاطي مع وفاة المناضل نلسون مانديلا، الذي وفر لحظة التفاف عالمية حول إرث معادٍ للعنصرية والاستعمار.
ويحاول عدد من الإسرائيليين، الراغبين في الإحساس بأنهم كباقي شعوب الأرض، الإيحاء بأن العلاقات بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كانت عابرة. ويقفز هؤلاء أصلاً من فوق واقع التماثل في المنطلقات بين الصهيونية والتفرقة العنصرية زمانياً ومصلحياً. والأمر ليس اضطراراً، ولم يحدث فقط في السبعينيات، بل سبق ذلك واستمر إلى وقت انهيار نظام الفصل العنصري. وادّعاء أن إسرائيل أنشأت العلاقات مع جنوب أفريقيا بعد قطع الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل إثر «حرب تشرين» العام 1973 ليس صحيحاً البتة برغم أنه يشير إلى تعمقها.
ويشير المعلق الأمني في «هآرتس» أمير أورون إلى المواقف العنصرية تجاه السود عموماً في السياقين الأفريقي والأميركي، التي كانت رائجة في القيادة الإسرائيلية. ويستذكر أقوال اسحق رابين العنصرية تجاههم حينما كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن، وأفعال شمعون بيريز في بلورة العلاقات السرية مع جنوب أفريقيا بعد «حرب تشرين»، وتشكيله لجنة «إيسا» المشتركة. وفي ذلك الوقت تسارع النهم الإسرائيلي للعثور على شركاء إقليميين، خصوصاً إيران وجنوب أفريقيا، لتعزيز الصناعات العسكرية الإسرائيلية. ويشرح أن «رابين وبيريز لم يكونا الوحيدين اللذين طورا الملف الجنوب أفريقي. عندما فتحت الأرشيفات الرسمية في بريتوريا ووقعت في ايدي باحثين نشطاء، ومنهم الى الكتب ومخزونات المعلومات، رشحت منها مواد مثيرة عن نسيج العلاقات الخفية بين كل وزير دفاع ورئيس اركان في إسرائيل وبين الجالسين في رأس الرجاء الصالح».
وتبين الوثائق، التي كشف عنها بعد سقوط نظام التفرقة العنصرية، أن بيريز مثلاً اقترح تزويد جنوب أفريقيا بنصف إنتاج إسرائيل من دبابات «ميركافا»، فضلاً عن المشتريات من اليورانيوم الجنوب أفريقي. بل هناك إجماع على أن القنابل الست التي فككتها جنوب أفريقيا في تسعينيات القرن الماضي، كانت تحمل بصمات الشراكة الإسرائيلية. وعدا ذلك هناك صواريخ «يريحو»، وهي نتاج تطوير مشترك، وحملت في جنوب أفريقيا اسم «شيله». كما جرت محاولات لإشراك جنوب أفريقيا تقريباً في كل المشاريع الإسرائيلية لإنتاج الصواريخ والطائرات الحربية.
واعتبر ألوف بن في «هآرتس» أيضاً أن نظام التفرقة العنصرية أنقذ الصناعات الحربية الإسرائيلية حتى وهو في النزع الأخير. وأشار إلى أن جنوب أفريقيا كانت الزبون الأكبر والأهم، لأن جيشها كان يتمتع بميزانية هائلة في وقت فرض الغرب عليه عقوبات، ورفضوا تزويده بالسلاح. وكانت إسرائيل الدولة الوحيدة بين الدول «الغربية»، التي لم تطبق نظام العقوبات الذي فرضته الأسرة الدولية على جنوب أفريقيا.
واعتبر بن أن التعاون الإسرائيلي الجنوب أفريقي بلغ ذروته في نهاية الثمانينيات، حينما شاركت إسرائيل جنوب أفريقيا التكنولوجيا الصناعية العسكرية التي جمعتها على مر السنين. وكانت أكبر الصفقات التي عقدت هي التي أبرمت في العام 1988، حينما باعت إسرائيل بقيمة 1,7 مليار دولار لجنوب أفريقيا 60 طائرة من طراز «كفير» بعد خروجها من الخدمة في سلاح الجو الإسرائيلي. وتم ترميم الطائرات وتحديثها وتزويدها بأجهزة متطورة، ولكن تم عرضها وكأنها طائرة مختلفة من تطوير الصناعات العسكرية الجنوب أفريقية تحمل اسم «شيتا سي».
وبحسب ألوف بن، فإن هذه الصفقة ساعدت الصناعات الجوية الإسرائيلية في الخروج من أزمة خطيرة وقعت فيها إثر إلغاء مشروع طائرة «لافي» الحربية في العام 1987. ومعروف أن طائرة «كفير» هي النسخة الإسرائيلية من طائرات «ميراج» الفرنسية. وكانت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قد أنتجت الكثير من المعدات والأجهزة لمصلحة طائرة «لافي» وتركز الجهد لتصديرها. وفي هذا الوقت اشترت الصين تكنولوجيا إسرائيلية لطائرات «جي 10» التي تصنعها، والتي أسماها الإسرائيليون «لافي الصينية». أما الجنوب أفريقيين فاختاروا شراء طائرات «كفير» وتزويدها بالمعدات التي كانت معدة لطائرة «لافي».
عموماً الصفقة الإسرائيلية مع جنوب أفريقيا أبرمت برغم العقوبات الأميركية. ولكن المسلي في الموضوع أن الجنوب أفريقيين أفلحوا في شراء محركات جديدة من فرنسا لطائرات «كفير»، الأمر الذي أغلق الدائرة: «ميراج» صممت في فرنسا ونسختها إسرائيل، وعادت إلى محركها الفرنسي الأصلي.
وفي كل حال يشرح بن أن مشروع الفضاء الإسرائيلي ومنه أقمار «أفق» التجسسية اعتمد على تمويل جنوب أفريقي، ويبين أن علاقات إسرائيل مع نظام الفصل العنصري لم تنقطع رغم الضغط الأميركي حتى انهيار نظام الفصل العنصري.