تحليل ماذا يعني أن تصبح « إسرائيل » دولة يهودية ؟!.

الساعة 03:45 م|28 أكتوبر 2013

وكالات (موقع المنار)

يسعى الكيان الصهيوني إلى إقامة الدولة اليهودية الخالصة، ويقضي هذا المخطط بتطهير الداخل "الإسرائيلي"، أو بمعنى أصح ما تراه "إسرائيل" مجالها المجتمعي الداخلي، من الوجود الفلسطيني المتزايد باطراد، لما له من انعكاسات خطيرة عليها في المستقبل العاجل والبعيد معاً، ذلك أن الهدف الرئيسي لهذا المخطط الكبير هو تحصين وتغليب العنصر اليهودي الصهيوني في داخل هذا الكيان المصطنع.

بهذا المعنى، يبدو جلياً هذا البعد الخطير لمحاولة "إسرائيل" انتزاع موافقة، أو تغطية دولية للمضي قدماً في سياسة التوسع الاستيطاني، في موازاة الممارسات القمعية والعدوانية في مواجهة الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما في داخل أراضي العام 1948. فهي تحاول التنكيل بهم لدفعهم أو دفع المزيد منهم إلى المغادرة بفعل التعديات المتواصلة، وتحت وطأة الضغوط التي تشتد، بنيّة التطهير العرقي الذي تمارسه سياسة التمييز العنصري، والفصل والتفرقة من الحكومة والهيئات العامة والرسمية في "إسرائيل".


جذور الفكرة تاريخياً

ولكن يبرز أمامنا سؤال جوهري لماذا الآن تعاود "إسرائيل" إثارة الحديث عن يهودية الدولة؟!.. وهذا السؤال يفضي إلى استنتاج مفاده أن هذا الحلم ليس مستحدثاً، إنما له جذور كامنة في أصل بناء الدولة. ما يجعلنا نعود إلى أصول الفكرة، حتى قبل أن تنشأ الدولة المصطنعة بين جنبات الإقليم العربي والإسلامي.

دعونا نستذكر سوياً نص وعد بلفور الشهير، والذي يقول فيه :"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين".

الباحث في الشؤون "الاسرائيلية" إحسان مرتضى يوضّح، في مقابلة معه لموقع المنار، طبيعة هذ الوعد، بتأكيده على أن الخطورة التي حملها أنه لم يعترف بوجود الشعب الفلسطيني أصلاً. فهو يقول "الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين"، وليس الشعب الفلسطيني أو الفلسطينيين. وهذا كان تلبية لرغبة اليهود أنفسهم، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فهؤلاء المقيمون في فلسطين لهم حقوق مدنية فحسب، وليس لهم حق بوطن ودولة. حتى قرار إنشاء اسرائيل وتقسيم فلسطين قام على هذا الاساس. وقبل الوعد كان اليهود في فلسطين لا يشكلون أكثر من 5% من تعداد السكان. ولكن بفعل الهجرات غير الشرعية في تلك الحقبة أصبحوا يمثلون ما نسبته 15%. إذ إن بلفور أعطى أرض فلسطين لهذه الفئة في مقابل تجاهله لنسبة 85% من المسلمين والمسيحيين فيها.

وتعبير بلفور في قوله "إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي"، اعتراف واضح بأنهم يشكلون شعبا بلا أرض، وأنهم قومية موحدة في الوقت الذي ينتشرون فيه بالعالم مجموعات على طريقة "الغيتو". وكان العمل لإقامة دولة قومية لليهود الصهاينة في فلسطين هو في الحقيقة الهدف الذي تتطلع إليه الصهيونية العالمية. فالغاية الفعلية من وجهة النظر الصهيونية هي استقطاب اليهود حول العالم، وتعبئتهم حول فكرة بناء وطن لهم في هذه البقعة بالتحديد، لما لها من أهمية مفترضة في العقل السياسي والوجدان الديني المزعوم لليهود، وهو الأمر الذي اقتضى دوماً تهيئة المناخات الملائمة لتأمين تدفق وانتقال اليهود معتنقي العقيدة الصهيونية إلى داخل فلسطين.

 

"دولة إسرائيل" تضفي الصفة العنصرية التامة

ولكن أيضاً جذور الفكرة لم تبدأ مع وعد بلفور ، بدأت مع كتاب تيودور هيرتزل "دولة اليهود"في العام 1895، الذي وضع الحجر الأساس لظهور الصهيونية السياسية وتأسيس الحركة الصهيونية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و31 اغسطس 1897 وانتخاب هرتزل رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية. بعد ذلك بدأ هرتزل عدة محادثات مع شخصيات عديدة من دول مختلفة، مثل القيصر الألماني فيلهلم الثاني (.Wilhelm II) الذي التقى به سنة 1898 مرتين في ألمانيا وفي القدس أو السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سنة 1901، بحثا عن مؤيدين للمشروع الصهيوني. لكن جهوده فشلت وتركت المجال مفتوحا لمواصلة العمل على تأسيس الدولة. وتابعها من بعده حاييم وايزمان وزئيف جبوتنسكي ودافيد بن غوريون.

