خبر هل ينجح جنيف 2 في.. علي عقلة عرسان

الساعة 05:13 م|01 نوفمبر 2013

 

الإبراهيمي ينهي جولة في المنطقة تمهيداً لانعقاد مؤتمر جنيف2 قيل عنها إنها ناجحة، والتحرك الدولي المعني بانعقاد المؤتمر يبدو دؤوباً وجاداً، والاجتماعات الثلاث التي ستكون في العشر الأوائل من هذا الشهر ستكون ذات تأثير كبير في هذا الشأن: اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الرابع من الشهر، واجتماع الراعيين الروسي والأميركي ووفد من الأمم المتحدة يضم الإبراهيمي في جنيف يوم الخامس منه، واجتماع ائتلاف الدوحة في استانبول في التاسع والعاشر لاتخاذ موقف من المشاركة فيه.. وهناك مؤشرات على تحولات طفيفة لكنها ذات دلالة في مواقف بعض الدول العربية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، تنم عن توجه إيجابي من الحل السياسي السلمي للأزمة السورية ومن ثم من جنيف2.. ويذهب فريق من المعنيين  بالمؤتمر إلى حد القول:" إما أن ينعقد المؤتمر في موعده أو لا ينعقد أبداً."، وموعده المقصود هو النصف الثاني من تشرين الثاني / نوفمبر 2013 وربما في 23 و24 منه بالتحديد كما جاء في تسريبات سياسية للإعلام. وهناك موافقة هي تأكيد على تأكيد على ىتأكيد من جانب الدولة السورية على حضور المؤتمر، ورفض يؤكد رفضاً بعد رفض من معارضات على عدم حضوره ومن معارضات ضد معارضات تريد أن تحتكر التمثيل السوري في المؤتمر وتلغي الآخرين أو تلحقهم بها، وبين مفاصل مواقف المعارضات تبرز شروط للحضور، في حين أن كل الجهات الدولية المعنية بالمؤتمر تؤكد على حضوره من دون شروط، وتطلب من كل طرف أن يحمل ما لديه من آراء ومواقف ورؤى.. إلخ إلى طاولة الفاوضات حيث سيقرر السوريون وحدهم مستقبل بلدهم وحدود صلاحيات الحكومة الانتقالية التي سيسفر عنها المؤتمر تنفيذاً لجنيف 1 الذي حدد "حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة". 

