خبر قنبلة فلسطينية موقوتة

الساعة 12:06 م|06 ديسمبر 2013

ترجمة خاصة

قنبلة فلسطينية موقوتة


بقلم: براك ربيد

(المضمون: المفاوضات مع الفلسطينيين تراوح في المكان والاطراف يعدون الايام تنازليا. الضغط على نتنياهو يزداد بالذات من جهة ائتلاف لفني – بيري - لبيد - المصدر).

المرسوم الرئاسي الذي وقع عليه الرئيس الامريكي براك اوباما يوم الثلاثاء الاخير لم يكن جديدا أو مخترقا للطريق. سلفاه في المنصب، بيل كلينتون وجورج بوش الابن، وقعا عليه ايضا مرة كل ستة اشهر في الـ 18 سنة الاخيرة. "بناءا على صلاحياتي كرئيس أقضي بأنه من اجل حماية المصالح الامنية للولايات المتحدة ثمة حاجة الى عدم تطبيق قانون نقل السفارة الى القدس من العام 1995"، كتب اوباما في المرسوم الذي بعث به الى وزير خارجيته جون كيري والى اعضاء الكونغرس في تل الكابيتول.

          يمكن التقدير بأن في بداية حزيران 2014، سيوقع اوباما على مرسوم رئاسي مشابه. خمسة اشهر قبل نهاية الفترة من تسعة اشهر التي خُصصت للمفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين، فان التسوية الدائمة التي ستؤدي الى اقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس سنراها كخيال بعيد مشكوك أن يكون أحد ما غير جون كيري لا يزال يؤمن به.

          وزير الخارجية الامريكي جاء الى اسرائيل يوم الاربعاء ليلا ووجد مسيرة سلام تراوح في المكان بل وربما تنازع الحياة. موجة البناء في المستوطنات، التي قررها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتوازي مع تحرير المجموعة الثانية من السجناء الفلسطينيين أدت الى تجميد المفاوضات على مدى اسبوعين. وانسحب أحد عضوي الفريق الفلسطيني الى المحادثات، محمد اشتية، منذئذ من الاتصالات وعني أساسا بالمقابلات مع وسائل الاعلام والتي ادعى فيها، بقدر كبير من الحق، بأن محادثات السلام فارغة من المضمون. ومنذئذ يعلن رفيقه صائب عريقات ايضا بأنه توجد قطيعة بين الفريق المفاوض الفلسطيني وذاك الاسرائيلي.

          واذا لم يكن كل هذا بكاف، حين نجح الامريكيون في أن يخفضوا بعض الشيء مستوى اللهيب بين الطرفين، جاء تسونامي مركزي يتمثل بالمخطط الاستيطاني الذي حاول وزير الاسكان أوري اريئيل انتاجه. ومع أن العطاءات صُدت، ولكن الضرر بالثقة المهتزة على أي حال بين الاسرائيليين والفلسطينيين كان جسيما. واذا كان ثمة بقعة ضوء واحدة فهذه هي الحقيقة التي رغم نفي عريقات عاد فريقا المفاوضات بالذات الى اللقاء. وفي الاسبوعين والنصف الاخيرة جرت فقط خمسة لقاءات في القدس وفي أريحا على التوالي. ومع ذلك ليس فيها تقدم أو مضامين حقيقية. لقاءات المفاوضات، التي في معظمها يشارك الآن المبعوث الامريكي مارتن اينديك ايضا أصبحت فرصا للتنفيس من جانب الفلسطينيين.

          النقطة الزمنية التي جاء فيها كيري الى المنطقة حرجة لعدة اسباب اخرى. بعد ثلاثة اسابيع سيتعين على اسرائيل أن تحرر المجموعة الثالثة من السجناء الفلسطينيين. واذا ما حاكمنا الامور حسب الجولتين السابقتين، فهذه المرة ايضا سيترافق التحرير بموجة بناء في المستوطنات. غير أن هذه المرة من شأن موجة بناء كثيفة جديدة أن تؤدي الى تفجير المحادثات منذ هذه المرحلة. ولم نذكر بعد مجموعة السجناء الرابعة التي ستتحرر بعد بضعة اشهر وتتضمن أغلب الظن عربا اسرائيليين ايضا. كيري، الذي يحاول بكل قوته اعطاء هواء التنفس لمحادثات السلام وإبقائها على قيد الحياة، سيتعين عليه أن يجد طريقا "لهز" الزعيمين واعادتهما الى المسار – لاقناع نتنياهو بكبح جماح البناء واقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بالكف عن التهديدات بتفجير المحادثات والتوجه الى الامم المتحدة.

