خبر « حماس » تحكم سيطرتها على غزّة.. بمصالحة السلفيّين

الساعة 10:35 ص|06 نوفمبر 2013

وكالات- المونتور

شهدت العلاقة ما بين حركة "حماس" والمجموعات السلفيّة الجهاديّة في غزّة حالة من الشدّ والجذب وعدم الاستقرار بعد أن غلب عليها طابع المواجهة بينهما، وهو ما أشار إليه "المونيتور" في تقرير سابق.

لكن أوائل شهر تشرين الأوّل/أكتوبر المنصرم شهدت بداية مصالحة ما بين "حماس" والسلفيّين، عبر وساطة قام بها علماء دين من الكويت وقطر رافقوا الشيخ يوسف القرضاوي في زيارته لغزّة في أيار/مايو الماضي لحلّ خلافات الجانبَين.

وكشف قيادي سلفي بارز في غزّة لـ"المونيتور" عن اتصالات مكثّفة تُجرى مع "حماس" بعد سنوات من الصدام الدامي، مشيراً إلى أن الوساطة وضعت اتفاقاً مبدئياً لوضع حدّ للصراع الذي كان ينذر بتدهور كبير.

التغيير في مصر

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين في غزّة: ما الذي دفع بـ"حماس" والسلفيّين لاستبدال علاقة الملاحقة والاعتقال بالمصالحة والوفاق؟ ألم يكن لما حصل في مصر من الإطاحة بالإخوان المسلمين والانقلاب العسكري، دور كبير في ذلك؟

وقد أشار قيادي سلفي إلى أنه قبل الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، كانت "حماس" لا تزال تشدّ بقبضتها عليهم وقد توعدّتهم بـ"قص الجذور". لكن تبدّل الأوضاع والمواقف في مصر كان له أثره على قوّة "حماس"، ما قد يكون له الفضل في التقارب الحمساوي-السلفي في غزّة.

وعلم "المونيتور" من أوساط حمساويّة وسلفيّة أن الجهتَين ناقشتا مبادرة من ثماني نقاط كانت تتضمّن في البداية 26 بنداً، ساعد الوسطاء على تقليصها ولعبوا دوراً مهماً في صياغتها. وعلى الرغم من إغلاق المعابر مع مصر، فإن العلماء العرب أنفسهم ما زالوا يواصلون وساطتهم بين الجانبَين ويتابعون الإشراف عليها من الخارج.

والبنود التي اطّلع عليها "المونيتور" تتضمّن: منح السلفيّين حريّة العمل السياسي والعسكري والدعوي والاجتماعي وتنظيم الفعاليات المختلفة، ووقف كافة عمليات الاعتقال والملاحقة، وتشكيل هيئة مشتركة مع "حماس" لمتابعة أي مشكلات قد تقع وتتسبّب في إحداث أزمات جديدة.

وقد أكّدت أوساط أمنيّة في غزّة أن عمليات اعتقال السلفيّين وملاحقتهم توقّفت في خلال الفترة القصيرة الماضية بشكل شبه كامل، وأفرج عن 42 من عناصرهم المعتقلين، بينما توقّف السلفيّون عن إصدار بيانات ضدّ "حماس"، في إشارة إلى تهدئة الموقف في المرحلة الحاليّة.

التهدئة مع إسرائيل

إلى جانب الخلافات الفكريّة والقناعات الأيديولوجيّة ما بين "حماس" والسلفيّين، فإن ما دفع الحركة للمسارعة إلى إبرام المصالحة مع تلك المجموعات هو تخوّفها من التحرّش الدائم بإسرائيل، لأنها انتقدت التهدئة عقب الحرب الأخيرة على غزّة أواسط تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وقد اتّهمتها الحركة في أكثر من مرّة بالسعي ‏لإفشال جهودها في سبيل إدامة التهدئة.

وقد علم "المونيتور" أن "حماس" حرصت في مصالحتها الأخيرة مع السلفيّين، على التزامهم بما أسمته "التوافق الوطني" حول التصعيد أو التهدئة مع إسرائيل، على الرغم من أن أحد العسكريّين الميدانيّين قال لـ"المونيتور"، "افتقدنا هذه المجموعات السلفيّة في الحربَين اللتَين خاضتهما الحركة مع إسرائيل في العامَين 2008 و 2012".

وقد جاءت جهود "حماس" لإلزام السلفيّين بالتهدئة، بعد شكاوى إسرائيل المتواصلة للمصريّين حول تواصل إطلاق الصواريخ من غزّة صوبها من قبل المجموعات السلفيّة، ما دفعها إلى اغتيال أحد قادتها الميدانيّين في أيار/مايو الماضي، وفقاً لما صرّح به مصدر إسرائيلي.