ويخبرنا الباحث حسن صعب، في مقابلة مع موقع المنار، أن كل هؤلاء كانوا ينظرون إلى الديانة اليهودية نظرة عداء، وإن كانت بدرجات متفاوتة. ولكنهم رأوا أن الديانة اليهودية والانتشار اليهودي وجهان لعملة واحدة. وراحت فكرة "دولة اليهود" تترسخ. فأقر على أن تسمى فلسطين "أرض إسرائيل"، حرصاً على تأكيد انتماء هذه الأرض إلى من يزعمون أنهم أسلافهم الأول، وهم أبناء يعقوب أو "بنو إسرائيل". ولقد فضّل الصهاينة استخدام هذا الإسم "دولة إسرائيل" لدولتهم بدلا من الاسم الذي كان قد اختاره هرتسل، وهو دولة اليهود، لأسباب نذكر منها :

أولاً: إيجاد تناسق بين اسم الدولة والاسم العبري لفلسطين وهو "أرض إسرائيل"(إيرتس يسرائيل).

ثانياً : إيثار الصفة العنصرية الكامنة في اسم "إسرائيل" على الصفة الدينية في لفظة "اليهود".

وبرز مؤرخ يهودي يدعى "بوعز عفرون" قال في كتابه "الحساب القومي" 1988، إن اليهود لم يكونوا شعبا وإنه لا يوجد ما يسمى بالشعب اليهودي في ماضي التاريخ اليهودي، لآن الجماعة اليهودية اتخذت دوما وضع الطائفة المنعزلة على نفسها طوال التاريخ، وأن الأساس الديني والوضع الاجتماعي لهذه الطائفة لا يؤدي إلى قيام كيان قومي طبيعي. ويرفض عفرون كذلك رأي المؤرخين اليهود الذين يرون أن الدين هو أساس القومية، مؤكداً على أن الصفة الروحية والثقافية للهوية اليهودية قد تبلورت في ما يسمونه "الشتات اليهودي". وبرفض استمرار وصف الدولة على أنها دولة يهودية لأن هذا الأمر يترتب عليه رفض نسبة كبيرة من الذين يقيمون من غير اليهود (يقصد فلسطيني 1948) لهذا الوصف. كما أنه يمكن أن يؤدي إلى انفجار تمرد قد يقود إلى حرب أسماها حرب أهلية مكبونة.

من أجل الحفاظ على روح اليهودية، لا بد برأي عفرون، من الفصل بين الدولة وبين اليهود الذين يعيشون خارج حدودها،  حسب تعبيره. إن رفض أسطورة "الشعب الواحد" هو أمر ضروري من أجل استمرار التواصل بين اليهود في العالم.

 

"دولة يموقراطية" تسمية لم تعد تفي بتحقق الحلم التاريخي

يقول موقع ما يسمى "وزارة الخارجية الإسرائيلية" في تعريف "دولة إسرائيل" إن :"إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية، وإن كان هذان المنهجان يبدوان متناقضيْن إلاّ أنّ الدمج بينهما كان اعتبارًا طبيعيًا بالنسبة للآباء المؤسّسين للدولة وواحدًا من الخطوط العريضة للوطن منذ أن وُلد مجدّدًا في العام 1948. وكان بعض بذور الديموقراطية السياسية الحديثة قد زُرع خلال المراحل المبكّرة من التأريخ اليهودي علاوة عن جملة من المبادئ والقيم الأساسية تشكّل ركيزة الديموقراطية كانت من محاور الفكر اليهودي قولاً وعملاً طوال ألفي عام فأكثر".

إنطلاقاً من هذا التعريف للأباء المؤسسين كما تدعي الوزارة يبدو جلياً أن هناك تناقضاً واضحا بين الإدعاء بأن إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية في آن واحد. وكما نلاحظ هناك اعتراف جلي بهذا التناقض في التعريف نفسه. ولكنه يلتفّ عليه بطريقة مثيرة للجدل، فنسأل لماذا كان التركيز أنذاك – عند إنشاء الكيان الصهيوني- على أنها دولة ديموقراطية؟!.

