خبر الزمن انتهى منذ زمن بعيد - معاريف

الساعة 11:51 ص|06 ديسمبر 2013

ترجمة خاصة

الزمن انتهى منذ زمن بعيد -  معاريف

بقلم: شالوم يروشالمي

 (المضمون: ديسكن لم يقرر بعد الى أن ستقوده أفكاره. من يتابعه عن كثب يدعي بانه لا يمكنه ان يبقى حيويا بعد ظهوره في فيلم حماة الحمى وخطاب أول أمس - المصدر).

جمال زقوت، احد كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، ويد يمين سلام فياض، توجه الى يوفال ديسكن، رئيس المخابرات السابق. "الان اعرف أي مستقبل اسود ينتظر شعبي اذا لم يكن هنا اتفاق سلام"، قال له. هز ديسكن رأسه وصافحه. قبل بضع دقائق من ذلك كان القى خطابا برنامجيا ووصف جيدا ماذا سحصل هنا اذا لم تتقدم المحادثات بين الطرفين. الانتفاضة ستغمر السلطة الفلسطينية، ولكنها ستنتقل الى اسرائيل ايضا. في المرة السابقة، قال ديسكن، استمرت هذه الانتفاضة لسنوات وكلفت مئات القتلى و الجرحى في الطرفين. ومع ان مروان البرغوثي خطط في ايلول 2000 مظاهرات تستمر بضعة ايام.

"لدى العرب يوجد الكثير من التوتر والاحباط"، حلل ديسكن. "مئات الاف الفلسطينيين غاضبون في الميدان ولا يمكن التعويل فقط على الاقتصاد المتحسن في ان يهدىء روعهم. الجيل هناك تغير. فهم يرون الربيع العربي. يرون ما حصل في مصر، في تونس، في ايران، في ليبيا، في سوريا وكذا في تركيا وفي اوكرانيا. النزاع يمكن أن يصل الينا، الى الاقليات التي في داخل الدولة. ما حصل هذا الاسبوع في المظاهرات ضد مخطط برافر يدل على الاجواء المتوترة. يمكننا أن نرى مئات الاف العرب يخرجون ونحن وهم نفقد السيطرة بسهولة".

طرحت هذه الاقوال أول أمس في المتحف في تل ابيب. وجاء المؤتمر احياء لعشر سنوات على مبادرة جنيف. وخير يفعل المنظمون في أنهم يسمون هذه "مبادرة جنيف" وليس "اتفاق جنيف". وقد كانت هذه مبادرة مشتركة لمسؤولين كبار في السلطة ويساريين اسرائيليين، ولكن ليس  الجميع تبناها. الجمهور الاسرائيلي تعاطى معها بشكل كبير، رغم العلاقات العامة والميزانيات الكبيرة من اوروبا التي حركت الحملة. اوفير بينس، وزير سابق، كان في الحدث، يسمي مبادرة جنيف "اتفاق سلام المشهورين". وقد توصل بينس منذ زمن بعيد الى الاستنتاج بان معظم الجمهور الاسرائيلي لا يريدون السلام حقا، والفلسطينيين لا يهموه وكذا سيناريو الرعب لديسكن ورفاقه لا يحركون فيه ساكنا.

ومع ذلك، فقد اثبتت مبادرة جنيف بانه عندما يجلس الناس في الجانبين بجدية مع نوايا طيبة، فانه يمكن الوصول الى نتيجة على مستوى التصريح. فالمبادرة تقترح حلولا في المسائل الجوهرية الاشد والاصعب. في وثيقة صاغها الطرفان يعترف الفلسطينيون صراحة بحق الشعب اليهودي في دولة. وحسب الوثيقة، تقسم القدس الى عاصمتين بشكل شبه متساوٍ. البلدة القديمة تنتقل الى نظام دولي والمستوطنات تخلى الى داخل الكتل على اساس تبادل الاراضي. معاليه ادوميم تبقى في ايدينا، ولكن اريئيل تنتقل الى الفلسطينيين. الفلسطينيون يحصلون على حق العودة باعداد رمزية، تبعا لقرار حكومة اسرائيل.

