خبر هواء ساخن ..معاريف.. بقلم: روبيك روزنتال

الساعة 10:49 ص|03 نوفمبر 2013

          (المضمون: تاريخ النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يروي لنا قصة لها قوانينها الخاصة: المفاوضات لا تحله، لا تقدمه الى الامام ولا تحدث فيه أي تغيير - المصدر).

 

          كل واحد يعرف بانه لن يخرج شيء من "المسيرة". فهي لن تفعل غير تغيير الاسماء، "مفاوضات"، "محادثات سلام"، "محادثات تقارب"، "حملة مكوكية". طقوس دائمة مع طقوس دائمة ولاعبين متبدلين. التاريخ غير القصير من "النزاع" يروي لنا قصة توجد لها قوانين خاصة بها: "المسيرة" لا تحل النزاع، لا تقدمه الى الامام ولا تحدث فيه تغييرات. النقاط الفارقة في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هي خطوات دراماتيكية، لمرة واحدة من زعماء شجعان: بن غوريون في ايار 1948، رابين في 1992، اريك شارون في 2005.

 

          لماذا لا تقدم المسيرات شيئا؟ لانه تعمل في النزاع قوى عديدة للغاية، مع ايديولوجيات متنازعة ومصالح متضاربة، وفي كل مرة تنطلق فيها "المسيرة" على الدرب، تطمر هذه القوى نفسها. على كل خطوة من اليمين تأتي خطوة من اليسار، على كل خطوة الى الامام، خطوتان الى الوراء. الايديولوجيات القومية المتطرفة، الصهيونية والفلسطينية، لا تتغيران؛ ميزان القوى، اسرائيل قوية عسكريا وضعيفة سياسيا، لا يتغير. الفلسطينيون يخافون من الرد الاسرائيلي، الاسرائيليون أنهوا المرحلة الفظة، العلنية للاحتلال (بفضل اوسلو المشهر به) ولكنهم لم ينتقلوا الى مرحلة التنازل عن الاحتلال بواسطة الانفصال. الاستيطان يواصل املاء جدول الاعمال رغم أنه لم يستوطن القلوب. رئيس أمريكي يأتي ويذهب، مبعوث امريكي يأتي ويذهب، وكذا الانتفاضات باتت تأتي وتذهب.

 

          المسيرة لن تتحرك إذ في داخل ميزان المصالح المركب هذا الوضع الراهن هو المريح للجميع، أي، للسياسيين. ابو مازن يعرف بان انتفاضة ثالثة ستسقطه أولا ونتنياهو ملزم بان يدفع ضريبة كلامية للامريكيين. العزلة السياسية و "الدولة البشعة" لا يمنعان اي اسرائيلي من الاحتفال، السفر الى تركيا أو كبديل التظاهر من أجل "الطبقة الوسطى". المستوطنات تواصل البناء، والامعات يواصلون الخروج الى الخدمة الاحتياط، والجنود القتاليون يستهلكون ايامهم في فرض النظام في مدن الضفة وفي الشوق لحرب حقيقية ما في لبنان او عمود رصاص في غزة. كل هذا، كما تقول الدعاية اياها، غير لطيف، ولكن في المدى القصير حقا غير فظيع، وفي السياسة يوجد فقط مدى واحد. وهو قصير، قصير جدا.

 

          ليس صدفة ان تفادت شيلي يحيموفيتش الموقف الواضح في مسائل النزاع في الانتخابات الاخيرة، رغم أنها دفعت لقاء ذلك ثمنا ما. ليس صدفة أن تسيبي لفني لا تقلع في الاستطلاعات رغم أنها وربما بسبب أنها هي التي تتصدر ظاهرا المسيرة السياسية. ليس صدفة أن تحدث أولمرت عاليا عاليا عن المسيرة السياسية ولكن ما نتذكره له هو بالذات حرب فاشلة. وليس صدفة أن نتنياهو يواصل كونه الزعيم بلا منازع لدولة اسرائيل، بلا منافسين، رغم أنه في ولايته الثالثة، بل وبقوة أكثر من سابقاتها، لم يقدم اي شيء ولا يذكر له اي قرار هام في اي موضوع، وبالتأكيد ليس الموضوع السياسي. ولا يتبقى سوى الصدى الواهن لخطاب بار ايلان الذي لا يصدقه احد، ولا حتى نتنياهو.

 

          طالما كان الوضع الراهن هو اللاعب الرئيس في السياسة الاقليمية، فسنحظى بالمزيد فالمزيد من المسيرات، المزيد من التقارير المثيرة للتثاؤب من المراسلين السياسيين ("جلسوا ساعتين ولكن لا فكرة لدي عما تحدثوا في اللقاء"؛ يوجد طرف خيط ولكنكم لن تمسكوني بنطق كلمة"؛ هذه المرة اوباما جدي، كيري وصل لجولة اخرى")؛ طقوس تحرير القتلة والمظاهرات المضادة ستستمر، ربما تجميد بناء خمسة بيوت في مستوطنة لا يعتزم أحد الوصول اليها في نزهات السبت او البحث عنها في خريطة. إذ هكذا يبدو النزاع اليوم. الكثير من الهواء الساخن، ولكن احدا لا يهمه حقا انها موجودة، او مثل التشبيه الذهبي لبينيت: شظية في مؤخرتنا جميعا.