يؤكد الباحث إحسان مرتضى أنه كان بديهياً أن يعرّفوا أنفسهم أنهم دولة ديموقراطية أنذاك، فقد كان هذا تلبية لطلب الدول الغربية التي دعمت مشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، من جهة، وهذا كان شرطا واضحا في وعد بلفور كما لاحظنا، ومن جهة ثانية كانوا مضطرين إلى ذلك لكسب تأييد تلك الدول، إلى جانب أنهم لم يكونوا متأكدين تماماً إلى اي مدى سينجح مشروع جلب يهود العالم للإقامة في فلسطين، من جهة أخرى. فإسرائيل بدون يهود لا يقوم لها قائمة، لذلك كانت الوكالة اليهودية، والتي تأسست قبل تأسس الكيان نفسه، تعمل بشكل دؤوب لجلب أكبر عدد من اليهود إلى فلسطين. وعندما راحت إسرائيل تتوسع أصبحت في حاجة ملحة بشكل أكبر إلى دم يغذيها ويبقيها حية. وهنا يستذكر مرتضى قولا لغولدا مائير :" إسرائيل مثل الغزال كلما أكل كلما تمدّد جلده". يعني المزيد من احتلال الأراضي.

وكان يغلب عليها حين تأسسها الطابع الاشتراكي، الذي كان كاسحاً في دول العالم أنذاك، وأيضاً حتى العالم يقبل بهم، فهم نشأوا بطريقة غير شرعية فليحصلوا على المشروعية الدولية تمظهروا بهذا المظهر الديموقراطي. ولمّا قوي عودهم، واطمئنوا على وجودهم في المنطقة، راح بعض من يتناوب على الحكم يعلن، في جلسات خاصة، وبين فترات متباعدة أنهم يريدون دولة يهودية خالصة. ولعله من هنا تأتي فكرة رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أفيجدور ليبرمان، بأنه "لا مواطنة بلا ولاء". والتي طرحها في الآونة الأخيرة، وتأتي في مقدمة شروطها إجبار العربي الفلسطيني على الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ليثبت أنه جزء من جسم هذه الدولة.

إلا إنه قبل ليبرمان، والجدل القائم حالياً حول مفهوم قانون القومية في إسرائيل، يلفت الباحث حسن صعب أن أول عودة لها للظهور على المسرح الدولي كانت مع إيهود أولمرت رئيس الحكومة السابق في مؤتمر أنابوليس، الذي عقد في تشرين الثاني 2007. وثمة من يرى أن أولمرت هو أول رئيس حكومة يطرح علنا، بصورة حادة وواضحة للغاية، مطلب الإعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، في حين جرت العادة على أن يتم الاكتفاء بمقولة "دولتين لشعبين" من دون التطرق إلى الحديث عن "الشعب اليهودي" منفرداً. أما بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الكيان الحالي، فقد زعم بأن "الشرط الأساسي لإنهاء الصراع هو الإقرار الفلسطيني العلني، الملزم والصادق، بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي". ولقد أقدمت حكومته في تشرين الأول 2010 على إجراء تعديلات على "قانون المواطنة" بحيث يتضمن أداء قسم الولاء لـ"الدولة اليهودية" شرطاً الاكتساب الجنسية الإسرائيلية. وزعم نتنياهو أن هذا الطرح "استمرار لما بدأه بن غوريون أي دولة لليهود، لا دولة يعيش فيها مواطنوان من اليهود". ويرى غيورا أيلاند، احد أبرز منظري الأمن القومي الإسرائيلي، أن طرح نتنياهو شرط ضروري لإحراز تسوية نهائية مع الفلسطينيين.

وحديثاً، كشفت صحيفة معاريف الصهيونية عن جهد تبذله الإدارة الأميركية من أجل إقناع أعضاء الجامعة العربية بالإعلان عن قبولهم بمبدأ الدولة اليهودية، وذلك بعد ما أعلنوا قبولهم مبدأ تبادل الأراضي بناء على حدود العام 1967.

اليوم الفرصة مؤاتية لـ"يهودية" إسرائيل :

اليوم تجد "إسرائيل" أن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لجعل كيانها يهودياً خالصاً، ولم لا وهي تنظر إلى العالم العربي يشتعل بالفتنة والحروب والدمار في ظل ما يسمونه "الربيع العربي"، الذي يمثل أكبر خديعة تقع فيها الشعوب العربية وتنسى قضيتها الأساسية "فلسطين"، من هنا – كما يؤكد الباحث مرتضى، يقولون للفلسطيني "أنت مجبور بالاعتراف بنا دولة يهودية، ولا سبيل أخر أمامك". والطامة الكبرى أن السلطة الفلسطينية ما تزال تقدم المزيد من التنازلات، فها هو مازن عباس يرد عليهم وكأنه يريد الخلاص :"سموها ما شئتم، ولكن اتركوا لنا الضفة الغربية".

وهي رغم ذلك ليست راضية، فماذا تريد "إسرائيل" أكثر من ذلك؟!!..