          يوم الثلاثاء جاءت مجموعة غير عادية للقاء مع عباس في المقاطعة في رام الله: 25 مندوبا عن المنظمات الاقتصادية للحركات الكيبوتسية. من جلب اعضاء المجموعة الى هناك كان المحامي دوف فايسغلاس، الذي كان رئيس مكتب رئيس الوزراء الأسبق اريئيل شارون. وكان هدف الزيارة تطوير تعاون اقتصادي بين الحركات الكيبوتسية والسلطة الفلسطينية، ولكن اللقاء الذي استغرق ساعتين سرعان ما انتقل ايضا الى السياسة. فقد أشرك عباس ضيوفه بتجاربه عن معرفته بالرئيس السابق لفايسغلاس. "شارون كان رجلا غير سهل"، تذكر الرئيس الفلسطيني، "عندما كان يقول لا، كنا نعرف أن هذه لا. ولكن عندما كان يقول نعم – فقد كانت هذه نعم. الكلمة هي كلمة".

          عباس لم يقل هذا صراحة، ولكن بين السطور برز أحد الاسباب المركزية للمراوحة في المكان في محادثات السلام: فالرئيس الفلسطيني لا يؤمن بأن رئيس وزراء اسرائيل ملتزم حقا بحل الدولتين. كما أن التوبيخ الذي أجراه نتنياهو لاوري اريئيل بعد نشر العطاءات الكبرى للتخطيط في المستوطنات لم يقنعه. فالفلسطينيون لا يؤمنون بأن وزيرا في الحكومة كان يفعل أمرا كهذا دون أن يتلقى على الأقل موافقة صامتة من جانب نتنياهو.

          احساس نتنياهو تجاه عباس مشابه. وهو لا يقول هذا صراحة، ولكن في أحاديث مغلقة يُشكك في كون الرئيس الفلسطيني شريكا حقيقيا. بعض من مستشاري نتنياهو، وزير الدفاع يعلون ووزير الخارجية ليبرمان، يقنعونه بأن عباس يريد فقط إنهاء تحرير كل الـ 120 سجينا المحبوسين في اسرائيل من الفترة ما قبل اوسلو، والانتظار حتى انتهاء الاشهر التسعة للمفاوضات وعندها إلقاء التبعة على اسرائيل في الفشل والعودة الى اجراءات أحادية الجانب ضدها في الامم المتحدة.

          ولكن فضلا عن عدم ثقة نتنياهو بعباس، فان رئيس وزراء اسرائيل يعجب ايضا اذا كان لديه شريك في واشنطن. نتنياهو وكيري وإن كانا مثلا أمس الابتسامة والحميمية أمام الكاميرات، إلا أن علاقات رئيس الوزراء مع وزير الخارجية الامريكي تعرضت لضربة شديدة في أعقاب المواجهة العلنية بينهما في المسألة الايرانية. واذا كانت في أي مرة لنتنياهو رغبة أو دافعا حقيقيا للتقدم في اتفاق سلام مع الفلسطينيين بوساطة امريكية فقد قل هذا بشكل دراماتيكي منذ التوقيع على الاتفاق المرحلي بين الولايات المتحدة وباقي القوى العظمى وبين ايران. وفي المحادثات المغلقة يتساءل نتنياهو ومستشاروه اذا كان بوسعهم أن يعتمدوا حقا على الرئيس اوباما وعلى وزير الخارجية كيري في حفظ المصالح الحيوية لاسرائيل في الاتفاق الدائم مع الفلسطينيين.

          في هذا الواقع البشع يصبح موعد آخر نيسان – بداية أيار حين يفترض أن تنتهي الاشهر التسعة التي خصصت للمحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين، قنبلة موقوتة. ومن الانفجار سيتضرر الطرفان، ولكن الضرر الذي قد يلحق باسرائيل قد يكون أكبر بكثير، بدءا باعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، عبر تعاظم العزلة السياسية وانتهاءا بموجة مقاطعات وعقوبات دولية. وبالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو من شأن الفشل في المفاوضات مع الفلسطينيين أن يتضح ايضا كقنبلة سياسية موقوتة.

