خبر اتفاق جنيف: اتفاق الضرورة بين إيران والغرب

الساعة 08:03 ص|28 نوفمبر 2013

أطلس للدراسات

أخيراً بعد طول انتظار وشد وجذب، وبعد محادثات ماراثونية حامية بين إيران ومجموعة الـ (5+1) تم التوصل الى اتفاق تسوية مرحلي لستة أشهر بشأن ملف إيران النووي، كل الأطراف المشاركة اعتبرته اتفاقاً تاريخياً ومرضياً. فقط دولة الكيان وكعادتها في امتصاص خصومها حتى النهاية وبحسب ما اشتهر في أدبياتها "الخصم الجيد هو الخصم الميت"، فقد حرصت منذ بدء المفاوضات وحتى نهايتها على إظهار رفضها القاطع لأي صيغة يتم التوصل اليها، وعلى لسان رئيس وزرائها فإن الاتفاق "خطأ تاريخي" وكارثي مهدد لوجودها ولدول المنطقة أيضاً. وبتمعن بنود الاتفاق المعلن يمكن القول ان كل الأطراف خرجت رابحة وحققت نتائج إيجابية.

 

فيما يخص إيران

بالنسبة لإيران يمكن القول ان الاتفاق كان ضرورياً وأخرجها بدرجة أو بأخرى من المأزق، مأزق العقوبات الاقتصادية الطاحنة التي أثقلت كاهلها وتسببت في معاناة مواطنيها بشكل أحرج قادتها وتراجع قيمة عملتها بحوالي 80%، ومأزق عمل عسكري يمكن أن يفقدها كثيرا من الانجازات التي تم تحقيقها تراكمياً عبر سنوات مضت. الاتفاق ينهى عزلتها الاقتصادية والسياسية ولو جزئياً، ويمكنها أن تصبح قوة إقليمية ودولية مؤثرة، وهو دور يمكن أن يكون أهم اليها من امتلاك سلاح نووي. ثم إن الاتفاق لم يحرمها من منشآتها النووية التي استثمرت فيها أموالاً وقدرات طائلة، بما يمكنها في المستقبل من القدرة على القفز نحو امتلاك سلاح نووي لو تطلب الأمر أو سمحت الظروف الدولية.

ومع أن الاتفاق لا يؤدي إلى رفع العقوبات الدولية عن القطاعين الأهم في الاقتصاد الإيراني، وهما المصارف والنفط؛ فإنه قد يفتح أمامها أبواباً واسعة، تآكل نظام العقوبات قد يشجع شركات وحتى دول من استئناف علاقاتها التجارية والاقتصادية معها، وهو ما عبر عنه وزراء في الحكومة الاسرائيلية من ان رفع جزء من العقوبات قد يؤدي الى انهيار السد وتدفق الأموال.

 

الدول الاوروبية

 أما فيما يتعلق بالدول الغربية؛ فما جرى هو اتفاق مرحلي يمكن أن ينشأ حراكاً ايجابياً، فالاتفاق – من وجهة النظر الغربية – يسهم في تقوية المعتدلين "روحاني" في مواجهة المتشددين "خامنئي". ثم ان الاتفاق يمكن أن يفتح باب التجارة مع دولة نفطية هامة، ناهيك عن تباين الموقف الاوروبي، فبريطانيا، على خلاف فرنسا، بدت أكثر مرونة الى عودة العلاقات مع إيران، واتضح هذا من المكالمة الهاتفية بين رئيس وزرائها دافيد كاميرون والرئيس الايراني حسن روحاني ومسارعتها في عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

 

أمريكا

 الاتفاق يعتبر انجازاً كبيراً، اذ امكنها من ترويض النمر الايراني وأبعدها عن حروب أنهكت اقتصادها وقدراتها دونما فائدة، وبحسب الرئيس أوباما بعد توقيع الاتفاق "ممنوع علينا أن ترفض الحلول السياسية لمشاكل العالم، ممنوع أن نربط أنفسنا بدائرة مغلقة غير نهائية من العنف، الحديث القاسي والتهديد هي من الأمور السهلة، لكنها ليست الأمر الصحيح المطلوب لأمننا القومي"، وكان واضحاً منذ انتخاب روحاني أن الطرفين الأمريكي والإيراني أصبحا أكثر تسامحاً وقبولاً تجاه بعضهما، وفي المحادثات الاخيرة أظهرا تصميماً كبيراً على الوصول لاتفاق وتجاوز الأزمات. وتشير معلومات أن الطرفين الأمريكي والإيراني قد فتحا قناة اتصال سرية عبر دولة عمان، وبرغم أن إسرائيل كشفت عن تلك القناة إلا ان الامريكيين أنكروا ذلك واستمروا في إخفائها.

ومن وجهة النظر الغربية؛ فان نسبة المخاطرة قليلة لأن الاتفاق صاحبته ترتيبات أمنية مفصلة وأنشأ أجهزة رقابة وثيقة، وبحسب دوائر غربية فإن كل شيء قابل للتراجع إذا تبين أن هناك تضليل وأن الدول الغربية ستعود الى النقطة الأولى والخيار العسكري إذا اقتضت الضرورة.