كذلك طلبت "حماس" في مصالحتها الأخيرة مع الجماعات السلفيّة التزامها بقرارات حكومة "حماس" في ما يتعلّق بالموقف العسكري من إسرائيل وما تجمع عليه الفصائل الفلسطينيّة وعدم إطلاق أي صواريخ أو قذائف بصورة انفراديّة، لأن من شأن ذلك استدراجها إلى حرب مستعجلة ضدّ غزّة لا تبدو "حماس" مستعدة لها حالياً، وهو ما لفت إليه "المونيتور" في تقرير سابق. وهو أيضاً ما أكّده المسؤول السلفي محمد أبو جامع بالقول إن الاتفاق مع "حماس" يشمل الالتزام بوقف إطلاق النار مع إسرائيل وتوقّف الجماعات السلفيّة عن إطلاق القذائف الصاروخيّة من قطاع غزّة. وقد لوحظ في الأسابيع الأخيرة امتناعها عن تبنّي إطلاقها على جنوب إسرائيل.

العلاقة المستقبليّة

إن المراجعة الميدانيّة لتعامل "حماس" مع السلفيّين في غزّة، تشير إلى أنها انتهجت معهم أسلوبَين أساسيَّين: الملاحقة الأمنيّة عبر جهاز الأمن الداخلي صاحب الصيت القوي في غزّة بما في ذلك اعتقال عدد منهم وتجريدهم من أسلحتهم، إلى جانب المعالجة الفكريّة والأيديولوجيّة عبر علمائها الدينيّين الذين استطاعوا إقناع العديد من السلفيّين بخطأ طريقهم وثنيهم عن الاستمرار في هذا الطريق الخاطئ.

وقد نجحت "حماس" في التعامل مع عدد من الحالات السلفيّة في غزّة، من قبيل "جيش الإسلام وجيش الأمة وجماعة سيف الله وكتائب التوحيد والجهاد ومجلس شورى المجاهدين وكتائب سيوف الحقّ". وقد أشار مصدر أمني رفيع المستوى في غزّة لـ"المونيتور" إلى أن تلك الحالات وفي مجملها يتراوح عدد أفرادها ما بين 500 و700 عنصراً فقط لا غير.

أضاف المصدر الأمني نفسه أن "حماس" اتّفقت مع السلفيّين على تشكيل لجنة مشتركة لحلّ أي مشكلة أو حادث يقع بينهما، بما في ذلك التنسيق الميداني للعمل المسلح على الأرض والعمل على علاج أي إشكالات ميدانيّة ونشر هذه الروح التصالحيّة الجديدة بين أنصارهما. وهما يعذران بعضهما بأي اجتهادات سياسيّة أو عمليّة، واستخدام وسائل الإعلام المتاحة لهما في حشد الفلسطينيّين خلفهما.

ومن اللافت بحسب ما علم "المونيتور" أن الجانبَين تعمّدا هذه المرّة عدم التطرّق إلى الموضوع الجدلي الدائم بينهما أي مسألة تطبيق الشريعة، وهو ما تأخذه الجماعات السلفيّة على "حماس" فتتّهمها بالتساهل في بعض المظاهر غير الملتزمة بالدين في غزّة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضايا كانت سبباً في الخلاف القائم ما بين "حماس" والسلفيّين، لا سيّما مطالبة تلك الجماعات بإقامة الدولة الإسلاميّة وتطبيق الحدود، وبسببها انفجرت المواجهة بينهما أواخر العام 2009. فهذه المطالب السلفيّة لا تعدو كونها أحلاماً رومانسيّة وأماني عاطفيّة لا تستند إلى وقائع حقيقيّة تدعم هذا التوجّه، وتمنحه أسباب البقاء والدوام.

أخيراً، علم "المونيتور" من مسؤول أمني كبير في غزّة بحصول اجتماعات تُعقد وسط سريّة تامة بين "حماس" والسلفيّين، وصلت إلى اتفاق نهائي يضمن للأولى استقراراً محكماً في القطاع تواجه به التحديات الأمنيّة وتمنح السلفيّين حريّة العمل السياسي والدعوي من دون إرباك الساحة الداخليّة. وهو ما يُعتبر نجاحاً لـ"حماس" في ضبط سيطرتها الأمنيّة على القطاع، ورسالة لجميع من يحاول تهديد غزّة من الخارج، قاصداً بذلك مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينيّة!