خبر ارتياح في طهران وقلق في تل أبيب

الساعة 07:42 ص|25 نوفمبر 2013

أطلس للدراسات

بعد سنوات من التهديد والعقوبات والحصار على إيران، والقلق من خطر اندلاع حرب إقليمية كبيرة؛ نجحت إيران والدول الستة في التوقيع على اتفاق مرحلي لستة أشهر، اتفاق بشر بانفراج ما عرف عبر سنوات بأزمة الملف النووي الإيراني، انفراج تنفس معه العالم الصعداء بانتصار الدبلوماسية على الحرب، ويفتح احتمالات الحوار مع طهران إلى ما هو أبعد من النووي، الى ملفات سياسية إقليمية وشراكة تأخذ بعين الاعتبار إيران كدولة إقليمية يعترف الغرب بمصالحها ونفوذها، وبالمقابل يفرض على إيران سلوكاً والتزاماً باستحقاقات هذا الاعتراف.

بعد دقائق من توقيع الاتفاق في جنيف بعد منتصف ليلة السبت الماضي، أعلن وزير خارجية إيران جواد ظريف للشعب الايراني انتصار الايرانيين في المعركة الدبلوماسية على الملف النووي الإيراني، وفى المقابل انتقد وزير خارجية تل أبيب ليبرمان ما اسماه بـ "إذعان الغرب"، واصفاً الاتفاق بأنه النصر الدبلوماسي الأكبر لإيران منذ ثورة الخميني، تصريحان يتشابهان في اللغة والوصف، ويتفقان على كل شيء من عدوين، لكنهما يختلفان على أهداف ودوافع أقوالهما، فالأول ظريف وجه تصريحه للداخل الإيراني، فعظم وبالغ ما أسماه بالانتصار لإحباط انتقادات المحافظين، ولتسويقه في ايران كإنجاز كبير لدبلوماسية الاعتدال التي استطاعت أن تخفف العقوبات والحصار على طريق رفعها كلياً وتزيل تهديدات القصف والحرب دون المساومة على حقوق ايران السيادية، وفى مقدمتها اعتراف العالم بحق إيران بامتلاك تكنولوجيا نووية، وفى نفس الوقت المحافظة على كل ما استطاعت إيران انجازه على طريق القدرة النووية.

أما الثاني ليبرمان ومعه جميع وزراء حكومة نتنياهو فقد حافظوا على ذات الخط وذات النهج، نهج النباح والصراخ والتحذير والتحريض والتهديد، وهو يبدو دور وظيفي يجيدون القيام به، قبل الاتفاق كان الهدف إفشال أي حل دبلوماسي مع إيران وقرع طبول الحرب أو على الأقل رفع سقف الاتفاق، الأمر الذي نجح مع الفرنسيين قبل عشرة أيام، أما الاستمرار في ذات النهج بعد الاتفاق فله أهداف عديدة منها:

التشديد في الرقابة، وتشدد الغرب في تنفيذ الايرانيين لالتزاماتهم، والتمهيد منذ اليوم لصيغة الاتفاق النهائي، وعدم تحويل الاتفاق المرحلي الى اتفاق نهائي يحفظ لايران قدراتها النووية، وكذلك فالنباح الاسرائيلي هو لغة تل أبيب في مطالبة الغرب بتعويضها عن الاتفاق "السيء"، تعويض في السلاح وفى الملفات السياسية الأخرى، على طريقة الكلاب المسعورة التي لا تفهم إلا لغة النباح والعض، ومن يستمع لأقوال السياسيين في اسرائيل يصاب بالذهول جراء قدرتهم على تهويل المخاطر، ونفخ التهديدات وجراء وقاحتهم تنكرهم للتحيز الغربي الكبير لمصالح تل أبيب العدوانية، فوزير المالية لبيد يستنكر ابتهاج وزير خارجية فرنسا فابيوس بعد توقيع الاتفاق، وبالأمس فقط احتفلوا به واعتبروه أحد المحسنين الكبار لليهود، وعوزي لنداو وزير البنى التحتية يقول ان رائحة منخن تفوح من الاتفاق، في إشارة للاتفاق الذى تخلى فيه الغرب عن تشيكوسلوفاكيا لصالح هتلر هرباً من مواجهته، وهو ما استمر نتنياهو بتذكير الغرب به عندما طالبهم أن يختاروا نهج تشرشل على نهج تشمبرلين.

