خبر الواقع الفلسطيني ... صورة بائسة

الساعة 08:57 ص|12 ديسمبر 2013

أطلس للدراسات

الواقع الفلسطيني بائس ومزري إلى درجة بعيدة من كل وجوهه السياسية والاقتصادية والإنسانية، والسبب الرئيسي هو طرفي الانقسام ومن يصر على بقائه. كل من له عينين في رأسه يدرك أن الطرف الأكثر استفادة من كل ما جرى ويجري هو الاحتلال، وأن كل المبررات والخطابات المبشرة والواعدة التي نسمعها هي مضللة وهاذية من أشخاص للأسف ما زالوا يصرون على العيش في الماضي وانكار الحاضر، كل أحلام الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والدولة جرى ويجرى تدميرها؛ ليس فقط بفعل المخططات الصهيونية المستمرة منذ النكبة الأولى، فهذا أمر معروف، لكن المدهش مكابرة بعض القادة الفلسطينيين والتعامي عن رؤية المستقبل. الجمهور الفلسطيني أكثر صدقاً مع النفس في تصوير الواقع، فهو يراقب ويتفاجأ ويتلعثم من هول الضجيج والصخب والصراخ العالي الذي يحجب الرؤية ولا يكلف مطلقيه الكثير.

في الأسبوع الماضي؛ نقل مراسل صحيفة "معاريف" عمير ربابورت (3/12) تصريحات ما يعرف بـ قائد فرقة غزة في الجيش الاسرائيلي الجنرال ميكي ادلشتاين، الذي تحدث عمّا أسماه بـ "التعاون الجاري بين حماس واسرائيل بوساطة المصريين". بحسب مراسل الصحيفة فإن الحديث الذي وصل الى أخبار القناة العاشرة جرى بين الجنرال ادلشتاين وسكان مناطق الغلاف. قال ادلشتاين: "لدى اسرائيل اليوم مسافة 100 متر تعمل فيها داخل قطاع غزة"، وأضاف: "في بداية المباحثات طلبوا منا ألا ندخل ولا حتى متر واحد، لكننا نقلنا لهم رسالة مفادها أن هذا الدخول لصالحهم، ويلغي حاجتهم الى العمل ضد الفلسطينيين الذين يصلون الى الجدار للقيام بأعمال تخل بالنظام، فقبلوا ذلك". ويضيف: "نحن – الجيش الإسرائيلي – نعمل داخل الـ 100 متر هذه من ناحيتنا لمنع العبوات وكل أنواع الأمور على الجدار، ونعمل هناك دون دبابات، فقط مع جرافات تقوم بالفحص، تخرج العبوات بين الحين والأخر، نشاط هادئ، ونبلغ حماس قبل الأوان بأننا سنكون في هذه المنطقة أو تلك، وهي تسحب رجالها في الطرف الآخر حفاظاً على الهدوء، هكذا يبدو النشاط".

وبحسب الصحيفة ذاتها؛ فإن الصورة الإقليمية حول حماس تبعث على الاكتئاب: ففي الضفة تكافح ضدهم قوات أمن السلطة الفلسطينية بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية، المصريون يديرون لأول مرة منذ سنين حرب إبادة ضد تهريب السلاح الى القطاع، حتى عندما كان مرسي في الحكم عمل على كبح جماح هجمات حماس لاعتبارات داخلية مصرية، الحليفة السابقة إيران هي الآن معادية بسبب وقوف حماس الى جانب الثوار في سوريا، وحتى دعمها القليل والمحدود لحماس في السنة الأخيرة مشكوك أن يستمر بسبب التقارب بين إيران والغرب.

مراسل القناة العاشرة سلمان الشافعي يزعم أن كل الأبواب باتت موصدة في وجه حماس، وأن النظام المصري الذي يقوده السيسي يعمل جاهداً على الدفع بحركة حماس نحو إسرائيل. في مقابلة مع "ريشت بيت" بتاريخ (8/12) الساعة السادسة صباحاً مع حاييم هرتسوغ رئيس المعارضة وزعيم حزب "العمل"، كان قد التقى أبا مازن في رام الله، المذيع يسأل هرتسوغ "اسرائيل تتفاوض مع أبو مازن للوصول الى اتفاق، وأبو مازن لا يملك الحديث باسم غزة، فحماس سترفض الاتفاق"، هرتسوغ يجيب: "أبو مازن وعدنا بحل الأمر، وهذه مسئوليته، وهناك اشارات حول حل هذه المسألة: منها احتمال التوصل الى مصالحة فلسطينية، وأن ما يقوم به الحاكم الفعلي في مصر، الجنرال السيسي، من الضغط على حماس هو للوصول الى هذه النقطة".

هذه هي غزة؛ بعد ست سنوات على خروج الجيش الاسرائيلي وتفكيك المستوطنات، وما أعقبها من صراع دامٍ بين حماس وفتح؛ الحصار أصبح أكثر قسوة: الماء، الكهرباء، الوقود، آليات السفر على المعابر، أرزاق الناس. وليس هناك من بارقة أمل.

