خبر ثورات العبيد تعيد إنتاج السادة..أيمن خالد

الساعة 08:56 ص|12 ديسمبر 2013

الوصول الى الدولة، هذه هي فقط أصبحت امنية لدى الانسان العربي، ولعل ظاهرة الربيع العربي اليتيمة مجرد محاولة للانتقال من حالة اللادولة التي عشناها لقرن مضى او اكثر، باعتبار أن مقومات الدولة لم تتم، في ظل امبراطوريات العسكر او التوريث. كل ذلك أوصل ربيع الشعوب العربية الى حالة اليتم التي هي صناعة محلية بمعزل عن فكــــرة المــــؤامرة، فالقوى الخارجية تتفاعل بمستوى الحدث الداخلي، وغياب التأثير الداخلي ينعكس خارجاً بما يزيد من تعقيد المشهد المحلي البائس أصلا.
الاشكالية الأبرز التي تواجه فكرة الربيع العربي هي دور المعارضة التقليدية، التي ترغب بنصر عاجل للحصول على مكتسبات آنية، ومع احتمالية المعاناة يكتشف الانسان العربي، أن المعارضة هي صورة صغيرة من عالم الانظمة، تعمل على التهويل من خطر انتقال السلطة لطرف غيرها، لذلك يبدو المشهد اكثر دموية، عندما تصبح ساعات المعارضة التقليدية هي مجرد عناوين تلفزيونية تعيد انتاج هواجس ومبررات الانظمة ذاتها في الوجود، فيتحول القديم الى مطلب، أو يصبح السعي لإنتاج دولة التوافق بديلا عاجلا لطمأنة الشارع.
وهنا دولة التوافق، هي دولة المؤامرة المحلية التي تصنعها قوى من مختلف القوى الضعيفة، وتصبح قوة قوية، يجمعها توافق المصالح الحزبية لا توافق المصلحة الوطنية بالعام، وبأفضل أحوال الربيع العربي هناك محاولة لإنتاج ديمقراطية عربية على شاكلة ديمقراطية لبنان، مع تعديل طفيف، تصبح فيه الأحزاب السياسية العربية تتصرف على شاكلة الطوائف، ويتم نقل الاحزاب السياسية من خندق الحزب العلماني المجرد الى نفق الحزب الطائفي، بالدلالة السياسية وليس الدينية.
هذه أحزاب لا تصل بنا الى فكرة الدولة، ولا تتجاوز منطق المحاصصة، وهذا يبدأ من الوظائف الصغيرة وحتى الوزارات الكبيرة، ومثل هذا الشجن لا يعيد ترتيب البيت من جديد، ولا يخلق دولة قادرة على الوقوف أبدا، وانما كيانات عربية على شاكلة كيانات العسكر السابقة، وفي افضل احوالها هي كيانات عاجزة عن صناعة حكومة تستطيع حل أزمة السير في شوارع اصغر المدن العربية.
هذه ليست الدولة، فالدولة تعني استسلام الجميع لصالح العام، وعلى القوى الحزبية أن تذهب الى صناديق الاقتراع، وبعد ذلك تعمل على تنفيذ ما يريده صاحب الصندوق الفائز، وهناك برلمان ونقابات وقوانين وقضاء يحاسب على التقصير، مع غياب كامل لدور الجيش من المشهد السياسي ولا يستعان به على الاقل في السنوات العشر الاولى حتى يتخلص من رجس أوامر السلطات السابقة، ويتعلم رسالة شرطي المرور الذي لا يحمل مسدساً ولا يتلقى رشاوى، ولا يقدم تحية للرتب العابرة في الطريق.
وهذه ليست الاحزاب التي تريد انتاج علمانية في غاية التطرف وفرض نمط سياسي محدد في ظل اجواء تريد الانخراط السياسي من صوت الشارع ونبض الظل المغيب طوال العقود الماضية، فالعلمانية المتطرفة لا تختلف عن القوى الدينية المتطرفة، كلاهما من مسار اقصائي واحد وكلاهما الى نتائج تعني مواجهة دموية لا يحتملها مشهد المواطن العربي، ويمكن ان تكون تجربة الجزائر مثلا للعلمانيين، لكن تجربة الجزائر هذه انتجت مئات الاف الضحايا، وهي لم تنته بعد، واذا كان المطلوب مئات الاف الضحايا لمنع الاسلاميين من الوصول الى السلطة فأي دولة مدنية هذه وأي دولة هذه التي نحن نمشي فيها، سوى انها دولة بوليسية بامتياز ومتى انتجت دولة البوليس عالما من الاحرار.
المعاناة الكبرى التي يعيشها الربيع العربي على امتداد الجغرافيا التي انتفضت والتي لم تفعلها خوفا او قلقا، هي معاناة واحدة، وهي ان نخب المعارضة تعمل بالتوافق او بدون مع الانظمة الراحلة على اساس تحويل ثورات الشعوب، بحيث تصبح مثل ثورات العبيد، التي تبحث عمن يفك قيودها فحسب، ولا تشارك في صنع مستقبلها، وهي عقدة الامة، ومأساتها الان وغدا، فمعلوم أن ثورات العبيد تعيد انتاج السادة بشكل ولون جديد، ويبقى العبد عبدا والسيد سيدا، والوطن مجرد مزارع للرعي لا تنتج طوباً ولا حديدا.

‘ كاتب فلسطيني