بالصور « ضغطة زر ».. تُبقي « أبو محمد » وحيداً مع ذكرياتٍ « مؤلمة »

الساعة 08:12 ص|18 نوفمبر 2013

غزة (خـاص)

لا يمكن لأي شخص يُمر من أمام منزل المواطن أبو محمد الدلو، وسط مدينة غزة، إلا أن يُعجب في بنائه على الطراز الحديث، فيتمنى أن يكون له "بيت" مماثل، ولكن ما لا يعرفه أحد، أن هذا المنزل يحمل في كل جانب منه "حزن عميق" لا يقدر عليه ولا يشعر فيه سوى صاحب هذا المنزل.  

ففي هذا البيت، كان كلُ شئٍ على حاله في الثامن عشر من نوفمبر 2012.. أي قبل عام من اليوم، الزوجة والأبناء والأحفاد والأقارب، يجلسون ويتحاورون ويضحكون ويلعبون، ويحلمون ويخططون لحياة أكثر سعادة، إلا أن "ضغطة زر" من ضابط صهيوني حاقد قلب الحقائق، وحول كل شيء في هذا المنزل لركام، على أصحابه وكل من فيه.


الدلو

صاحب المنزل الخمسيني جمال محمد الدلو (أبو محمد) هو ونجله عبد الله (20 عاماً) وحدهما نجيا من هذه المجزرة التي هزت أرجاء فلسطين والعالم أجمع، وكانت لها وقع الصدمة على كل فلسطيني، لما مثلته من بشاعة لا يمكن أن توصف.

الدلو صَمَتَ برهة من الوقت عندما بدأت مراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" الحديث معه، لكنه قسا على نفسه ليتحدث عن عائلته: كانت عائلتي بسيطة ونعيش بسعادة وهناء ونملك بيتاً جميلاً وضعت فيه كل ما نملك، لكن "إسرائيل" أبت إلا أن تنغص علينا عيشتنا فقتلتهم جميعاً وتركتني وابني وحيداً.


الدلو

وعن يوم المجزرة يقول:" ذهبت للاطمئنان على محلات أمتلكها في "شارع عمر المختار" ولحق بي ابني "عبد الله"، وهناك وصلتني أنباء عن قصف بيتي فلم أتمالك نفسي وأغمى عليا ولم أدر ما حدث، وبعدها أخذني الجيران لمنزلهم وأخفوا عني ما جرى".

ولم يعرف الدلو ما حدث وكل ما وصله من الجيران الذين حاولوا أن يخفوا عنه ما حدث أن بيته قصف وأن عائلته قد أصيبت، لكنه تيقن أن شيئاً جلل حدث، عندما بدأ يسمع أطراف أحاديث من هنا وهناك أن عليهم إعلامه بما جرى.

وعندما سألناه عن الشئ الذي كان يفكر فيه في تلك اللحظة صمت للحظات لكنه أكمل :" كنت أفكر في كل شخص زوجتي وبناتي وابني محمد وزوجته وأحفادي وشقيقتي التي هربت من بيتها وهي مريضة وطاعنة في السن لتحتمي في بيتي".


الدلو

وفي اليوم الثاني، يضيف الدلو: أبلغوني الجيران والأقارب بما حدث ومن استشهد فلم أتمالك نفسي، كان أسوأ يوم في حياتي، حينها شعرت بالظلم فلماذا بيتي وأولادي وعائلتي ونحن نعيش في منطقة سكنية لا حول لهم ولا قوة.

استشهد في هذا اليوم كما يذكر الدلو زوجته أم محمد، ونجله محمد وزوجته وأولاده الأربعة، كما استشهدت بناته الاثنين يارا ورنين، وشقيقته (75 عاماً) التي كانت في زيارة له حيث أنها كانت مريضة ويقوم على رعايتها.

كما دُمر منزل الدلو المكون من أربعة طوابق وسيارته، فضلاً عن دمار كامل لمحتويات منزله، حيث لم يتبقَ له شئ وخرج "خالي الوفاض" إلا من ملابسه التي كان يرتديها.

أبو محمد لم تسعفه الكلمات خلال الحديث فبصمته كان يهرب من التساؤلات التي مازالت تدور رأسه وأمنيات مازال يرددها :"لماذا لم أمت معهم، فلو كنت معهم فكانت المصيبة أهون من أن تقتل كل عائلتي وأبقى وحيداً مع ذكرياتي بهم".

"فهذا البيت"- يشير إلى منزله- قد أعيد بناؤه وعاد الحجر فيه فقط، ولكن أولادي وزوجتي وأختي لم يعودوا، فكل شئ جميل فيه ذهب ولم يبقَ له روح، فقط ذكريات الموت هي الباقية". يضيف الدلو.  

لكن أبو محمد علا صوته عندما تمنى من حكومتي رام الله وغزة، بالتمسك بالوحدة والوقوف كرجل واحد لصد العدوان الذي حصد أرواح أبنائه وعائلته وكل العائلات الفلسطينية، مطالباً بضرورة رفع قضايا للمحاكم الدولية لمحاكمة ضباط الاحتلال على ارتكابهم الجرائم بحق الفلسطينيين وخاصةً الأطفال والنساء.


الدلو

ويضيف: عندما قصف منزلي رأيت كل أبناء شعبي يقفون معي يحاولون مساعدتي ومساندتي ويقفون صفاً واحداً، لأن "إسرائيل" لا تفرق في قصفها بين أحد، ووحدتنا هي الأساس.

ورغم مأساته، لم ينسَ الدلو أن يذكر المقاومة الفلسطينية التي ساهمت في تحقيق نصر مؤزر على العدو الصهيوني، ليؤكد أن أبناء شعبنا جميعاً كانوا يقفون خلف المقاومة الباسلة التي تدافع عن شعبنا بصدورهم.

وتابع الدلو حديثه:" "إسرائيل" لا تفرق بين مدني وعسكري، وتستهدف كل شئ متحرك، وعندما فشلت في وقف صواريخ المقاومة "تفششت" في قصف المدنيين والأطفال والنساء للتأثير على المقاومة ومحاولة إخضاعها.

يُشار، إلى أن قائد سرب "هيرون -1" المسئول عن طائرات الاستطلاع دون طيار أقر بفشل قوات الاحتلال في تحييد المدنيين الفلسطينيين خلال معركة "السماء الزرقاء"، حيث اعتبر أن "المسؤولية تقع على مشغلي تلك الطائرات، للتحقق من عدم وجود مدنيين في محيط الهدف".

ووفقا للأرقام التي قدمتها منظمات حقوقية  كـ"بتسيلم"، فإن 167 فلسطينياً استشهدوا في الحرب، منهم 87  مدنياً من الرجال والنساء والأطفال، أبشعها كان مجزرة آل الدلو، التي اُستشهد فيها 12  مدنياً، بينهم أربعة أطفال وخمس نساء من عائلة واحدة.

بعدسة الزميل المصور : داوود أبو الكاس


الدلو

الدلو

الدلو

الدلو
الدلو

الدلو


الدلو