          وزيرة الخارجية تسيبي لفني، التي تدير المفاوضات عن الحكومة، محبطة جدا من عدم التقدم ومن حقيقة أن الائتلاف الحالي يفضل بناء المستوطنات على بناء الثقة مع الفلسطينيين. والتقت لفني في الاسابيع الاخيرة بانتظام متعاظم مع رئيس يوجد مستقبل، وزير المالية يئير لبيد ومع عضو حزبه وزير العلوم يعقوب بيري. اللقاءات، التي تجري بعيدا عن عيون الاعلام وعن رادار نتنياهو مرة في الاسبوع على الأقل، تستهدف الاطلاع على الاتصالات مع الفلسطينيين. بيري، أحد حماة الحمى من الفيلم الذي يستطيب نتنياهو جدا أن يكرهه، هو على ما يبدو الرمز الأكثر يسارية في الحكومة. في اللقاءات المتوالية تأسس بشكل غير رسمي ائتلاف "اتفاق سياسي" بين يوجد مستقبل وبين الحركة. ويستهدف التعاون بين مسؤولي الحزبين إحداث توازن في علاقات القوى في الحكومة في المسألة السياسية، والضغط على نتنياهو للتقدم. وقد أنتج التعاون بين بيري ولفني منذ الآن ثمارا سياسية في حل الازمة مع الاتحاد الاوروبي حول اتفاق هورايزون 2020. وبشكل شاذ، سيلتقي لبيد هذا الصباح مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري.

          حين يعيد رئيس العمل اسحق بوجي هرتسوغ لحزبه العلم السياسي ويبدي نشاطا في المسألة الفلسطينية منذ الاسبوع الاول له في المنصب، وعندما يتسلل مقترعو يوجد مستقبل والحركة ببطء ولكن بمثابرة نحو ميرتس، فان لفني ولبيد لا يمكنهما أن يبقيا غير مباليين. لفني لا تزال تأمل في أن يتخذ نتنياهو الحسم التاريخي، ولبيد معني بأن يُقر قانون تجنيد الاصوليين. وفي هذه الاثناء فانهما لا يضغطان على نتنياهو في الموضوع السياسي، ولا سيما ليس علنا. ولكن قريبا ايضا كفيل هذا أن يتغير. فاذا ما بقي الطريق المسدود في المسيرة السلمية على حاله في نهاية نيسان ايضا، من شأن الزعيمين أن يجدا نفسيهما بلا خيار غير الانسحاب من الحكومة. في مثل هذا الوضع قد يفضل نتنياهو التوجه الى الانتخابات.

          كيري، وأكثر منه المبعوث مارتن اينديك، بدآ يفهمان بأن المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين لن تنتج اختراقا دون تدخل خارجي، وهما ايضا يخشيان من أن تتفجر القنبلة الموقوتة الاسرائيلية الفلسطينية وتؤدي حتى الى انتفاضة ثالثة.

يكرس اينديك في هذه الايام جُل نشاطه للعمل على اقتراح الجسر الامريكي الذي يريد أن يضعه على الطاولة في كانون الثاني. وسيكون الاقتراح الامريكي استمرارا للخطة التي عرضها كيري على نتنياهو أمس في موضوع الترتيبات الامنية في الدولة الفلسطينية. وهذه ستعرض الاقتراحات الامريكية في موضوع الحدود، المستوطنات، اللاجئين، القدس، المياه ومواضيع اخرى.

لقد أقام المبعوث الامريكي فريقا كبيرا من المساعدين والمستشارين الذين يجلس معظمهم في واشنطن ويكرسون هذه الايام اهتمامهم لبلورة اقتراح الجسر. أحد الاشخاص البارزين الذين جندهم اينديك لهذا الغرض هو الصحفي السابق ورجل معهد واشنطن لشؤون الشرق الاوسط، ديفيد ماكوفسكي. وكرس ماكوفسكي سنواته الاخيرة في المعهد لبلورة افكار لحل المسائل الجوهرية للتسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين. والقسم المركزي من عمله يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية وتبادل الاراضي الذي ستكون حاجة الى تنفيذه. وقد أعد كراسا سميكا يتضمن خرائط عديدة مع اقتراحات مختلفة ومتنوعة لحلول في هذا الموضوع. وفي هذه المرحلة فان اقتراح الجسر هو الخطة الامريكية الوحيدة ولا يوجد غيرها. ولكن اذا كان كيري يريد تعطيل القنبلة الموقوتة، سيتعين عليه أن يفكر في أقرب وقت ممكن بخطة بديلة ايضا.