خبر قبل التفكير في انتفاضة ثالثة.. محمد السعيد إدريس

الساعة 07:38 م|16 نوفمبر 2013

عقد الفلسطينيون و"الإسرائيليون"، حتى الآن، قرابة ست عشرة جولة تفاوضية برعاية أمريكية، وكانت المحصلة هي خروج جون كيري وزير الخارجية الأمريكي عقب اختتام زيارته للكيان الصهيوني ولقاءاته مع كبار قادة العدو ثم لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ليحذر من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة . حتماً لم يكن الدافع الأساسي لهذا التحذير مجرد رد فعل لتلك التظاهرة المحدودة التي ضمت عشرات الشباب الفلسطينيين والتي احتجت على زيارة كيري وعلى ما اعتبرته انحيازاً أمريكياً ل"إسرائيل"، وطالبت بوقف الاستيطان ووقف المفاوضات، وحاولت اعتراض طريق قافلة كيري وهو في طريقه للقاء أبومازن، لكن الدافع هو إدراكه لحقيقة الموقف "الإسرائيلي" الذي يتعمد دائماً التهرب من الاستحقاقات الحقيقية للتفاوض، والحيلولة دائماً من دون إنجاح مسارها وتعمد إفشالها، مع الحرص على تحميل الجانب الفلسطيني كل المسؤولية، على نحو ما جاء على لسان نتنياهو رئيس حكومة الكيان في مؤتمره الصحفي مع كيري، فقد اتهم الفلسطينيين بأنهم "يواصلون التحريض وخلق الأزمات المصطنعة، ويواصلون التهرب من القرارات التاريخية الضرورية لصنع السلام الحقيقي" .

رغم إدراك كيري لهذه الحقيقة إلا أن رده على افتراءات نتنياهو لم يتعد الإقرار بأن المفاوضات اصطدمت بمصاعب، وتحدث عن الحاجة إلى تنازلات حقيقية وقرارات صعبة من الجانبين . وهذه هي الكارثة الكبرى أنه أعجز عن أن يكشف الحقائق، وكل ما استطاع أن يبوح به هو رفضه تلميحات قادة الكيان بوجود تفاهم مع الفلسطينيين بشأن الاستيطان، ما يعني بأن الاستيطان لم يعد عقبة أمام المفاوضات وأنه من الواجب على كيرى أن يتوقف عن التركيز على شرط وقف الاستيطان لانجاح المفاوضات . فقد علّق كيري على هذه الأكاذيب والافتراءات بقوله: "أريد أن أوضح بشكل جلي ان الفلسطينيين لم يوافقوا في أي مرة خلال السعي للعودة إلى المحادثات على أن يتغاضوا بشكل ما عن مسألة المستوطنات أو يقبلوها" .

لم يستطع كيري أن يبوح بأكثر من ذلك، لم يعلق مثلاً على مغزى عقد مؤتمر داخل الكيان وبرعاية الحكومة بعنوان "دولة واحدة لشعب واحد وهو المؤتمر الذي عقد بمشاركة الآلاف من نشطاء وقادة اليمين "الإسرائيلي" وخلاله أكد المشاركون رفضهم إجراء أي مفاوضات تتعلق بتنفيذ انسحابات "إسرائيلية" من الضفة الغربية مهما كان نوعها، وتضمن أيضاً الحديث عن مخططات لتوطين مليوني يهودي في الضفة الغربية واستغلال جميع الأراضي الفارغة في الضفة لبناء المزيد من المستوطنات والتوسع في عمليات التهويد وضم الأراضي .

لم يذكر كيري شيئاً عن الاجتماع الذي ضم أكثر من 80 قيادياً من عتاة المتشددين في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بهدف تقديم موعد انعقاد المؤتمر العام للحزب بهدف تغيير دستور حزب الليكود بما يمنع نتنياهو من تقديم أي تنازلات لصالح الفلسطينيين أو تنفيذ أي انسحابات "إسرائيلية" من الضفة الغربية . ولم يعلق كيري على السور الأمني الذي شرعت الحكومة "الإسرائيلية" في إقامته على الحدود بين الضفة المغربية والأردن في تأكيد صريح لجعل منطقة "غور الأردن" الحدودية الفلسطينية ضمن حدود الدولة الصهيونية بدافع من حماية الأمن "الإسرائيلي"، ولمنع الدولة الفلسطينية في حالة قيامها، أن تكون لها حدود مع الأردن، وتحويلها إلى مجرد "جيب صغير" داخل دولة "إسرائيل الكبرى" التي تضم معظم وأهم أراضي الضفة الغربية .