وفي هذا المناخ التشريني المشرف على شتاء سويسري قارس وعواصف سياسية مثيرة.. تُطرح أسئلة من واقع الحال في الأرض السورية المشتعلة بنار الحرب، ومن واقع المحيط الذي يلف هذه الأرض ويؤثر في كل من عليها وما فيها.. وهي أسئلة تقوم على احتمالات وافتراضات هي أقرب إلى الواقع بحكم كثير من الوقائع.. وسوف أطرح هذه الأسئلة، التساؤلات مبتدأ بـ" على فرض"، فأقول: على فرض أن مؤتمر جنيف انعقد بتوافق روسي أميركي أممي على الخصوص، وأنتج حكومة سورية انتقالية ذات صلاحيات كاملة، تتفق عليها السلطة والمعارضة، لتدير دفة الحكم في سورية خلال مرحلة اتقالية تسفر عن دستور وانتخابات ديمقراطية وترسيخ دولة مدنية.. و.. إلخ، فعلى أية أرضية مبدئية ودستورية وقانونية، واستناداً إلى أية مرجعيات شرعية ستعمل؟! هل ستتجاوز الدستور السوري القائم الذي أقره الشعب قبل أن يكون لديها دستور بديل يقره الشعب وتستند في عملها إليه؟ هل ستعمل وفق شرعية ثورية مثلاً وهي ليست كذلك، أم وفق شرعيات من هذا القبيل مما تبيحه السياسات أو تستبيحه، ومما يستبيحه السياسيون ويبيحونه لأنفسهم.. وهي في معظمها ألعاب تحتال على الديمقراطية السليمة؟! أم سيحكمها التوافق وتحتكم إليه وتأخذ بموجبه صلاحيات لم يمنحها لها الشعب؟! وما الذي سينتج عن ذلك في ظل أوضاع مضطربة أصلاً في البلد، ووجود ألف راض وألف ألف غاضب ورافض لهذا أو ذاك من الأمور والمبادئ التي تتصل بثوابت الدولة وهوية الشعب وتاريخ البلد وانتمائه القومي والتاريخي والحضاري؟!. ومن جانب آخر وفي تساؤل حنضلي المذاق: هل سيستمر القتال والاقتتال بين من رفضوا جنيف ومن قبلوا به وتولوا الحكم باسمه؟! وفي هذه الحالة هل ستتحول بعض البنادق من كتف إلى كتف فيقاتل " الجيش الحر" مع الجيش العربي السوري منظمات داعش والنصرة والألوية والكتائب التي رفضت جنيف 2 وأصبحت أقرب إلى بعضها بعضاً بالمحصلة، ويجمعها تنسيق مشترك ضد من تفترض أنه عدو مشترك؟! وما الذي سيكون عليه موقف الدول التي ترفض جنيف وتمول المعارضات لتستمر في القتال حتى " النصر" لتحقيق أهداف تراها مشروعة أو مصيرية؟! وهل سينحصر ميدان المعارك في سورية أم أنه سوف يمتد إلى الدول المجاورة ويأخذ منحى طائفياً ومذهبياً وعرقياً؟! وما الذي سيكون عليه موقف المجتمع الدولي من ذلك كله حين يستمر هذا النوع الفظيع من الأداء الدموي؟! هل سيستعدي كل فريق  حلفاءه، أم سيستدعيهم الحاكمون فيدخلون براية المنقذين ويفعلون فعل المعادين الألداء للأمة كلها، كما هو شأن كثيرين منهم في الواقع والتاريخ.. أم سترسل طائرات بلا طيار لتقصف وتقتل بعلم أولي الأمور وترحيبهم أو بصمتهم المدان؟!. إن هذا النسق من الأسئلة أو التساؤلات لا يلغي نسقاً آخر ذا أهمية وتمحورت حوله مواقف وحوادث، وهو يتعلق بالرئيس بشار الأسد الذي تستمر شرعيته القانونية حتى أيار/ مايو 2014 ويعلن أنه سيرشح نفسه لدورة رئاسية ثالثة؟!.. كيف ستتعامل معه الحكومة الانتقالية وهي حكومة، أي سلطة من سلطات ثلاث بموجب الدستور في نظام جمهوري؟! ومهما كانت صلاحيات تلك الحكومة فلن تستطيع أن تلغي الدستور الذي أقره الشعب السوري في استفتاء، ولا أن تلغي صلاحيات رئيس الجمهورية القائمة بموجب ذلك الدستور؟! ومن المؤكد أن تنازعاً على السلطات والصلاحيات سوف ينشأ في أرض الواقع على أرضية الدستور السوري والصلاحيات القائمة التي للرئيس والحكومة بموجب الدستور من جهة ومفهوم الحكومة الكاملة الصلاحيات بموجب جنيف2 من جهة أخرى؟! وفي مواجهة هذه المعضلة المحتملة هل سيحسم المؤتمر موقفه من الرئيس الأسد في جنيف2؟! وفي أي اتجاه سيكون ذلك الحسم؟! هل ينجح الروس في تثبيت موقفهم وجر الأميركيين إليه أم أن العكس هو الذي سيحصل فيوافق الروسُ الأميركيين على مواقفهم، وكلا الموقفين معلن معروف؟! وفي حال توصلهما إلى توافق مناصفة المواقف والتقائهما في منتصف طريق الخلاف في ما يطلق عليه" كومبرومايز"، فإن هذا يعني بقاء الرئيس الأسد حتى نهاية الدورة الرئاسية على الأقل بصلاحيات، فبأية صلاحيات يتمتع، والدستور الحالي يحدد صلاحياته ولا تعديل أو صوغ لدستور جديد وإقرار شعبي ديمقراطي له قبل مرور أشهر على الأقل من ولاية الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وإقراره من الشعب في استفتاء عام بينما الحرب سجال في البلد، ومناطق من البلد تخضع بفعل القوة لسلطة غير سلطة الحكومة الانتقالية بسبب رفض الرافضين لجنيف وما ينتج عنه؟! وما هي الحدود الحاكمة للعلاقة بين الرئيس وبين حكومة فيها عناصر معارضة ترفض وجود الرئيس في منصبه أصلاً.. فهل سنكون أمام وضع فيه حكومة معطلة، أم أمام تنازع صلاحيات "حكومي" يتبعه أو ينتج عنه تنازع من نوع آخر ذي امتدادات شعبية " ميليشاوية"، وقد تكون مسلحة، وذي امتدادات إقليمية ومن ثم دولية.؟!.