حجم المبالغة والتهويل السياسي في اسرائيل لا يلقى تأييد بعض الكتاب والمهنيين الاسرائيليين الذين يرون فيه اتفاقاً معقولاً، ولا يعتقدون أن الغرب كان بإمكانه أن يأتي بأفضل منه، وأنه على الأقل يضمن أن تجمد إيران نشاطات تخصيب اليورانيوم لستة أشهر، أي انه يوقف سير القطار الايراني نحو القنبلة بالسرعة الكبيرة التي كان يسير بها لستة أشهر، ويمنح الغرب قدرة رقابية ومستوى معلوماتي مهم، وان العبرة الكبرى ستكون تشديد الرقابة، والمعركة الأهم في جوهر الاتفاق النهائي.

رون بن يشاي يقول ان من يتوقع أن تجثو إيران مستسلمة على الأربعة واهم، فلو وضع الغرب أمام إيران خيار الاستسلام أو الحرب لاختارت طريق القنبلة بثمن الحرب على الاستسلام، ولديها من يدعمها من حلفائها وستنال رضى شعبها، أما عاموس يدلين رئيس الاستخبارات سابقاً ورئيس معهد الأمن القومي حالياً فيطالب نتنياهو وطاقم حكومته بالتوقف عن توتير علاقة اسرائيل بإدارة البيت الأبيض، وافتعال أزمات ستفقد اسرائيل القدرة على الضغط والتأثير في مجريات الاتفاق النهائي، ويطالبه بتعميق الحوار الهادئ مع البيت الأبيض بعيداً عن سياسة لي الذراع، والهجوم المنفلت على إدارة أوباما في الاعلام أو التحريض عليه داخل مجلسي الشيوخ والنواب، ويقول ان التقدم في الملف الفلسطيني سيؤثر ايجاباً في عمق التفاهم على الملف النووي.

إن اتفاق جنيف المرحلي يمنح رئاسة روحاني انجازاً دبلوماسياً يحق لها أن تعرضه وتسوقه في طهران كأحد أهم انجازات دبلوماسية الحنكة والاعتدال التي تراعى ما بين الثوابت والانجازات الايرانية وما بين استحقاقات الانفتاح، وهي بذلك نجحت في حماية الانجازات الإيرانية، وفى استبعاد مخاطر الحرب، وتحطيم بعض أجزاء سور الحصار، وفى مد جسور الحوار والانفتاح على أمريكا والغرب كطرف ند وكدولة مؤثرة وفاعلة، وفى نفس الوقت استطاعت أن تعزل الموقف الاسرائيلي وتكشفه عارياً فظاً وغير مقبول، وليس أقل من ذلك أنها كانت سبباً في تفجر أكبر أزمة ثقه بين تل أبيب وواشنطن.

لكن كل هذه الانجازات ستبقى مشروطة ومرهونة بالاتفاق النهائي بعد ستة أشهر، حيث ستتصارع الارادة الايرانية مع دبلوماسية غربية تختار التسويات مع من يمتلكون إرادة التحدي ويصرون على ثوابتهم ومطالبهم ومستعدون لدفع الثمن والتضحية إن لزم الأمر، مع الاخذ بعين الاعتبار أن من يرفع العقوبات ولو تدريجياً لن يتمكن بسهولة من التراجع عنها أو فرض المزيد منها حيث أن العقوبات المفروضة فرضت بإرادة وسطوة أمريكية من خارج مجلس الأمن تم فرضها على دول وقطاع خاص أوروبي وآسيوي، وعندما يبدأ هذا العقد بالانفراط فإنه سيصعب جداً على إدارة أوباما إعادة عقده في ظل التسويق الناجح لدبلوماسية الاعتدال الإيرانية، أما من جهة إيران فإن الغرب ربما يراهن على ان من يستعد نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لرفع العقوبات، وبدأ يتمتع بثمار الانفتاح وتخفيف الحصار، لن يكون بوسعه أن يعيد العجلة للخلف وسيغدو أكثر قابلية للضغط والابتزاز.