خبر خطأ المفاوضات وخطيئة الانقسام وغياب استراتيجية وطنية

الساعة 08:04 ص|28 أكتوبر 2013

غزة

مركز اطلس

لا يجب أن تحضر جلسات ليفنى عريقات الأربعة عشر التفاوضية لتحكم على فشلها وعبثتيها، ولا نعتقد أن أي من طرفيها أو سمسارها لديه أي وهم أنها يمكن أن تصل إلى أية صيغة اتفاقية أو تنجح في حلحلة شيء ما، ويبدو أن مسيرة السلام (أي وظيفة التفاوض الدائمة) استبدلت الغاية وهى التخلص من الاحتلال وصناعة السلام، ولكل طرف مصلحته ودوافعه من وراء استئناف المفاوضات، ولا يغرنكم تصريحات أبو مازن وليفنى وكيري عن جدية المفاوضات وعن جدية المسائل الجوهرية المطروحة على طاولتها، ليفنى تعتبر وظيفة المفاوضات مبرر وجودها في حكومة نتنياهو، وكيري يرى في المفاوضات وجه مهم من أوجه الحضور والتأثير الامريكي في المنطقة، أما تصريحات أبو مازن، التي نفى فيها ان تكون المفاوضات قد وصلت لطريق مسدود وان الوقت المتبقي كافٍ لبحث جميع القضايا، فنعتقد أنها موجهة بشكل أساسي للغرب، ليؤكد لهم أن الموقف الفلسطيني من المفاوضات يتسم بالجدية والرغبة الصادقة، وهو ربما يمهد لليوم الذى سيلي الاعلان عن توقف المفاوضات.

 

كيري ونتنياهو

على مدار سبع ساعات استمر اجتماع كيري – نتنياهو يوم الاربعاء في روما، الذي تركز بمعظمه حول الملف الإيراني، أما فيما يخص المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فقد حاول كيري معرفة ما الذي يعد نتنياهو بتقديمه في مسائل الحدود والتعويض عن الكتل الاستيطانية التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وعن الاغوار، ومعابر الحدود مع الأردن التي تطالب اسرائيل باستمرار سيطرتها عليها.

أي ان كيري والذي يفترض أنه راعي ووسيط لمفاوضات يفترض أن هدفها تحرير أراضي الـ 67 من الاحتلال، يعلن بوقاحة تبني الموقف الاسرائيلي فيما يتعلق بقضايا الحدود والسيادة، وهو يستجدي نتنياهو فقط لتقديم ما يعتبره كيري تعويضاً عن انتقاص حدود وسيادة الدولة الفلسطينية يمكن للفلسطينيين القبول به، غير مكترث بأن تكون هذه الدولة حبيسة وبلا سيادة، وكأن هدف المفاوضات اعادة انتشار الاحتلال في أراضي الـ 67.

الموقف الأمريكي الحقيقي من الصراع والمفاوضات يختفي خلف مواقف عامة غامضة حول حق الفلسطينيين في إقامة دولة، ويترك حدودها وسيادتها وحتى أمر قيامها رهينة الموافقة الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل الموقف الامريكي لا يختلف، بل ويتساوق تماماً مع مواقف الزعامات الاسرائيلية (شارون – أولمرت – نتنياهو)، كما أن الموقف الأمريكي يتبنى مفاوضات بدون هدف واضح، فالهدف الذي قد تصل إليه المفاوضات بالنسبة للأمريكيين غير محدد، وهو مفتوح نظرياً وعملياً على خيارات كثيرة، ويترك للإسرائيلي وهو صاحب ميزان القوة الأقوى التحكم بنتائج المفاوضات.

أما موقف نتنياهو من قضايا المفاوضات فقد عرضه في خطابه في الأمم المتحدة، وكرره في خطاب بار إيلان الثاني، وفى خطاب افتتاح دورة الكنيست الشتوية والتي تتلخص جميعها في اللاءات المعروفة من القدس، واللاجئين، وحدود67، وأراضي الأغوار، والسيادة، والمعابر، والكتل الاستيطانية، مضافاً اليها شرط الاعتراف بيهودية الدولة، وثمة من يقول انه مجرد كلام موجه للداخل الاسرائيلي لتحاشي "صقور اليمين"، لكنه وعشية اجتماعه مع كيري أرسل رسالة تهنئة لمستوطني الحى الاستيطاني في الخليل وهم الأشد تطرفاً وارهاباً وعنفاً، قال لهم فيها "صلاتنا العميقة بالخليل، بالاستيطان الدائم لم تتوقف ولم تكف ابداً، أتمنى لكم أن تعمق العودة للخليل بآلاف مشاركيهاـ صلاتنا بمدينة آبائنا وأجدادنا"، وكان قبلها بيوم قد أذن لوزير الاسكان بالإعلان عن عطاءات لبناء ألف وخمسمائة وحدة استيطانية في القدس المحتلة.