وهناك نسق من الأسئلة أو التساؤلات ذو منشأ داخلي واقعي فوضوي ثاري يمتد هنا وهناك ويقضم أمن المواطن وأمن الدولة.. فنحن اليوم في سورية المتحاربة أو المغزوة بأنواع من الحرب الظالمة، نحن أمام ظاهرة مقيتة ظاهرة من يقطع الطريق ويشلح ويختطف ويقتل و..إلخ، حيث تنتشر عصابات بعضها يعمل بزي بعض رجال الأمن أو الجيش، وبعضها الآخر يعمل في أطر المعارضات والألوية والكتائب المسلحة وأزيائها، وكلها عصابات تعتدي على المواطن وتسرق أمنه وماله وممتلكاته وحياته في كثير من الأحيان، وتحبس من تختطفهم وتطلب فدية من ذويهم لتطلق سراحهم بعد تعذيب، وهي تقتل إذا لم تحصل على ما تريد من مال.. وتسرق ما استطاعت سرقته من قطاعات الدولة وأملاكها ومن الأموال والممتلكات الخاصة للمواطنين، وتهدد بالسلاح وتمنع الناس من التنقل الآمن حتى في بعض المحافظات والقرى والمدن والأحياء الآمنة.. فكيف يمكن التعامل مع كل هذا النوع من الطيف البشري الذي فقد الضمير واختلت موازنة وانفلت من كل قيد، وأفقد الناس الأمان والراحة وجعلهم في خوف.. لا سيما في ظل أوضاع يسودها الاضطراب، ومجتمع مجرح تفترسه الأوجاع، وأنفس تعاني من التشرد والقهر والفقر والظلم، ومن أنواع بعد أنواع من المآسي والاستغلال.؟! 

في ضوء هذه الأسئلة أو التساؤلات التي لم تتطرق إلى أنساق منها تتعلق بالاقتصاد وبالعلاقات السياسية مع دول الجوار ودول العالم الأخرى، مما يؤثر تأثيراً مباشراً على الأوضاع العامة والخاصة في سورية، ولم نتوقف عند الأنساق المتصلة بإعادة إعمار البلاد في حال توقف الدمار ولو جزئياً، ولا عند النسق أو الأنساق الاجتماعية المتعلقة بملفات متنوعة، سياسية وغير سياسية، عالقة منذ مدد تراوح بين سنة وأربعة عقود من الزمن.. فإن جنيف 2 لن يفعل شيئاً إذا لم يقرر بقوة وحكمة وواقعية بعض الأمور الرئيسة المتصلة بهذا كله أو الحاكمة في هذه المجالات كلها، ومما يتصل بذلك:

-        إيقاف الحرب وكل شكل من أشكال الاقتتال والعنف وإراقة الدماء والدمار والتخريب ونشر الفوضى في سورية، وذلك باتباع سياسات نزيهة وفرض مواقف صارمة وحازمة على أطراف الأزمة السورية في الداخل والخارج، وعلى كل من يستثمر فيها عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً تحت أية ذريعة.. سواء أكان أولئك من الدول أو من المؤسسات أو من الأحزاب والأفراد، استناداً من أطرافه الراعية والفاعلة إلى ما يقتضيه الأمن والسلم الدوليين وميثاق الأمم المتحدة، وإلى روح المصالحة الدولية الكامنة في أهداف جنيف1 و2، وإلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 الذي كرس الحل السياسي والبناء عليه.. وجعل كل الجهات المعنية بالأزمة السورية، لا سيما الدول والأجهزة والمرجعيات بأنواعها، تلتزم بعدم التدخل في الشأن السوري، وبعدم تمويل الاقتتال والإرهاب وتسليح أطرافه وعناصره والقائمين به وبعدم تغطيتهم سياسياً وأمنياً، وترك هذا البلد الذي عانى الكثير سورية يعالج جراحه ويتبين سمتقبله باستقلالية واستقرار وهدوء.