ومن المفارقات أن حكومة الاحتلال تستبق الأحداث وتظهر في المشهد، ويسافر ما يسمى بمنسق أعمال الحكومة في المناطق اللواء ايتان دانغوت الأسبوع الماضي الى بروكسل ليضع دول الاتحاد الاوروبي في صورة الأوضاع ويتحدث عن "كارثة انسانية في غزة"، يتحدث عن النقص الخطير في الوقود وانقطاع الكهرباء الذي يستمر لأكثر من 16 ساعة يومياً، وأثر ذلك على حياة الناس والمستشفيات، وتدفق المجاري في الشوارع، والنقص في مياه الشرب. ويخلي المسئول الاسرائيلي مسئولية اسرائيل ويعزو المأساة الى "المواجهة بين حماس المسئولة عن حكم غزة والدولة المصرية"، وأن اسرائيل تحاول تخفيف الأزمة بالتعامل مع السلطة الفلسطينية، لكن حماس غير معنية بمرجعية السلطة". ومع هذا يستمر لهو الفصائل بأفراح وبذخ الانطلاقات وتزيين الشوارع بأعلام الانتصارات.

أما على صعيد الضفة الغربية؛ فحدث ولا حرج، فالسلطة الفلسطينية هناك تتخبط، فالمخطط الاستيطاني يأكل الأخضر واليابس وينسف كل احلام الدولة الموعودة. والحكومة الاسرائيلية تكمل معركتها في تحقيق مبدأ يهودية الدولة، مستغلة المناخ الدولي والعربي والفلسطيني. وحتى على صعيد المعركة على المقدسات؛ فالمشروع الصهيوني ماضٍ في القضاء على كل أثر للمسلمين في المدينة الأكثر قداسة، والسلطة هناك رغم كل ما قدمته لإسرائيل عبر سنوات أوسلو لم تجنِ إلا السراب.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يمارس كل ضغوطه لإبقاء المفاوضات على قيد الحياة، ولدى الأمريكان قلق كبير أن تتفجر المفاوضات في أي لحظة، ما قد يؤدي الى خربطة كل الأوراق. المفاوضات للآن لم تلامس القضايا الجوهرية، ولم تتجاوز مساعي اسرائيل لتحقيق مشروع الون القاضي بالسيادة الاسرائيلية على الحدود الأردنية والأغوار، وحتى الترتيبات الأمنية التي قدمها كيري وفريقه لجسر الهوة بين الجانبين فيما يتعلق بالسيادة في منطقة الاغوار؛ لا تختلف في جوهرها عما يريده الاسرائيليون.

وبحسب مراسل "هآرتس" ببراك لبيد (6/12) فإن الجانب الأمريكي سيعرض اقتراحاً مشابهاً يتعلق بالقضايا الجوهرية: الحدود، المستوطنات، اللاجئين، القدس، المياه وبقية المواضيع. وأن المبعوث الأمريكي مارتن اينديك قد أقام فريقاً من المساعدين والمستشارين لبلورة هذه الاقتراحات، وأن أحد الأشخاص البارزين لهذا الغرض هو مدير معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ماكوفسكي، الذي كرس سنواته الأخيرة في المعهد لبلورة أفكار لحل المسائل الجوهرية للتسوية الدائمة بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، والقسم المركزي من عمله يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية وتبادل الأراضي، وقد أعد كراساً كبيراً يتضمن خرائط عديدة مع مقترحات مختلفة ومتنوعة في هذا الموضوع.

من اللافت أن نشير الى الاقتراح الذي قدمه يوسي بيلين، أحد أهم منظري اتفاق أوسلو، وأحد أهم المبادرين الى مبادرة جنيف، فيما يتعلق بالموضوع الاكثر صعوبة، اللاجئين، والذي عرضه في المؤتمر المنعقد بتل أبيب مطلع الأسبوع الماضي بمناسبة مرور 10 سنوات على مبادرة جنيف، حيث عرض أن يبقى المستوطنون في أماكنهم تحت سيادة فلسطينية، على أن يتم اجراء احصاء سكاني بعد خمس سنوات لنقل عدد مساو من اللاجئين الفلسطينيين إلى داخل اسرائيل، بمعنى واحد مقابل واحد في تبادل الأرض، وواحد مقابل واحد في تبادل السكان.

كل هذا يجرى والفصائل الفلسطينية، وخاصة المتنفذة وصاحبة السلطة ومالكة القوة، حماس وفتح، مستمرون في معارك السلطة والنفوذ والحفاظ على مكتسبات وجاهية وفئوية وفرها الانقسام، وآمال مغرقة في الوهم بقرب الخلاص وتدخل قوى ماورائية لنصرة هذا الطرف في مواجهة خصومه من الطرف الآخر.