موضوع العودة، كما يعرف الجميع، هو نقطة ضعف كل مبادرة او اتفاق. والزعيم الفلسطيني المنتخب لن يوقع على وثيقة جنيف ولن يتبناها بسبب الحل الوسط المقترح في حق العودة. يوسي بيلين، الروح الحية خلف جنيف (الى جانب ياسر عبد ربه الفلسطيني)، اقترح أول امس صيغة ابداعية جديدة لموضوع حقوق اللاجئين والعودة. فقد قال ان بوسع المستوطنين ان يبقوا في اماكنهم تحت سيادة فلسطينية. وبعد خمس سنوات من تطبيق الاتفاق يجري احصاء سكاني. اذا ما بقوا، لنقل 50 الف شخص في فلسطين، سيكون بوسع 50 الف فلسطيني العودة الى داخل اسرائيل. بمعنى آخر: واحد مقابل واحد في تبادل الاراضي. واحد مقابل واحد في تبادل السكان.

وماذا تقول المبادرة عن الترتيبات الامنية في غور الاردن، الموضوع الاساس وربما الوحيد الذي يقف في هذه اللحظة على جدول الاعمال وتعلق المفاوضات فيه؟ حسب جنيف، يبقى الجيش الاسرائيلي على نهر الاردن حتى بعد أن تخلى معظم المستوطنات (من غور الاردن ايضا). وعلم فلسطيني يرفرف فوق الحرم واللاجئون يعودون جزئيا. وفقط بعد ثلاث سنوات من تطبيق الاتفاق تحل قوة متعددة الجنسيات محل الجيش الاسرائيلي لتحمي الحدود. هذا لعناية جون كيري وبنيامين نتنياهو.

بين الحاضرين في متحف تل أبيب تجول د. سميح العبد، وزير سابق في السلطة الفلسطينية. بعد استقالة صائب عريقات عين العبد كعضو في المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية. والمسألة الاساس هي ماذا كان سيحصل لو كان العبد ورفاقه يجلسون أمس، مع وزير الخارجية كيري، في المفاوضات مع ديسكن، بيلين، زهافا غلئون ورفاق آخرين من مبادرة جنيف. فهل كنا حقا سنخرج من هناك باتفاق بعد ساعتين؟ هل كان الفلسطينيون سيوقعون حقا على اتفاق يتنازلون فيه عن حق العودة، يكتفون باعداد قليلة من اللاجئين او يتبنون المبادرة الجديدة لبيلين؟ هل كانت اسرائيل ستتنازل مرة واحدة والى الابد عن سيادتها على الحرم.

"كل شيء منوط بالزعامة"، قال لحاييم اورون (جومز)، رجل ميرتس ووزير سابق. "حيثما تسير الزعامة، يسير الشعب معها". ديسكن هو الاخر يعتقد هكذا. وهو لا يزال لم يقرر الى اين ستؤدي أفكاره. عندما طلب نشطاء شباب التقاط الصور لهم معه، نجده مرتبكا. "هذا هو السبب في أني لا اريد التوجه الى السياسة"، قال. من يتابعه عن كثب يدعي بان ديسكن لا يمكنه أن يبقى حياديا بعد ظهوره في فيلم "حماة الحمى" والخطاب أول أمس. في نهاية اقواله اقتبس ديسكن من نشيط السلام ليعنكالا روتبلت: "لا تقولوا سيأتي يوم، بل هاتوا اليوم"، دعا يسكن، ولعله قصد نفسه أيضا.

في اليومين الاخيرين حاول وزير الخارجية كيري مرة اخرى ان يأتي باليوم، ولكن المفاوضات تعنى بمحطات التفتيش والجساسات على نهر الاردن ولكنها لا تلمس المسائل الجوهرية، القدس، اللاجئين، الحدود والمستوطنات. المحامية تاليا ساسون، التي صاغت تقرير المستوطنات الشهير، سألت أول أمس في اثناء المؤتمر النائب عومر بارليف من حزب العمل اذا كان لا يزال واقعيا اخلاء 140 الف مستوطن الى داخل الكتل الاستيطانية. بارليف، الذي يقول في محادثات خاصة انه سيكون رئيس الوزراء، قال ان الموضوع ممكن، "حتى لو كان هذا اكثر تعقيدا مما كان في عهد فك الارتباط".

وأنا اقول، هراء. لقد فوتنا منذ زمن بعيد القطار. خلقنا واقعا على الارض لا نعرف ولا يمكننا التصدي له. عن النتيجة المأساوية يمكن ان نتعرف من اقوال ديسكن. حتى لو قال رئيس الوزراء ورجاله انه منقطع عن الواقع (بعد 40 سنة في الميدان، نعم؟) ويعودوا بالانشغال في مواضيع ايران.