خبر حلٌّ «انتقاليٌّ» أم انهيار المفاوضات؟.. هاني المصري

الساعة 08:09 م|07 نوفمبر 2013

أوضحت المفاوضات أنّ الهوّة سحيقة بين مواقف الجانبين، بل إن القضية أعقد من ذلك، لأن الجانب الفلسطيني عرض مواقفه من جميع القضايا؛ أما الجانب الإسرائيلي فهو يراوغ ولا يطرح مواقفه، بحجة أنه لن يفعل ذلك قبل الاتفاق على الترتيبات الأمنية التي تطال كل شيء، ويريد الاتفاق عليها قبل الاتفاق على خارطة الحدود السياسية، أو لأنه يريد أن يضمن أولًا موافقة فلسطينية على أن إسرائيل «دولة للشعب اليهودي»، وأي حل يجب أن يضمن إنهاء الصراع والكف عن المطالب. أما الحقيقة فهي أن حكومة نتنياهو تخشى من أن عرض مواقفها سيعرضها إلى انتقادات دولية لتطرفها، كما تخشى من أن يؤدي ذلك إلى انهيارها، لأن في داخلها أحزابًا أكثر تطرفًا حتى من رئيس حكومتها المتطرف جدًا. كما أن طرح مواقف الجانبين يمكن أن يسهّل على الأميركيين تقديم «حل وسط» لا ترغب به إسرائيل رغم أنه سيكون منحازًا حتمًا لها لأنها تريد كل شيء.

الحصيلة التي يمكن الخروج منها بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات أن أقصى ما تقبله إسرائيل هو حل انتقالي جديد يراد له أن يكون نهائيًا، وما يطالب به أبو مازن هو حل نهائي، وما تسعى إليه الإدارة الأميركية هو حل نهائي يتم تطبيقه على مراحل، وإذا تعذر ذلك تسعى لتجسير ما بين الحلّين النهائي والانتقالي، بحيث يكون لدينا الاتفاق على إقامة دولة «ذات حدود موقتة» مترافقًا مع الاتفاق على عناصر التسوية الدائمة التي يتفق على تطبيقها على مراحل.

معالم الحل الانتقالي الذي يفضله نتنياهو/ليبرمان لا يختلف عن «اتفاق أوسلو»، بل هو مرشح ليكون أسوأ منه، وحدوده تتراوح ما بين إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 28 أيلول 2000 وبين إقامة دولة يقال إنها «ذات حدود موقتة»، في حين أنها في الحقيقة استمرار للحكم الذاتي، ويراد لها أن تكون دائمة، أما قضايا الوضع النهائي فيتم تأجيلها مقابل منح السلطة جزءًا من الأراضي المصنفة (ج)، ومنحها حق الاستثمار فيها من أموال الدول المانحة التي تعفي الاحتلال من مسؤولياته وتجعله احتلال «خمس نجوم».

أما معالم الحل النهائي الذي يمكن أن يطرحه كيري ضمن حل انتقالي أو بمعزل عنه، ويحاول أن يفرضه على الطرفين؛ فهي ستكون أقل مما طرحه أيهود أولمرت، فهو طرح تبادل أراضٍ بنسبة 6,5 في المئة، ويمكن أن تزيد النسبة إلى 7,5 في المئة أو أكثر، ويتم كذلك تقسيم القدس على أساس ضم الأحياء العربية للدولة الفلسطينية، وضم «الأحياء اليهودية»، أي المستوطنات المقامة في القدس الشرقية، لإسرائيل. أما الأقصى والبلدة القديمة من القدس فتكون دولية، في حين سيتم حل قضية اللاجئين وفق حل متفق عليه كما جاء في «المبادرة العربية»، وعلى أساس «معايير كلينتون»، على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وليس بالضرورة كما تعرّف ذلك إسرائيل بما ينفي أي سيادة لهذه الدولة، وإنما عن طريق تلبية معظم المطالب الإسرائيلية، مثلًا بأن تحتفظ إسرائيل بتواجد على نقاط على الحدود لفترة أقل مما تطالب بها إسرائيل.

