خبر كيف نحيا مع جُبن سويسري؟- يديعوت

الساعة 11:04 ص|25 نوفمبر 2013

كيف نحيا مع جُبن سويسري؟- يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: يجب على نتنياهو والحكومة الاسرائيلية أن يستعدا منذ الآن للاتفاق التالي مع ايران كي يستخلصا أفضل النتائج وأن يتركا التباكي والندب الآن - المصدر).

 

حينما واجه آباؤنا نُذرا قومية قاسية اعتادوا أن يبحثوا عن عزاء في الكتاب المقدس. واليكم حكاية الملك داود صاحب المزامير الذي أوقع به الله عقوبة فظيعة: فقد أصاب الطفل الذي أنجبته له بات شيفع بمرض عضال. فناضل المولود سبعة ايام عن حياته. وفي ذلك الوقت كله كان الملك مستلقيا على الارض لم ينهض ولم يتكلم ولم يأكل شيئا. وفي اليوم السابع مات المولود. وخشي خدمه الشيء الأفظع من كل شيء، لكن تبين وهمهم، فقد نهض الملك واغتسل وأكل. "وقال له عبيده: ما هذا الشيء الذي فعلته؟ هل صمت وبكيت من اجل ولد حي وحينما مات الولد نهضت وأكلت الخبز؟".

 

وأجابهم داود: "هل أستطيع إعادته. أنا ذاهب إليه وهو لن يعود إلي". وقد كانت هنا رسالة سياسية ورسالة قائد فضلا عن المعنى الانساني العميق وهي أن التباكي لا يصنع زعامة.

 

إن الاتفاق الذي أُحرز في نهاية الاسبوع في جنيف بعيد عن أن يضمن القضاء على البرنامج الذري الايراني. واذا استعملنا عبارة قالها اهود باراك عن اتفاق آخر، فانه مليء بالثقوب مثل الجبن السويسري. وهو في الجانب الايجابي يجعل ايران تحت رقابة دولية ملاصقة ويصد التقدم في بعض أجزاء البرنامج. وهو في الجانب السلبي يُسلم في واقع الامر بحق ايران في أن تكون دولة حافة ذرية.

 

إن الاتفاق الحالي نافذ الفعل في ظاهر الامر مدة ستة اشهر فقط، ويذكر في الحاصل العام سلسلة خطوات تبني الثقة من الطرفين. وقد بقي أكثر العقوبات على ما كان عليه كما تستمر على البقاء كل المنشآت الذرية في ايران. لكن الاتفاق يشق طريقا: إن احتمال أن يوافق الايرانيون بعد ستة اشهر على العودة الى الخلف، الى فترتهم

 

قبل الذرية، يؤول الى الصفر؛ واحتمال أن يصبح الضغط العالمي على الايرانيين بعد ستة اشهر أكبر وأن يوجد اتفاق عام بين القوى العظمى على تشديد العقوبات أو على عملية عسكرية يؤول الى الصفر هو ايضا. وستضطر اسرائيل كسائر الدول في المنطقة الى أن تُكيف نفسها مع مكانة ايران الجديدة باعتبارها دولة حافة.

 

وليس ذلك جيدا لكنه ليس نهاية العالم. وكل اسرائيلي سواء أكان خبيرا بالذرة أم لا يدرك ذلك.

 

كل اسرائيلي تقريبا. فقد رد بنيامين نتنياهو على الأنباء من جنيف وكأن نهاية العالم قد حانت. وفي بدء جلسة الحكومة أمس خطب خطبة على شاكلة لتمت نفسي مع الفلسطينيين. "إن هذا الاتفاق ومعانيه يهدد دولا كثيرة واسرائيل منها بالطبع"، قال. "ليست اسرائيل ملزمة بالاتفاق. إن النظام في ايران يلتزم بالقضاء على اسرائيل ولاسرائيل حق وواجب أن تحمي نفسها بقواها الذاتية من كل تهديد".

