خبر لا حق لكم في تأبين مانديلا- هآرتس

الساعة 10:21 ص|08 ديسمبر 2013

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: كيف يؤبن رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس الدولة نلسون مانديلا ويُحسنان الحديث عنه مع الابقاء على الظلم والاضطهاد والقمع في المناطق المحتلة - المصدر).

 

إليكم ما قاله رئيس جنوب افريقيا نلسون مانديلا في خطبته في يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في 4 كانون الاول 1997: "نحن نعلم أن حريتنا ليست كاملة من غير حرية الفلسطينيين".

 

وهذا ما قاله رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بعد موت مانديلا، قال: "كان من الاشخاص الذين يُقتدى بهم في عصرنا. كان رجل رؤيا وسيتم تذكره على أنه زعيم اخلاقي من الطراز الاول". ولاحظ ذوو الأبصار الحادة بيقين الصورة التي كانت خلف نتنياهو وهي علم اسرائيل وسور المدينة القديم. إنه كلام تأبين لـ "زعيم اخلاقي" وفي الخلف منه المدينة المحتلة التي سكانها الفلسطينيون مظلومون ومسلوبون ويوجد فيها نظام فصل – وهذا واحد من مشاهد الفصل العنصري الاسرائيلي وإن لم يكن اسوأها. ولاحظ ذوو الأسماع الحادة النشوز والتزييف اللذين انبعثا من كلامه المنمق.

 

وتحدث رئيس الدولة شمعون بيرس ايضا حديثا رائعا عن "زعيم ذي قامة عظيمة"، ولم يكن كلامه أقل نفاقا. فالرجل الذي كان مشاركا حتى عنقه في تعاون اسرائيل القبيح مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، والذي شارك في استضافة رئيس حكومتها في تكريم وإجلال حينما كان مانديلا يذوي في سجنه – أصبح يتأثر فجأة برمز النضال لذلك النظام. فليس لبيرس ونتنياهو حق في تأبين مانديلا؛ فهما مسؤولان أكثر من كل سياسي آخر في العالم الحر عن ضعضعة تراثه وتثبيت توأم النظام (غير المماثل) الذي ناضل ضده. فهل يؤبنانه؟ سيتقلب مانديلا في قبره وسيضحك وزير التاريخ ضحكه المُر.

 

يعاني الرأي العام في اسرائيل من كل شيء حتى التأبينات المنافقة التي لا تُطاق. لكن التعاون الاسرائيلي مع نظام الفصل العنصري في حينه واستمرار وجود تراثه في المناطق المحتلة لا يصرخان فقط الى سماء جنوب افريقيا القاتمة الحزينة. هنا ايضا يجب أن يثير الحداد العالمي عدة اسئلة لاذعة مثل كيف كانت اسرائيل الوحيدة تقريبا التي تعاونت مع نظام الشر؛ وكيف يوجد كثيرون وأخيار جدا في العالم هم على يقين اليوم من أن اسرائيل دولة فصل عنصري. ربما لا داعي لاكثار الكلام على خزي الماضي؛ فقد صفح حتى مانديلا عن اسرائيل. لكن اسئلة الحاضر يجب أن تدوي وتقلق جدا.

 

زرت في نيسان من هذا العام جنوب افريقيا الجديد الذي انشأه مانديلا ضيفا على وزارة خارجيتها. ونُقشت هذه الزيارة عميقا في قلبي: لأن التشابه مع نظام الاحتلال الاسرائيلي صرخ من كل حجر ومعه ايضا الأمل في التغيير: في المحكمة العليا للشؤون الدستورية في جوهانسبيرغ مثلا التي قامت على أنقاض السجن الذي طُرح فيه الماكثون غير القانونيين السود الذين تجرأوا على دخول مناطق محظورة للبحث عن مصدر رزق. وزرت بيت مانديلا ورأيت ثقوب الرصاص الذي حاول أن يصيبه في محاولة فاشلة لـ "اغتيال مُركز". وكانت المقارنة يعلو صداها اسبوعا

 

ومعها الدروس ايضا. قال لي آنذاك وزير الدفاع ووزير الدستور ونائب وزير النظام العام في حكومات الفصل العنصري، رولف ماير، الذي كان رئيس فريق التفاوض مع المؤتمر الوطني الافريقي: "لو أننا بدأنا قبل ذلك بسنوات لاستطعنا أن نمنع الكثير من سفك الدماء ونحرز صفقة أفضل". فهذا ندم على خطايا كثيرة، ويشارك ماير الآن في النظام الجديد كبيض كثيرين آخرين.

 

تحولت دولة غير عادلة الى دولة عدل وحلت المساواة والديمقراطية محل الظلم والنهب. يتحدث المتجهمون عن ضعف جنوب افريقيا وعن الجريمة الطاغية فيها، وهو كلام صحيح لا يُقلل من عظم الانجاز التاريخي والدرس لاسرائيل وهو أنه حينما تتحول دولة من دولة ظلم الى دولة عدل يصبح كل شيء قزما. برهن مانديلا على أن الحلم ممكن وأن ما كان يبدو قبل عشرين سنة فقط حلما يمكن أن يتحول الى واقع حتى دون الكثير من سفك الدماء، وأن أعداء الماضي يمكن أن يتعايشوا في دولة واحدة بل في تساوٍ وأنه يمكن قلب صفحة جديدة خلافا لكل الاحتمالات.

 

شهد مانديلا على نفسه بأنه ليس حرا ما بقي الفلسطينيون غير أحرار. فلا يستطيع الذين يريدون تأبينه في اسرائيل الآن الاستمرار في تجاهل ذلك.