خبر حسنٌ أن أفرجنا عن السجناء الفلسطينيين- هآرتس

الساعة 10:48 ص|31 أكتوبر 2013

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: يرفض المجتمع الاسرائيلي أن يغفر وأن ينسى للسجناء الفلسطينيين ما فعلوه برغم أن الافراج عنهم كان لبناء الثقة بين الشعبين - المصدر).

كان يجب علينا أمس أن نعلن يوم حداد وطني. خفض مذيعو نشرات الأخبار أصواتهم، وغضنوا أساريرهم وجعلوا نظراتهم جدية الى الدرجة المحفوظة عندنا لحالات الكوارث فقط؛ واعتصر المراسلون كل غدة شعور ممكنة؛ وقال رئيس الوزراء إن ذلك القرار كان هو الأقسى في حياته؛ وتفرغ وزير الاقتصاد والخدمات الدينية والقدس والجاليات من اعماله كلها وقال إن "المخربين يجب قتلهم لا الافراج عنهم"، وقالت نائبة وزير النقل العام والامن في الطرق إن الحديث عن "خطأ تاريخي". وبقيت أعلام الدولة فقط لم تُنزل الى نصف السارية، كما يحسن في يوم حداد كهذا.

وماذا حدث في هذا اليوم؟ أُفرج عن 26 سجينا فلسطينيا بعد نحو من نصف يوبيل. إنهم "أوغاد"، كما ورد في عنوان صحفي صارخ؛ وهم "قتلة بغيضون"، بحسب عنوان آخر، وشمل ذلك صورة متظاهر من اليمين يضع كوفية ويلوح بيده المضمخة باللون الاحمر كلون الدم في الصفحة الاولى باعتبار ذلك اشارة الى الدم على الأيدي الذي هو دائما دم اليهود وحدهم. وتم الاشراف على هذه الهستيريا الوطنية اشرافا جيدا من قبل القائمين بها في هزل يميز هذه الحالات ايضا: إن سماسرة المشاعر في وسائل الاعلام ربحوا ربحا لا بأس به آخر، وكسب نشطاء اليمين مكسبا آخر. وماذا عن اسرائيل؟ عُرضت مرة اخرى في نظر نفسها العرض الذي تحبه جدا مثل أم لجميع الضحايا. ويلنا كم ندفع وكم نضطر الى التنازل.

"لن يوقف شيء هذا الآن، وانتهى الأمر"، افتتح مذيع الأخبار نشرة أخبار القبيلة بصورة دراماتية بازاء الكارثة القريبة وأُمر الاسرائيليون أن يتلففوا بآلامهم. لكن ليست الحياة وحدها هي التي جُندت لمسيرة ادعاء أننا الضحية الدورية بل ولا العائلات الثكلى التي تُجند دائما – بل كان الأموات هذه المرة لأن مكتب علاقات عامة وضع عشرات اللافتات على قبور جنود كُتب فيها "كان موتكم عبثا". وكل ذلك بسبب 26 سجينا.

وعُرضت احتفالات الفرح في رام الله مع الأمهات والآباء المبتهجين بصورة طبيعية بأبنائهم الذين عادوا الى بيوتهم بعد عشرات السنين في السجون في ظروف قاسية دون عطل ودون مكالمات هاتفية، عُرضت مثل طعنة بسكين في قلب الأمة الحزينة برغم

 

التسريح القبيح تحت جنح الظلام الذي كان يرمي الى تعطيل كل فرح. يا لهم من وقحين، كيف يتجرأون على الفرح.

يُسرح القتلة في دولة اسرائيل حتى اولئك البغيضون الذين قتلوا لأجل الطمع في المال والذين قتلوا أولادهم ونساءهم وضحاياهم العاجزين، يُسرحون في وقت ما وذلك أمر جيد. ولا يعلن أحد آنذاك حدادا قوميا بل تحمل عائلات الضحايا وحدها ألمها، وليست كلها تفعل ذلك ايضا. لأنه يوجد فيها احيانا عائلات نبيلة تعترف بأن أكثر المجرمين قسوة يستحقون الشفقة بعد قضاء سنوات السجن الطويلة القاسية كالجحيم.

لكن حينما يُسرح السجناء الفلسطينيون وفيهم قتلة سافلين، ولا يهم بعد كم من الوقت، ولا يهم من هم وماذا فعلوا، يُعلن الحداد بأمر. لن نغفر ولن ننسى – لكننا ننسى للحظة ما الذي يرمي اليه هذا التسريح في أصله. إنه يرمي الى بناء جو ثقة وهو يرمي الى بدء فصل جديد كما في كل الصراعات الدامية التي يُحاول إنهاؤها. لكن اسرائيل لا تريد ذلك فهي تُسرحهم كأنها يتخبطها مس وزير الخارجية الامريكي، بل لا تحاول أن توحي بنية طيبة ولو إيهاما.

إنني أعترف بالحقيقة وهي أنني مع تفهمي للعائلات الثكلى التي يؤلمها أن ترى قتلة أعزائها يُسرحون، فان قلبي ايضا مع السجناء المسرحين وأبناء عائلاتهم لأنهم جميعا دفعوا ثمنا شخصيا باهظا، وعبر عدد منهم عن الندم، ويُشك كثيرا في أن يعود أحد منهم في شتاء حياته الى إحداث ما أحدثه مرة اخرى. ناضلوا لتحرير شعبهم نضالا عادلا بوسائل بغيضة، وظنوا أن تُقدم أعمال قتلهم هدفهم الى الأمام. وليسوا أول من سلك هذا السلوك في التاريخ حتى ولا في تاريخ اسرائيل ولن يكونوا الآخِرين ايضا. لكن يجوز أن يُغفر لهم ايضا في وقت ما.