 

ويسأل كل مواطن اسرائيلي نفسه ماذا يعني ذلك. هل يوشك نتنياهو أن يأمر الجيش الاسرائيلي بتنفيذ هجوم عسكري ظاهر على أهداف في ايران في ذروة تفاوض؟ ولنفرض لحظة أن للجيش الاسرائيلي قدرة كتلك. فهل تستطيع اسرائيل أن تهدم بالقوة مسارا اتفقت عليه القوى العظمى الست في العالم؟ وهل نتنياهو مُهيأ لهذا القرار الذي يجعل اسرائيل في مواجهة العالم كله ما عدا السعودية صديقتنا المخلصة والموالية والأبدية، وهي شعاع نور وحيد في الظلام؟ وهل وزراء المجلس الوزاري المصغر مُهيأون لقرار كهذا وهل يريدونه؟.

 

نشك في ذلك كثيرا. وأكثر من ذلك احتمالا أن نفرض أن نتنياهو قد جُر وراء الكلمات الكبيرة كأفضل تراث حزبه. وعلى قدر كبرها فراغها.

 

تنبع شدة تصريحاته في شبه يقين من شعور بالفشل الشخصي ايضا: فقد حدث ذلك في نوبته وحدث برغم أنه جعل هذا النضال الشعار الحربي لولايته. لكن في عمله لا يجوز أن تؤثر الخيبات الشخصية في عقله.

 

يُلقي وزراء كانوا مشاركين في جهود منع الاتفاق التبعة كلها على رئيس الولايات المتحدة اوباما. فهم يزعمون أن وزراء الخارجية ورؤساء الاجهزة ذات الصلة في فرنسا وبريطانيا وفي المانيا ايضا بقدر كبير اتفقوا مع اسرائيل اتفاقا خالصا. وكان وقف التخصيب من وجهة نظرهم شرطا لا ينبغي تجاوزه الى أن أحرق الامريكيون أوراق لعبهم.

 

إن هذا الوصف ساذج. فالاجانب، حتى كبار المسؤولين منهم يفضلون أن يقولوا على مسامع الاسرائيليين ما يعتقدون أن الاسرائيليين يريدون سماعه. والمسار الذي أفضى الى الاتفاق في جنيف يدل على مبلغ صغر تأثير حكومة اسرائيل في زعماء اجانب ومنهم زعيم أفضل صديقاتنا. وتدل طريقة علاج اوباما لاحتجاجات نتنياهو على أنه رآها مشكلة سياسية – إمكان أن يقنع نتنياهو مجلس النواب بتشديد العقوبات – ومشكلة علاقات عامة. لكنه لم يولِ الدعاوى نفسها وزنا.

 

بدل البكاء للاتفاق الذي وقع عليه أو تهديد اوباما بعملية عسكرية لن توجد، سيُحسن نتنياهو الصنع اذا حصر جهوده في الاتفاق القادم. وقد التزم اوباما بصورة ظاهرة عشرات المرات أنه لن يكون لايران سلاح ذري في نهاية المسار. وهذه نقطة بداية

 

جيدة لحملة دعائية فعالة. سيحدث الكثير في الاشهر القريبة: فالمراقبون سيُسمح لهم أو لن يُسمح لهم بزيارة كل المواقع في ايران؛ واجهزة الطرد المركزي ستُعطل أو لن تُعطل؛ واليورانيوم سيخفف أو لن يُخفف؛ والعالم سيفي أو لن يفي بالتزامه باسقاط جزء صغير فقط من العقوبات.

 

إن عمل اسرائيل هو أن تقف حارسة. وحتى لو كان الاتفاق بعيدا عن الوفاء بتوقعاتنا فلا يجوز أن ندعه يتلاشى. وإن نتنياهو لينتظره عمل كثير. فليتفضل ولينهض عن الارض، فليس هذا وقت التهديدات الفارغة والاشفاق على النفس.