-        التعامل مع معطيات الواقع السوري على الأرض بكل أبعاده وتشعباته، بهدف توفير مناخ يمكن أن تتم خلاله عملية انتقال مقبولة وآمنة للمرحلة الانتقالية وحكومتها ذات الصلاحيات الكاملة، بما يضمن نمو علاقات تقوم على الثقة وإجراءات تبني تلك الثقة، وتفاهم بين الجهات السورية المعنية، بمساعدة مخلصة من كل المعنيين بحلول ناجعة للأزمة السورية، وتفاهم بين السوريين على أهداف بنيوية رئيسة وثوابت مبدئية يستند إليها الحكم الانتقالي، هي ثوابت وطنية وقومية وإنسانية وعقائدية تشمل الهوية والسياسات والاجتماع والثقافة في سورية. حيث تصبح تلك الثوابت بمثابة قيم حاكمة ومرجعيات قوية لا يستطيع الحكم الانتقالي ومن يشارك فيه أو يتمتع بصلاحيات في أثنائه تجاوزها بأي شكل من الأشكال.

-        رصد مبالغ مالية كبيرة من مانحين منزهين عن الإغراض، لا يستثمرون في الوضع السوري وفي الماساة السورية، ولا يتدخلون لفرض مصالح لهم على حساب مصالح سورية الشعب والوطن، لكي يتمكن أي حكم انتقالي من تقديم شيء ملموس ذي قيمة للمنكوبين في سورية، وهم كثر، وللدولة والمجتمع من أحل حل بعض الأزمات والتخفيف من المعاناة، وتخليص الناس من تجار الأزمات المتوحشين وتجار السياسات البغيضين، ومعالجة بعض الأمور المستعجلة على أكثر من صعيد.. ومن ثم جعل الاقتصاد السوري يأخذ طريقه إلى التعافي. لأن أية حكومة انتقالية مهما كانت صلاحياتها وقدرات الجهابذة الذين يكلفون القيام بمهام ضمنها فلن تستطيع فعل شيء من دون مال، ولن يقبلها أحد إذا كانت مفلسة أو مرتهنة لجهات خارجية، ولن تفعل شيئاً إذا لم تكن منسجمة في داخلها وقادرة على أن تفرض أمناً وتقيم عدلاً وما فيه مصلحة عامة،  وتحل مشكلات مستعصية وأخرى ضاغطة، وأن تتمتع باستقلالية ومصداقية أخلاقية ووطنية، وقدرة على العمل والانجاز، وأن تكون بعيدة الانحياز وعن الشبهات، لا سيما  شبهات بالفساد والإفساد.

-        معالجة الملفات المتصلة بإراحة الناس وطمأنتهم مثل قضايا المهجرين في الداخل والخارج، والجرحى والمعاقين، والمعتقلين والمفقودين.. والعمل بكفاءة على المصالحة الوطنية الشاملة، وإطفاء بؤر التوتر، ودفن كل ما يتعلق بالخلافات والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، ومعالجة كل ما يتصل بتلك الملفات، لكي تهدأ الأنفس وتطمئن القلوب، ويبدأ السوريون استعادة المناخ الاجتماعي الفريد الذي عاشت فيه سورية وعرفت به في العالم كله.

لا نريد لمؤتمر جنيف2 أن يحوِّل مجرى الحرب والاقتتال ومجاري العنف القائم ليستمر الموت وتتوالد الكراهية، ولا نريد له أن يحل مشكلات سياسية قائمة بخلق مشكلات أخرى، سياسية وغير سياسية، تضاف إلى رصيد ورسيس ما هو قائم من مشكلات في سورية وحولها.. وكل هذا رهن بصدق نوايا كل المعنيين بالمؤتمر العتيد، سواء أكانوا من المعنيين به بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ونسأل الله وحده أن يهدينا جميعاً إلى ما فيه الخير لكي ننال المبتغى ويصلح الحال.. إنه على كل شيئ قدير.

دمشق في 1/11/2013

علي عقلة عرسان