 

أهم التفاصيل

وبحسب تفاصيل الاتفاق المعلن عنها؛ فقد تخلى الإيرانيون عن مطالب مركزية كانوا قد أصروا عليها مثل موافقتهم على ايقاف تشغيل مفاعل المياه الثقيلة في اراك، وتمنع أن تستعمل المفاعل أو أن تدخل إليه وقوداً أو ماءً ثقيلاً، وأن توقف التجارب على الوقود المخصص للتفاعل، والتزمت ايران بأن تقدم معلومات تقنية عن هذا المفاعل وأن تمكن المراقبين الدوليين من الوصول للمكان، والتزمت كذلك بالامتناع عن تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة من أي نوع كان، والتزمت أيضاً بعدم استخدام أو تركيب أجهزة الطرد المركزي الموجودة لديها من الجيل الجديد. إضافة إلى التزامها بتخصيب اليورانيوم بدرجة لا تزيد عن 5%، وأن تتخلص من مخزون اليورانيوم المخصب لديها بدرجة 20% وتبلغ كميته 200 كغم بان يتم تحويله إلى وقود أو غاز. وألا تنشئ منشآت تخصيب جديدة.

يسمح لايران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم بدرجة 3.5%، لكن سيحظر عليها أن تزيد في مخزونها، وكل اليورانيوم الذي سيخصب سيحل محل كمية أخرى ستحول الى غاز، وفي مدة الاتفاق المرحلي لن يزيد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب.

اقتصادياً يؤدي الاتفاق إلى تخفيف عقوبات التجارة عن قطاعات مختلفة في الاقتصاد الايراني مثل العقوبات على تجارة الذهب والمعادن النفيسة، وقطع غيار لصناعة السيارات، وتصدير الصناعة البتروكيميائية، والحديث عن ايرادات يتوقع أن تبلغ 1.5 مليار دولار في نصف سنة. وسيسمح لإيران أيضاً استيراد قطع غيار لطائرات الركاب.

من بين ايرادات إيران المجمدة سيفرج عن 4.2 مليار دولار، ستنقل على دفعات بحسب وفاء إيران بالتزاماتها، وسيفرج أيضاً عن 400 مليون دولار ستحول للإنفاق على دراسة طلاب ايرانيين في دول أجنبية. وفي الحاصل الحديث عن إفراج عن ممتلكات تبلغ قيمتها 6.1 مليار دولار في الأشهر الستة القريبة. وستبقى العقوبات المركزية على تجارة النفط وعلى الجهاز المصرفي الايراني على حالها وستطرح للنقاش من جديد بعد نصف سنة.

 

الكيان الصهيوني

من وجهة النظر الإسرائيلية؛ رغم حرب التصريحات النارية المنددة بالاتفاق والتخويف من تبعاته  ونواقص الاتفاق التي يتحدثون عنها مثل عدم تعرضه للصواريخ والرؤوس المتفجرة التي تسارع إيران في تطويرها، وخشيتهم من أن يسهم الاتفاق في تحرر إيران من العقوبات والعودة الى النشاط النووي بشكل كامل؛ فإن عاموس يادلين تطرق الى ما أسماه الجانب الايجابي بقوله "في الجانب الايجابي يمكن أن نشير إلى أن هذه المرة الأولى منذ 2003 الذي يتوقف فيها البرنامج النووي الإيراني، بل ويتدحرج الى الوراء، فوقف التخصيب بنسبة 20% واستبدال المادة المخصبة بدرجة20% إلى وقود لا يمكن استخدامه لإنتاج قنبلة، وتعليق مسار البلوتونيوم في اراك هو في الأساس تعزيز وتعميق الرقابة، كل هذه انجازات هامة في الاتفاق الموقع".

ويدحض يادلين الفرضية الاسرائيلية بأنه كان على الدول الغربية أن تشدد العقوبات إلى أن تنهار إيران اقتصادياً وصولاً للاستسلام والقبول بالتخلي عن قدراتها النووية، ويرى العكس بأن فشل سيناريو المفاوضات سيدفع إيران بالتسريع في الوصول الى السلاح النووي، وأن ما وقع في جنيف هو البديل المفضل للستة أشهر القادمة. فالاتفاق برأي قيادات أمنية اسرائيلية جيد، وإذا نفذ فإنه يستطيع وقف البرنامج الذري الايراني في وضعه الحالي، بل يعيده إلى مستوى أدنى.

المحلل في صحيفة "هآرتس" آري شبيط يقول: يوجد منطق في التفكير الأمريكي الذي أثمر الاتفاق المرحلي لأنه يجب وقف الساعة بكل ثمن لأنه لا يوجد خيار عسكري، ولأن أجهزة الطرد المركزي أسرع من العقوبات، وهذا المنطق اقتضى في آخر الأمر الى التسليم بأن تصبح إيران على شفا القدرة الذرية".

على كل فإن اسرائيل تستعد لأكبر حملة دعائية في مرحلة التفاوض القادمة لتكون نتائجها مختلفة تماماً عن نتائج الاتفاق المرحلي، أي تجريد إيران من قدراتها النووية بشكل كامل.

 

قياس النجاح

في المحصلة؛ فنحن أمام اتفاق مرحلي بفترة صلاحية من 6 أشهر، سيشكل أساس لعلاقات هامة بين إيران والغرب، على أمل الوصول الى معالجة نهائية، وهي طريق ليست سهلة ومكللة بالمعوقات، ونجاح إيران يتحقق في قدرتها على الوصول الى رفع العقوبات مع عدم التفريط في ممتلكاتها النووية التي أنفقت عليها أموالاً وجهوداً طائلة مع مسافة تمكنها من امتلاك سلاح نووي عند الحاجة.