كريات ومواقف رفاق السجن

خبر أسرى محررون: « الشقاقي » أذاب قضبان السجن بوعيه المستنير

الساعة 12:12 م|24 أكتوبر 2013

الاستقلال

م يكن الدكتور "فتحي الشقاقي" أبا إبراهيم كأي قائد قط، فالقائد يصنع مع مرور الأيام، لكنه وُلد قائدا شامخا، كأحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة واسعة وفكر ممتد، واستيعاب عقلاني لمشكلات وقضاياها العالم العربي والإسلامي، فقد اتخذ من القراءة سلاحا لمحاربة الأعداء، ودفاعا عن قضيته المركزية التي حول مسارها أنذاك وهي قضية القدس وفلسطين.

هذا ما أجمع عليه عدد من الأسرى المحررين الذين عايشوا "الشقاقي" داخل سجون الاحتلال لسنوات عدة، مؤكدين على أنه من ضخ الدماء الجديدة في الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر خيار الكفاح المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الإجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.

 

وكان الشهيد "الشقاقي" قد سُجن في معتقل غزة المركزي عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لمدة أربع سنوات وخمس سنوات أخرى مع وقف التنفيذ؛ لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى قطاع غزة، وقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية (الإسرائيلية) بإبعاده من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ الأول من أغسطس (آب) 1988م بعد اندلاع الانتفاضة الحجارة الأولى.

 

"عشت مع الدكتور أبا "ابراهيم" في مختلف محطات السجن، ابتداء من الالتقاء في سجن غزة المركزي ثم في عسقلان مرورا بسجن نفحة الصحراوي، حتى جاء له قرار الإبعاد إلى لبنان الساعة الثانية عشر ليلا وتم تنفيذه عام 1988م"، هذا ما بدأ به الأسير المحرر خالد الجعيدي الذي قضى ربع قرنا داخل سجون الاحتلال، حديثه عن الدكتور "الشقاقي" أثناء فترة التقائهم داخل السجن.

 

اهتمام بالوحدة

 

وأضاف الجعيدي في حديثه لـ "الاستقلال" مهما تحدثنا عن الشهيد أبا إبراهيم لم نعطيه حقه، فهو من جعل قضية فلسطين القضية المركزية للأمة، وكانت كلمته المشهورة "أُعيد إلى فلسطين خصوصيتها المنسية"، فكانت فلسطين تسكن في داخله وهذا ما كنا نشعره يوميا أثناء تعاملنا معه، لافتا إلى أنه كان يولي قضية الوحدة الوطنية داخل السجون اهتماما كبيرا وكان من روادها الأوائل، وداعيا لها في جميع خطاباته ومواقفه.

 

وأوضح الأسير المحرر الجعيدي أن شعبية الدكتور كانت كبيرة بين جميع الفصائل الفلسطينية أكثر من قيادات التنظيمات نفسها، فكانت شخصيته محبوبة من الجميع داخل السجن، وكان دوما حريصا على طرح القضايا الوطنية التي تهم المجموع الفلسطيني، والكل يشهد بعلاقاته الوطنية الطيبة مع مختلف الفصائل.

 

وأشار الجعيدي إلى أن "أبا إبراهيم" رغم أنه كان قائدا ومؤسسا لتنظيم فلسطيني كبير، إلا أنه كان إنسانا بسيطا في لبسه وحديثه مع الآخرين، ومتواضعا يشارك إخوانه همومهم وأفراحهم وأطرحاهم، وكان داخل السجون بمثابة الأب والأخ والصديق وخير قدوة للجميع، وكان صحابيا لم يعش في زمن الصحابة، على حد وصفه.

 

رجل بأمة

 

من ناحيته، أكد الأسير المحرر أحمد أبو حصيرة الذي أُسر (33 عاما) والتقى مع الدكتور "الشقاقي" في العديد من السجون، واصفا شخصيته بالمختلفة عن أي شخصية أخرى التقى بها طوال حياته، فكان رجلا بأمة دائم المطالعة والقراءة حتى في منتصف الليالي وأثناء فترة النوم كان يقرأ على ضوء خافت.

 

وأضاف أبو حصيرة في حديثه لـ "الاستقلال" " كان يتعلم اللغة العبرية داخل السجن، حتى يفهم لغة عدوه، ولم يكتفي بالتعلم فحسب فكان ما يتعلمه يلقيه علينا ويفيدنا به، فمحاضرة "فقه السياسة" ما زالت حاضرة في ذهني لهذا الوقت وهو يقف أمامنا ويلقيها علينا"، مبينا أنه كان مهتما بعلم السياسة في جميع ندواته ومحاضرته التي كان يُلقيها على الأسرى في سجون الاحتلال.

 

تحمل الأذى

 

وأشار أبو حصيرة الذي يعد أول أسير لحركة الجهاد الإسلامي أنه تم اعتقاله عام 1986م، وبعد مرور شهر على اعتقاله التقى "أبا إبراهيم"  في سجن غزة المركزي، لافتا إلى أن الدكتور "الشقاقي" من خلال معايشته له كان مثالا في الصبر وتحمل الأذى أثناء فترات التعذيب، فهو من كان يخفف عنهم آلامهم وهمومهم.

 

وختم أبو حصيرة قوله " كل من التقى الدكتور "الشقاقي" يصر على مقابلته أكثر فأكثر، فشخصيته المهذبة المحبوبة والمتواضعة الحنونة جعلته يشعر بالآخرين، فقد أكرمه الله بالسجن والإبعاد حتى الشهادة التي كان دائما يتمناها".

 

الرجل الرباني

 

بدوره, لفت الأسير المحرر فؤاد الرازم الذي قضى (30 عاما) في سجون الاحتلال، ورفيق ضرب طابا إبراهيم" إلى لقاءاته المتعددة والمتكرر مع الدكتور في سجن عسقلان التي كانت عبارة عن نقاشات وحوارات مطولة حول القضية الفلسطينية ومركزيتها بالنسبة له في الصراع مع الاحتلال في الوقت الذي غابت فيه الحركة الإسلامية عن العمل الجهادي على الساحة الفلسطينية في تلك الفترة المصيرية.

 

وقال الرازم في حديثه لــ "الاستقلال": " تعرفت على الرجل الرباني عام 1973م، عندما كان مدرسا في دار الأيتام الإسلامية، وكنت عندها طالبا في نفس المدرسة، وتمكنت خلال هذه الفترة من بناء علاقة مع المعلم المثقف القائد"، مشيرا إلى قصر الفترة التي عاشها مع الدكتور "الشقاقي" داخل سجون الاحتلال جراء إبعاده إلى لبنان عام 1988 من داخل سجن عسقلان.

 

فكر نابض

 

وأضاف" كانت معظم اللقاءات عبارة عن بناء الهيكل التنظيمي لحركة الجهاد الإسلامي، حيث كان يزرع في عقولنا الإيمان والثورة، والحرص على أذابته قضبان السجون بفكره النابض ووعيه المستنير فكان حريصا على التقاء بالشخصيات الوطنية والمقدسية لبناء قواعد تنظيمية للحركة في القدس كما غيرها من المدن الفلسطينية".

 

وبين الرازم أن الدكتور "الشقاقي" كان له نشاطه في الانتفاضة الأولى رغم أنه كان أسيرا في سجون الاحتلال، من خلال إصدار البيانات التي تعبر عن فكر حركته، وإشعال الثورة لدى الشباب الفلسطيني ضد الاحتلال (الإسرائيلي) داخل وخارج السجن، معتبرا أن هذه الأمور كانت سببا في إبعاده لخارج فلسطين.