وفي معرض رده على استيضاحات كيري من موقف اسرائيل من قضايا المفاوضات؛ لخص نتنياهو الموقف الاسرائيلي بالقول "يجب أن يقوم السلام على عامودين، الأول دولة فلسطينية للفلسطينيين ودولة يهودية للشعب اليهودي، والثاني سلام تستطيع من خلاله اسرائيل الدفاع عن نفسها بنفسها ضد كل تهديد محتمل"، وهو قول شديد الوضوح لمن يريد أن يعرف، فالدولة اليهودية حسب نتنياهو لا تلغي فقط حق اللاجئين، بل تلغى أي حق لغير اليهود في السيادة على القدس التي هي بالنسبة لنتنياهو قدس أقداس الأرض اليهودية، ويهودية الأرض تعنى أن من حق المستوطنين البقاء في مستوطناتهم المقامة على أرض يهودية، أما العامود الثاني عامود الأمن المتمثل في اشتراط أن يسمح أي سلام لإسرائيل بالدفاع عن نفسها بنفسها ضد كل تهديد محتمل فهو قول ليس جديداً، وليس من اختراع نتنياهو، فقد أسس له رئيس الأركان الأسبق يغئال يدين، حيث قدم رؤيته للاستيطان في الأغوار وفى جنوب الضفة وشمالها مباشرة بعد حرب الـ 67، ومنذ ذلك الوقت أصبحت رؤية يادين الأمنية أهم استراتيجية سياسية أمنية تحدد رؤية اسرائيل لمستقبل الضفة، وهى رؤية تقوم على الحل الأمني، حل يخدم أمن المشروع الصهيوني، ولا نعتقد أن من لا يمتلك أي خيار غير خيار المفاوضات المباشرة يمكنه أن يغير هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، لاسيما في ظل الموقف الأمريكي والحالة العربية والفلسطينية.

 

مفاوضات واستيطان وإطلاق سراح الاسرى

يوم الثلاثاء القادم إن لم تحدث أية مفاجآت سوف يتحرر ما يقارب الثلاثون أسيراً فلسطينياً ممن اعتقلوا قبل أوسلو، وسيتم الافراج ربما لاحقاً عن ثلاثين جثمان شهيد احتجزوا لعقود في مقابر الأرقام، وهو أحد انجازين للمفاوضات، والثاني يحتمل أن يكون في تخفيف الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة، حيث أن أمريكا استعدت حسب المصادر الاعلامية بأن تمارس ضغطها على العرب وعلى الدول المانحة بتجديد دعمهم للسلطة وانقاذها من أزمتها المالية، والمؤسف هنا أن يتحول الدعم المالي للسلطة لورقة ضغط ومساومة أمريكية تشارك فيها دول عربية، فماذا نسمي استجابة قطر لدعوة كيري بتسديد مائة وخمسون مليوناً من مديونية السلطة؟! فإن كان المال عربياً فلماذا ينتظر حكام قطر أمراً أمريكيا؟!

هذان الانجازان اليتيمان لاستئناف المفاوضات، رغم تشككنا في جدية الانجاز الثاني (تخفيف الازمة المالية)، لأن الغرب الذي مارس الضغوط المالية مارسها ربما من باب الابتزاز التكتيكي، ولا نعتقد أنه كان جاداً في ذلك، لما يشكله استمرار بقاء السلطة من مصلحة وهدف بحد ذاته، في مقابل ذلك ابتز نتنياهو الجميع في الموافقة الصامتة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، لأنه أصر على مبدأ استمرار الاستيطان في ظل المفاوضات عندما طالب الفلسطينيون بتجميد الاستيطان، فقامت أمريكا بعرض مساومة تبادلية، الأسرى مقابل الاستيطان، وهو أمر مجحف بحق قضية الأسرى وعدالتها، فكيف يمكن الربط بين أنبل قضية وأبشع جريمة، كما جمد الفلسطينيون مؤقتاً طيلة فترة المفاوضات مساعيهم  في ملاحقة الاحتلال ومجرميه، وفى السعي لنيل عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية.

لقد كان من الخطأ الجسيم استئناف المفاوضات دون تجميد الاستيطان، بما فيه القدس، ودون تحديد مرجعيات واضحة تحدد نتائج المفاوضات بالتحرر من الاحتلال واقامة الدولة على الأراضي التي احتلت عام 67، واستئنافها مع تجميد التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة هو إذعان للشروط الأمريكية، فأصبحت المفاوضات تشكل غطاء للاستيطان بفعل الممارسات الاسرائيلية على الأرض، وهي لن تحقق شيئاً طالما لم يتم تغيير ميزان القوى لصالح شعبنا وطالما ظلت رهينة الاحتكار الأمريكي.

إلا أن الخطيئة الأكبر بنظرنا، التي ولد خطأ استئناف المفاوضات من رحمها، هي استمرار الانقسام، واستمرار غياب استراتيجية مقاومة موحدة لطاقات وتوجهات شعبنا بكل أطيافه الوطنية والإسلامية، استراتيجية تحاصر الاحتلال وتنزع شرعيته وتجعل استمرار احتلاله مكلف مادياً وسياسياً واخلاقياً.