خبر نفاق لإخفاء الأنفاق ..علي عقلة عرسان

الساعة 01:53 م|10 ديسمبر 2013

صدِّق أو لا تصدِّق " إسرائيل ليست عدواً لإيران"؟ نعم هكذا على المكشوف قال شمعون بيرس رئيس دولة الإرهاب والعدوان والعنصرية، وقد: "أعرب عن استعداده للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني، مردداً إن إسرائيل ليست عدواً لإيران"، وقبل أيام من تصريحه هذا دعا إلى/ أو أعلن عن/ تحالف مع بعض العرب والمسلمين ضد إيران وسورية، وكانت إيران عدو العالم وليس عد إسرائيل وحدها فقط؟! وحين توفي المناضل نيلسون مانديلا ونعاه بيرس الذي كانت دولته هي الدولة شبه الوحيدة التي دعمت نظام بريتوريا العنصري، ولم تتقيد بالقرارات الدولية التي عزلت ذلك النظام؟! قال جدعون ليفي في الصحافة الإسرائيلية: "إن رئيس الدولة شمعون بيرس تحدث ايضا حديثا رائعا عن "زعيم ذي قامة عظيمة"، ولم يكن كلامه أقل نفاقا. فالرجل " بيرس" الذي كان مشاركا حتى عنقه في تعاون إسرائيل القبيح مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، وشارك في استضافة رئيس حكومتها في تكريم وإجلال حينما كان مانديلا يذوي في سجنه – أصبح يتأثر فجأة برمز النضال لذلك النظامز" وتابع ليفي ".. ليس لبيرس ونتنياهو حق في تأبين مانديلا؛ فهما مسؤولان أكثر من كل سياسي آخر في العالم الحر عن ضعضعة تراثه وتثبيت توأم النظام (غير المماثل) الذي ناضل ضده"، يعني إسرائيل العنصرية. وكان منديلا قد قال في يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في 4 كانون الأول 1997: "نحن نعلم أن حريتنا ليست كاملة من غير حرية الفلسطينيين"..

قد نفهم أن التغيير في السياسات والمواقف والأفكار والآراء قد حصل وقُبل بعد انتصار شعب جنوب إفريقيا على الأبارتيد " العزل العنصري"، وبعد إظهار رموز العنصرية من البيض الاستعماريين الندمَ على ما فعلوه بالسود.. ونفهم أن الوفاة تفسح مجالاً حتى لنوع من المنافقين أمثال بيرس، ولكن الكذب والخداع ما زالا قائمين في حالة الكيان الصهيوني وإيران، والنفاق هنا لإخفاء ما يتم حفره من أنفاق.. فما زال نتنياهو رئيس وزراء بيرس يزبد ويرعد ويهدد ويتوعد بتمير مفاعلات إيران بقواه الذاتية وحدها بعد أن تدربت قواته مدة خمس سنوات مع قوات " صديقة" على القيام بذلك العدوان؟! فأي بيرس نصدق ذاك الذي خاطب تسعة وعشرين وزيراً عربياً ومسلماً في افتتاح اجتماع لهم في الإمارات العربية المتحدة قبل أسابيع والذي يهدد العرب والمسلمين بالنووي الإسرائيلي، ويحتل أرض الفلسطينيين ويقتلهم صباح مساء أم هذا المقارب اليوم الذي يستعير من الحمامة ريشها؟! إنها مهزلة السياسة وألوان من مكر الساسة، بصرف النظر عن الأسباب والتحولات والمتغيرات والمسوغات، أو هي في حقيقة الأمر عملية كاملة لانعدام القيم والمعايير والثوابت الخلقية في السياسات، وقيام حواجز بلا حدود بين الوجه والقناع لدى من يمتهنون هذا النوع من الأداء وانتشار تلك الحواجز في المدى الذاتي لكل ضليع منهم في الأمر، حيث يضيع مع تلك السياسات بمضامينها وتصرفات دهاقنتها: "الوجه وصاحبه، الشحص وهويته، والإنسان وماهيته".. ومع ذلك يبقى أولئك على قرع طبولهم وبنظر الساسة والسياسة وأتباعهما وأدواتهما، وبنظر الحمقى والمغفلين الذين يرقصون في أفراحهما ويقيمون أتراحهما ويموتون أو يُذبحون على أعتابهما وتلتهمهم محارقهما المقدسة أضاحٍ لغير وجه الله سبحانه الذي لا يضحى لوجهه بالإنسان، فقد فداه بذبح عظيم كي لا يضحى به لوجهه.. يبقى السياسي الذي يبدع المكر ويتزين بالدم وينافق، يبقى في ارتفاع، ويتجدد " به الانتفاع" كما يوحي القول لمن يروج قوله.. وهكذا يزعم فينتفع هو بكل ما تطاله يداه وما تقحمه عليه همته العالية؟!.. وأطرف ما في الأمر أنه في معظم الأحوال والأوقات والبلدان يأمن على ذاته وممتلكاته وعياله وما نهب حتى لو كان أسوأ من أبي لهب.