وبالرغم من أن المضمون التفصيلي للمفاوضات لا يزال سريًّا، وأن كيري هو المفوّض بالتصريح عنها؛ إلا أن ما يتسرب يشير إلى أن الأطراف الثلاثة ستحاول الاتفاق على حل نهائي أو انتقالي مغطى بحل نهائي، لأنها تدرك أن عواقب عدم الاتفاق وانهيار المفاوضات ستكون وخيمة عليهم جميعًا، خصوصا على السلطة الفلسطينية التي لا يمكن أن تبقى على ما هي عليه لفترة طويلة، فإما أن تتحول إلى دولة، ولو من دون حدود، على أمل أن تتحدد حدودها في المستقبل، أو أن تنهار، سواء لأن الفلسطينيين سيجربون خيارات أخرى تؤدي إلى مجابهة مع إسرائيل، أو لأن العالم سيكف عن تحمل تكاليف الاحتلال إلى الأبد، خصوصًا إذا كانت هذه التكاليف الباهظة لا تؤدي إلى السلام أو الأمن والاستقرار، لا سيما أن أقصى ما أمكن تحقيقه طوال فترة ما تسمى «عملية السلام» تأجيل الانفجار القادم من دون ضمان أن حدته ستكون أقل.

أبو مازن أبدى استعداده للموافقة على حل انتقالي إذا ترافق ذلك مع الاتفاق على مبادئ التسوية الدائمة وعلى جدول زمني لتنفيذها على مراحل، لأن فشل المفاوضات ستكون له نتائج وخيمة: منها مجابهة مع إدارة أوباما؛ وتفاقم الأزمة المالية للسلطة، بما ينذر بانهيارها؛ واحتمال نشوب انتفاضة غير مسيطر عليها؛ أو عودة الفوضى والفلتان الأمني في ظل عدم إيمان القيادة بوجود إمكانية لبلورة بديل كفاحي.

الأنكى والأمر أن الحل الذي يمكن أن تفرضه الإدارة الأميركية الذي يصب جوهريًا في مصلحة إسرائيل يمكن ألا تقبله حكومة نتنياهو، وهذا سيؤدي إما إلى سعي الإدارة الأميركية لإخضاعها، ولو اقتضى الأمر إلى محاولة إسقاط الائتلاف الحاكم وإيجاد ائتلاف أقل تطرفًا منه، لأن إقامة دولة فلسطينية ولو بالمواصفات المبينة في هذا المقال التي لا تجعلها دولة حقًا مصلحة أمنية وإستراتيجية أميركية وإسرائيلية حتى لو لم تدرك الحكومة الإسرائيلية ذلك؛ أو لا تسعى لفرض الحل على إسرائيل والاكتفاء ببلورة عناصر التسوية الدائمة من دون اشتراط الموافقة المسبقة عليها من الطرفين، خصوصًا الجانب الإسرائيلي.

طبعًا، من الصعب جدًا على القيادة الفلسطينية القبول بحل انتقالي مع صيغة تسوية نهائية أميركية لا توافق عليها إسرائيل، ولكن الحل الانتقالي المغطى بحل نهائي توافق عليه إسرائيل أقل صعوبة، خصوصًا إذا حصل على غطاء عربي ودولي.

في هذا السياق، يمكن أن نضع الحرص الأميركي على إدخال لجنة «المتابعة العربية» ووضعها بالصورة، والسعي على الحصول على موافقتها وضغطها على الفلسطينيين؛ لأن من دون الضغط والغطاء العربيين من المستحيل على الجانب الفلسطيني القبول بما يعرض عليه من حلول انتقالية أو نهائية تصفي القضية الفلسطينية. فيكف سيرفض الفلسطينيون ما قبله العرب والعالم؟!

إذا وصلنا إلى هذه النقطة، أي إلى حل انتقالي مغطى بحل نهائي لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وليس من السهل أن نصل إليها بسبب وطنية إسرائيل أولًا قبل كل شيء، ونقول هذا آسفين، لأن الجانب الفلسطيني في حالة ضعف وانقسام وفقدان للاتجاه والإرادة.

إن الحرص الحقيقي على إفشال هذه الحلول التصفوية الانتقالية أو النهائية كان يتطلب التحرك قبلا، وذلك من خلال ترتيب البيت الفلسطيني وإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنية وديموقراطية وشراكة حقيقية، ويتطلب ذلك السعي لجمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والإسلامية والإقليمية والدولية، لقطع الطريق على إمكانية تبلور اتفاق (أميركي روسي أوروبي دولي عربي) على حساب القضية الفلسطينية.