لم يتحدث كيري عن أي من هذه الحقائق، لكنه أجملها كلها في تحذيره ل"الإسرائيليين" من اندلاع انتفاضة ثالثة، لكن الطرف الفلسطيني غائب عن تفعيل خلفيات هذا التحذير ومضمونه الذي يقول إن "كل دوافع اندلاع انتفاضة ثالثة باتت مكتملة" .

فالمفاوضات هي لمجرد كسب الوقت، ولتجميل الفشل الأمريكي في الشرق الأوسط على كل الصعد، هي مجاملة فلسطينية للصديق الأمريكي ومحاولة تبييض وجهه الذي يواجه الفشل في كل المواقع وخاصة في سوريا، في إشارة للحلفاء العرب بأن التنازلات الأمريكية في الأزمة السورية لصالح الموقف الروسي يقابله مكاسب على مستوى القضية الفلسطينية، في ما يشبه المقايضة، ولكنها مقايضة كاذبة ومخادعة، فما يحدث في سوريا هو محصلة واقع توازن القوى العسكري والسياسي لكل الاطراف السورية والعربية والاقليمية والدولية وليس مجرد تنازل أمريكي، والمكسب الفلسطيني هو الآخر كاذب ومخادع لأن محصلة المفاوضات التي يشرف عليها كيري بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" هو الفشل المؤكد .

رغم ذلك فإن تحذير كيري ل"الإسرائيليين" بخطر اندلاع انتفاضة ثالثة إذا لم تغير حكومة نتنياهو من تسويقها للمفاوضات يجب ألا يمر مرور الكرام على الشعب الفلسطيني وقياداته وعلى الشعب العربي .

مضمون تحذير كيري يقول إن الشعب الفلسطيني لم يعد له من أمل ينتظره من تلك المفاوضات، أو من مجمل ما يعرف ب"عملية السلام" التي لم تكن سوى خدعة أريد بها كسب الوقت لانجاح مخططات الاستيطان والتهويد، وتمزيق وحدة الصف الفلسطيني، وتفكيك روابط والتزامات العرب نحو القضية الفلسطينية بتحويلها من صراع عربي صهيوني إلى مجرد نزاع أو حتى خلاف ثنائي "إسرائيلي"- فلسطيني حول قضايا تفصيلية وخاصة ليس للعرب أدنى علاقة بها خصوصاً في ظل الترويج لوجود عملية تفاوض هدفها المحدد هو تحقيق السلام .

مايحدث على أرض الواقع أن "الاسرائيليين" يخوضون الصراع على أنه صراع وجود وليس صراع حدود . فالدولة التي يريدونها هي كل فلسطين من النهر إلى البحر، والشعب الذي من المقرر أن يعيش فيها هو الشعب اليهودي من دون غيره، ولم يعد أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يعود إلى شعار "التحرير الكامل" لكل أرض فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وأي انتفاضة للشعب الفلسطيني قادمة لا يكون هذا هو شعارها انتفاضة محكوم عليها بالفشل . لم تعد القضية هي رفضه الاستيطان، ولا هي قضية الأسرى المعذبين، ولا هي قضية المفاوضات المحكوم عليها بالفشل . فالوطن الفلسطيني كله مطلوب تحويله إلى مستوطنة صهيونية، والشعب الفلسطيني كله مستهدف .

أي هدف غير هدف، التحرير الفلسطيني الكامل: وعودة فلسطين دولة واحدة لشعب واحد هو الشعب الفلسطيني بمكوناته القومية والدينية المتعددة لأي انتفاضة فلسطينية لن يكون إلا مجرد "هبة" من مئات وربما آلاف الهبات التي لا تؤدي إلا إلى مجرد مسكنات كي ينعم "الإسرائيليون" بحياة آمنة، ويجردوا الشعب الفلسطيني من كل مقومات صموده وبقائه كي يحققوا حلم الدولة الواحدة للشعب الواحد .