عربي أنا من نوعٍ خاصٍ ربما، أنا لا أقارب أولئك لأنني أنا من رعيل قديم يقول بالأخلاق والقيم ويمقت النفاق وكل ذي وجه وقناع، وآخذ بهذا حتى لو بدا خطابي " خشبياً" كما يقول بعض الحربائيين من الساسة الذين يهزأ منهم حتى الساسة، ليسوغوا تنقلهم من موقف إلى موقف عبر ألف لون ولون.. إنني أبقى على خطابي، لا سيما بعد أن رايت قشة سياسية لبنانية تغير موقعها وموقفها ورأيها وخطابها أكثر من مرة بين عشية وضحاها، مدعية أنها ليست خشبة صامدة جامدة ثابتة.. إنها تفعل بينما يموت الناس وتقبض هي ملايين الدولارات؟! أنا من رعيل آخر، رعيل يشارك من تبقى من أهل زمانه يرددون مع شوقي قوله:

وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت       فَإِن تَوَلَّت مَضَوا في إِثرِها قُدُما

ومع حافظ إبراهيم الذي أحسن قولاً في عجز هذا البيت حيث فقال: " فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.".

إنها كواليس النفاق لإخفاق ما يحفَر من أنفاق كما أسلفت، إنه الكذب والغدر والمداهنة والممارسات العنصرية المقيتة المتقنة الإخراج تلك التي يُدلج فيها بيرس وأمثاله، وهي ليست جديدة وليس هو مبدعها بل من المبدعين في بابها، ولكنه وقومه أدمنوها، عقيدة وثقافة وممارسة، منذ زمن بعيد حتى غاب عنهم كل ما عداها، وعدُّوه "عاراً وشناراً" على صاحبه وغباء وقلة حيلة في أفضل الأحوال؟! أما أنا فلا أسلك تلك المسالك ولا أقبلها ولا أسوغها ولا أنصح بسلوكها، لأنها لم تجلب الخير للبشر، ولم تحقن دماً، ولا هي أقامت العدل.. ولو كانت فعلت ذلك لأمكن أن يُنظر إليها في ضوء مناهج القواعد الشرعية "لدرء المفاسد المقدم على سواه.."؟! إنني فيما رأيت وجرَّبت وسمعت، منذ انتشار الإرهاب الصهيوني الدموي الفظيع في شرايين فلسطين المحتلة عام 1947على يد المنظمات العنصرية التي شارك فيها بيغن شريك السادات في نوبل وسلام ما بعده سلام، وشارك فيها رموز الصهيانة كلهم ومنهم بيرس هذا، منظمات: شتيرن وليحي والهاغانا التي أصبحت ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي وغيرها وغيرها من منظمات الإرهاب الصهيوني المدعمة بقوى الاستعمار الغربي وإمكانياته، لا سيما البريطاني منه.. إنني فيما رأيت وسمعت وتابعت وقرأن لا يمكنني أن أرى في الإسرائيلي إلا لصاً وإرهابياً وعنصرياً قاتلاً وشخصاً مجرداً من القيم، سرق أرضي وقتل شعبي ودنس مقدساتي وشوه تاريخي وما زال يلاحقني هو وحلفاؤه وعملاوه حتى وأنا في معتقلاته ليبيدني.. فسارق أرض شعب وممتلكاته وحقوقه لا يمكن أن يرتاح مادام يرى صاحب الحق حياً.. ومنذ زمن والصهاينة يرددون: " العربي الطيب هو العربي الميت"؟! الإسرائيلي هو عدوي الأول مهما تلون وتحول وتلوى وتحسر، فتلك جبلَّة الغدر وفيها تمسكن حتى تتمكن.. وإذا كان يدعي غير ذلك فليصدق وليخرج من فلسطين والجولان والمناطق المحتلة من جنوب لبنان، فليخرج من جلدي وفضائي ولقمة عيشي ومستقبلي.. وعندها لا أقبله فقط بل أحميه كما حميته يوم تعرَّض كما تعرضت لحكم ممحاكم التفتيش الإسبانية.. يوم ذاك أسكنته في بلادي، بلاد العرب والمسلمين.. آمناً مطمئناً وبقي على طبيعته وبقيت على فطرتي وخلقي؟! أما من يمتهن النفاق والسياسة وما يدخل في عرف بعض الناس في باب الكياسة ليرسخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين ويستكمل مراحل طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وغرس عنصرية بغيضة في أرض الشام التاريخية والعراق، بوجود اليهود وتمددهم فيهما، ومن يسعى من الصهاينة ليجعل وجوده العدواني الغريب المنبوذ المرفوض طبيعياً بقوة السلاح والغدر والمكر.. إلخ فإنه ينافق ويداهن ويمالئ ويراوغ ويمكر ويتمسكن ليتمكن ويتاجر بكل شيء، بكل شيء.. وهذا شأن بيرس أبو النووي الإسرائيلي ومَن ذاك لونه ونهجه وتاريخه، وهو نهج تلك الذات العجيبة التي أعرفها حق المعرفة من خلال وصف موسى عليه السلام لها فيما بقي دون تحريف من التوراة، وفيما تبع ذلك من أحداث مروراً بمحطات غدر اليهود بالرسل وقتلهم الأنبياء، وموقفهم من نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومواقفهم من العرب والمسلمين من بداية العهد العثماني إلى احتلال فلسطين.. وكل ما مر في سياق احتلال فلسطين من تفاصيل معروف ومكشوف لمن يريد أن يعتبر وأن يرى بقلبه، وإنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور..

