خبر كيري يغادر فلسطين بخفّي حنين.. حلمي موسى

الساعة 08:56 ص|07 ديسمبر 2013
ناقض وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي غادر الأراضي الفلسطينية مساء أمس، نفسه في كل ما يتعلق بحالة المفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية. وكان قد أعلن أنه لم يسبق أن اقترب الطرفان من تحقيق السلام أكثر مما هو قائم اليوم، ولكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول المسائل الأمنية فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لن يستطيع التقدم نحو حل القضايا الجوهرية. وهكذا بعد يومين كاملين من المداولات المكثفة مع كل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، عاد كيري إلى واشنطن بخفّي حنين.
وقد يرى بعض المراقبين أن تعبير «بخفّي حنين» لا يعبر عن جوهر النتيجة لأنها أسوأ من ذلك. فكيري، الذي وصل إلى المنطقة آملاً تحقيق اختراق في المفاوضات عبر تقديم خطتين أمنية وأقتصادية للطرفين، نال على الأقل، بشكل شبه معلن، غضب الطرف الفلسطيني الذي رأى في الخطة الأمنية «تخليداً للاحتلال» وفي الخطة الاقتصادية نوعاً من التلهية. ومن الجائز أن يشكل موقف كيري، الذي انحاز فيه تقريباً للموقف الإسرائيلي وبات يمارس الضغوط على الطرف الفلسطيني، نقطة فاصلة في علاقة السلطة مع المفاوضات برعاية أميركية.
وكانت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي قد كشفت جوانب الاقتراحات الأميركية، التي حملها كيري والمبعوث الأمني الجنرال جون ألان، وعرضاها على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني كتقديم للحل النهائي. وهذه الاقتراحات ليست سوى صياغات عمومية غامضة قابلة لتفسيرات متناقضة تحاول إشعار الطرفين أن بالوسع عرضها على كلا الشعبين كانتصار لمفاوضيه. وبحسب القناة، فإن الاقتراحات الأميركية تتحدث صراحة عن «خطوط 67»، ولكنها تربطها بـ«تبادل أراض متوازنة في قيمتها». ووفق تقدير المراسل السياسي للقناة رافيف دروكر، فإن الإسرائيليين يمكنهم أن يقولوا إنهم أبقوا بحوزتهم الأراضي التي أرادوها، ربما 90 في المئة من المستوطنين في الضفة، فيما بوسع الفلسطينيين تفسير التعبير على أنهم حصلوا على «متر مقابل كل متر» أخذته إسرائيل.
وبخصوص القدس تتحدث الاقتراحات أيضاً عن صياغة غامضة. وهي تشير إلى «القدس الكبرى» (Greater Jerusalem). ويفسر ذلك أن بوسع الفلسطينيين ادّعاء أنهم نالوا عاصمة في شرقي القدس، في حين بوسع إسرائيل القول إن عاصمتهم فعلاً هي في أبو ديس. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تشير الاقتراحات مثلا إلى قبول الفلسطينيين «بعدم إغراق إسرائيل باللاجئين»، في حين «لا يكون لإسرائيل تواجد دائم على حدود الدولة الفلسطينية».
ولكن مصادر فلسطينية أشارت إلى أن كيري لم يعرض على عباس أي اقتراحات نهائية، وأن الأخير ركز على وجوب أن تعمل الولايات المتحدة على منع إسرائيل من استمرار عملية هدم المفاوضات سواء بقتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم أو بناء المستوطنات.
وكان كيري قد اجتمع يوم الخميس بكل من نتنياهو وعباس مطولاً ثم عاد للاجتماع مطولاً أيضاً بنتنياهو مرتين ووزير ماليته يائير لبيد قبل أن يغادر مطار اللد عائداً إلى واشنطن. وبحسب حسابات إسرائيلية دامت اجتماعات كيري مع نتنياهو طوال 12 ساعة على مدار يومين. وقد سلم كيري نتنياهو ردود الرئيس الفلسطيني على الاقتراحات التي كان قد عرضها عليه.
وبرغم خلو زيارة كيري من أي إنجازات فعلية إلا أنه حاول في مطار اللد الإيحاء بأن تقدماً كبيراً قد حدث حينما قال إن «الطرفين قريبان من تحقيق السلام أكثر مما كانا طوال سنين». ولكن كيري رفض الإفصاح عن معنى ومظاهر هذا التقدم، خصوصاً أن الكل يعلم أن المفاوضات غارزة في محلها تقريباً منذ بدء جولة المفاوضات الأخيرة قبل حوالي أربعة شهور. غير أن خبراء يعتقدون أن الإنجاز الوحيد الذي حققه كيري في جولته الراهنة، هو منع انهيار المفاوضات قبل نهاية المهلة المحددة لها.
وقال كيري إنه «في اليومين الأخيرين أتيحت لي فرصة لقاء رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس أبو مازن، وبرغم أننا نتباحث في أمور مركبة فإنني متشجع من التزام الطرفين بالسعي لتحقيق السلام، وكلاهما أكدا لي استمرار التباحث في المواضيع المدرجة». ودعا كيري الطرفين إلى عدم الخضوع للأصوات الصاعدة في المعسكرين الراغبة في تقويض الاتصالات.
وأضاف كيري إن «المعارضين يخطئون عندما يصفون السلام في المنطقة بالمهمة المستحيلة، فدائماً كان يبدو مستحيلا، إلى أن يتحقق»، مقتبساً بذلك قولاً مأثوراً عن الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نلسون مانديلا وهو «يبدو المستحيل دائماً مستحيلا حتى يتحقق». وتابع كيري أن «نموذج نلسون مانديلا هو نموذج نحتاج جميعاً للاقتداء به بينما نحاول الوصول لحل الدولتين»، موضحاً «جميعنا يعلم سلفاً أن هذه رحلة طويلة ومعقدة ولكن واضح لي في ضوء المباحثات الأخيرة أن أبو مازن ونتنياهو عازمان أكثر من أي وقت مضى على فحص الخيارات. وللرجلين الهدف ذاته، دولتان لشعبين يعيشان جنباً إلى جنب بأمن وازدهار».
وكانت مصادر إسرائيلية قد أشارت إلى أن كيري سعى إلى إقناع عباس برفع مستوى التفاوض وجعله بمستوى القمة، وليس بمستوى وزيرين مختصين. ولكن لا يبدو في الأفق أن الفلسطينيين في وارد القبول بذلك في ضوء اعتباره مطلباً إسرائيلياً، ولأنه أصلا لا ينطوي على احتمال حدوث أي تقدم.