خبر عبد الباري عطوان: غزة تعيش الظلام بفعل كرم العرب ورجالها يذكرّونهم بالعدو الذي نسوه

الساعة 07:06 م|01 نوفمبر 2013

كتب عبد الباري عطوان

عار على الحكومات العربية، خاصة تلك التي تكنز مئات المليارات من الدولارات في ارصدتها في البنوك الاجنبية، ان تتوقف محطة الكهرباء اليتيمة في قطاع غزة عن العمل بسبب نقص المازوت، مما يعني ان حوالي مليوني فلسطيني معظمهم تحت خط الفقر بدرجات، وعلى حافة الجوع الحقيقي، سيعيشون في ظلام دامس، وسينقطعون عن العالم كليا، حيث لا هواتف، ولا اجهزة تلفزيون او كمبيوتر، ولا مواقد طبخ او اجهزة تدفئة في ظل زحف برد الشتاء القارص.

لعل الله اراد ان يعري هذه الحكومات، والمصرية منها على وجه الخصوص، التي دمرت الانفاق واغلقت المعابر واوقفت عبور كل المواد الاساسية بما في ذلك الوقود، وشنت وتشن حربا تجويعية على القطاع تحت عنوان معاقبة حركة حماس وقلب حكمها في تواطؤ علني مع اسرائيل، من خلال التصدي البطولي لمحاولة الاجتياح الاسرائيلية شرق مدينة خان يونس وسط القطاع والاشتباكات التي جرت مع جنود اسرائيليين فجر الجمعة مما ادى الى اصابة اربعة منهم احدهم في وضع حرج، واستشهاد اربعة من قادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية “حماس″.

جميل ان يقدم رجال المقاومة في قطاع غزة على تذكير العرب، والحكومات وليس الشعوب بالجرائم الاسرائيلية، في وقت يبحث بعضها فرص التحالف مع المحتل، وتكوين جبهة معه، كبديل للحليف الامريكي، الذي اختار الحوار السلمي مع ايران، وخيب آمالهم باسقاط الخيار العسكري ضدها، خوفا وجبنا، وتجنبا للخسائر الضخمة التي يمكن ان تترتب على اي مغامرة عسكرية يقدم عليها لتدمير منشآتها النووية.

وما هو اجمل من هذا ان تتزامن هذه الاشتباكات مع اعلان الحكومة الاسرائيلية عن مخططاتها لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية في القدس والضفة الغربية المحتلين كثمن لافراجها عن 26 اسيرا فلسطينيا قضوا في السجون اكثر من عشرين عاما.

الاجتياح الاسرائيلي لمدينة خان يونس جاء بعد اكتشاف نفق تحت الحدود حفرته المقاومة على غرار نفق مماثل تمكنت من خلاله اسر الجندي الاسرائيلي غلعاد شليط الذي تمت مبادلته بأكثر من الف اسير فلسطيني قبل عامين، ودون اي مفاوضات او اعتراف او تنازلات.

المقاومة في القطاع تحدت الجوع، ونكوص ذوي القربى، وظلمهم وحصارهم، وقررت ان تحفر انفاقا لاسر جنود اسرائيليين لتحرير اكبر عدد ممكن من خمسة آلاف اسير فلسطيني يعيشون الذل والهوان خلف قضبان سجون الاحتلال لايمانها ان هذه الطريقة المثلى والمجربة والقادرة على اعطاء مفعولها.

السلطة الفلسطينية في رام الله باتت اسيرة مثل هؤلاء الاسرى، ولكن في قفص رواتب جيش موظفيها، واستجداء مساعدات الدول المانحة لتسديدها، وهو الاذلال الذي فرض عليها العودة الى مائدة المفاوضات مطأطأة الرأس دون اي شروط، والاطلالة من نافذة وفدها في القدس المحتلة على التغول الاستيطاني الذي لم يبق تلة، او مساحة ارض دون زرعها بالمستوطنات والمستوطنين.

بالامس قدم الدكتور صائب عريقالت “كبير” المفاوضين والفريق المرافق له استقالتهم الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ربما هذه هي الاستقالة العاشرة) كمظاهرة احتجاج على عدم تحقيق اي تقدم في المفاوضات، وتصاعد الاستيطان بسرعة غير مسبوقة.

انها حركة مسرحية مكشوفة جرى توقيتها قبل ايام من وصول جون كيري وزير الخارجية الامريكي الى الاراضي المحتلة، فمن يريد ان يضرب لا يهدد، ومن يريد ان ينسحب من المفاوضات عليه ان يقدم على ذلك علنا في وضح النهار بعيدا عن المناورات المتكررة التي لم تعد تؤخذ بجدية او تخيف احدا، بل لم يعد يصدقها احدا تماما مثل قصة راعي الغنم الكذاب والذئب التي تعلمناها في طفولتنا.

قطاع غزة سينفجر مقاومة، فهؤلاء الرجال الذين هزموا اجتياحين اسرائيليين ووصلت صواريخهم الى قلب القدس المحتلة وتل ابيب لا يمكن ان يستسلموا للحصار والجوع والعيش في ظلام، وسيعيدون توجيه البوصلة الى العدو المحتل الذي نسيه العرب في ظل ثورات ربيعهم المختطفة، والمزهرة لثمار الحنظل والتقسيم والتفتيت بفعل هذا الاختطاف المخطط له مسبقا.

رجال غزة سيقلبون كل المعادلات وسيعيدون توحيد هذه الامة خلف مسيرة حماية الاقصى ورد الاعتبار للكرامة المسحوقة.