إن الصهيوني الذي يحتل أرضي عدوي، واليهودي الذي يقيم في بيتي ويغتصب أرضي ومائي ويأكل ثمر حقلي ويقتل طفلي وكلمة الحق في حلقي.. إنه هو هو قاتلي، وهو هو عدوي، وسيبقى ملاحقاً بجرائمه ومطالباً بما لي من حقوق عليه إلى آخر الدنيا، ولن يموت حق وراءه مُطالب".. وعلينا أن نرسخ الحق ونحيي فينا المُطالب لكي نكون ويكون وإلا فذاريات الرمل لا تبقى من الصحراء إلا بلقعاً؟!.. وكل فعل ودَين وجرم يؤدي فيها الحقَّ لأهله وارث المجرم، فمن يرث الغُنم يرث الجُرم.. وعندما يتخلص اليهودي من عاره وجريمته اللتين تلاحقانه جراء عنصريته وإرهابه وعدوانه واحتلاله، وجراء ما ارتكب ومارس من أفعال سوء ارتكبها ويرتكبها في فلسطين وفي مواقع عدة من وطني العربي.. عندما يخرج من بيتي وأرضي ووطني، ويمَّحق في ركن من الأرض أين شاء، أو يدخل في مواطنة سليمة ضمن أية دولة من دول العالم غير فلسطين، حتى في مواطنة دولة عربية أو إسلامية ذات سيادة له ما لمواطنيها وعليه ما عليهم، من دون ازدواجية ولاء وجنسية ومن دون عنصرية بطبيعة الحال.. عندها ليس بيني وبينه شيء. أما غيري من أبناء أمتي ومن الناس ممن لا يرون رأيي ولا يشاركونني عذابي ونكبتي ووجعي وموقفي ومطلبي، ويشربون اليوم من كأس بيرس ونتنياهو وحارس الملاهي الليلية أفيغدور ليبرمان وغيرهم وغيرهم من شركائهم في الاحتلال وجرائمه، كما شرب نفرٌ غيرهم في زمن سابق من كؤوس صهاينة وموالين لهم.. فلَه ما شاء من رأي وموقف وسياسة وكياسة و.. و.. لن أجادله ولن أقبل ذرائعه ولن أسلك سبلاً ملتفة تتقاطع مع سبله وتؤدي إليها، ولن أستسلم لاستسلامه للضعف والعجز، ولن أقبل رفضه للمقاومة وإدانته لها ووصمها " بالإرهاب؟!"، وأرفض هزأه بكل شكل من أشكال الصمود الشعبي والرسمي بوجه المحتل، واستغراقه في التسفيه والسلبية والبقاء من دون فعل أو رد فعل يؤديان إلى تغيير إيجابي في وقع الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة وإرادته وقدرته على تحريك ذراعه والتلويح برايته ودمه لانتزاع حقوقه.. كما أرفض ادعاءه رسوخَ هذه الحالة المختلة لمصلة المحتل الصهيوني وديمومتها، رسوخ جبال النار في فلسطين وديمومتها..؟! ومن ثم سعيه الحثيث باسم الواقعية طبع الواقع الراهن الذي يتجلى فيه الخلل الاستراتيجي لصالح العدو الصهيوني بطابع الأبدية ليجعل من قبوله بأيِّ فتات مما تقدمه إسرائيل له بديلاً لحقوق شعب على رأس حقوقه حق العودة وحق تقرير المصير، وحقوق أمة في مقدساتها.. إلخ ليجعل من ذلك مكسباً كبيراً انتزعه من بين أشداق الوحش الكاسر ببراعته وعبقريته وقدراته الخارقة!؟.. النفاق ليس مهنتي، وليس مقبولاً عندي أن يكون المنافق وجهي وقناعي ورأسي وذراعي، ورمزي ولساني.. فذاك مدانٌ ولا يحق له، وليس مؤهلاً لشيئ مما يدعيه، وهو غير مؤتمن علي وعلى شعبي ووطني وحقوقي، وقد يبيعني في السوق أكثر من مرة لمن يدفع، وهو في حكم من يسهُل عليه هواني وذلي سهولة شربه الماء أو تمتعه بشراب مما تسوغه له شهوته وتطلبه نفسه ويتناوله من أي إناء.. وسيفعل ذلك من دون أدنى شعورٍ بالحيف أو الخطأ.. فكيف لا أهون عليه حين يضعني في مواضع الهوان وقد هانت عليه نفسه، وصدق فيه قول المتنبي حين قال فأصاب وأحسن الإشارة والتعبير والعبارة فأبلغ وأوعى:

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ       ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