تحقيق « التحرش » لدي المراهقين بغزة قصص وخفايا تستوجب المعالجة

الساعة 08:29 ص|21 أكتوبر 2013

غزة- (تحقيق) عمر اللوح

"في صغري كنت أحب اللعب كثيراً في الشارع مع جميع الأطفال؛ ولكنني كنت دوماً أميل للعب مع إحدى الفتيات التي تسكن في نفس الحي، فهي جميلة جداً، وأحببتها حباً شديداً حتى أصبحنا نلعب لوحدنا وفي أحيان أخرى نتفق على أن نلتقي في الليل، وكنت أقبلها وأضمها وكانت تبادلني نفس الشعور وأصبحنا نذهب للمدرسة سوياً، وكنت أهرب من المدرسة وأنتظرها حتى تخرج ونذهب للبيت، ومع مرور الأيام كنا نهرب سوياً من المدرسة ونذهب لأحد الأماكن، واستمر حالنا هكذا لأكثر من عامين دون أن يعلم أحد، وعندما لاحظت خروج أمي من البيت كثيرا قررت أن أخذها لبيتنا وذات مرة دخلت أمي علينا لترانا في موقف محرج".

بهذه العبارة بدأ الطفل (م, ح ) (14عاماً ) حديثه لــ "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" عن تجربته الخاصة مع بنت الجيران، مبرراً أفعاله لأسباب تعود لتربيته، ورغبته في الاكتشاف والتجربة كباقي أقرانه.

وأسباب انحرافه عزاها إلى العنف الذي كان يتعرض له دائماً من والديه عندما كان يسألهم عن بعض الأمور الخاصة، حينما يشعر بنمو جسمه ويتابع :" مما دفعني إلى التعرف على هذه الأمور من أصدقاء في الشارع والمدرسة، ويضيف قائلاً: لم يكن أمامي خيار آخر إلا فعل هذه الأمور مع بنت الجيران حسب ما تعلمت من الأصدقاء".

أما والدة الطفل فتقول: "لقد كنت مخطئة عندما كنت أعنفه ولم أجب على أسئلته، وتشير إلى أنها هي أيضاً لا تعرف الكثير من الأمور عن موضوع التربية الجنسية، حتى عند زواجها، فلم تعرف شيئاً إلا قبل زواج بيوم واحد من إحدى صديقاتها التي تزوجت قبلها"، وتتابع  قائلة: "أخذت ابني إلى أحد المراكز وبدأ أحد الأخصائيين يشرح له بعض الأمور المتعلق بمرحلة نمو الجسد وثقافة التربية الجنسية".

المواطنة أم خالد.م (36 عاماً) توضح لـ " وكالة فلسطين اليوم الإخبارية " أنها تشعر بالخجل عندما تفكر بالحديث مع أحد أبنائها أحمد وخالد وهما توأمان يبلغان من العمر أربعة عشر عاماً فهم يمرون بمرحلة المراهقة باعتبارها المرحلة الفاصلة في تربية الأبناء وما يليها من نضوج.

وتضيف:"أعجز عن الحديث في هذا الأمر باعتباري أم حيث أن والدهم يعمل سائق أجرة ويخرج من الصباح ويعود في المساء ولا يجد فرصة التحدث معهم".

وتابعت أم خالد: عندما لاحظت بعض التصرفات الغريبة على ابني خالد، حيث رأيته في إحدى المرات يحاول ضم إحدى الفتيات في الشارع والتقرب منها، فأسرعت وأخذته إلى البيت وعنفته على فعلته، ولكن بعد مضي يومين تقريباً تفاجأت بشقيقه أحمد يُقبل أُخته الصغيرة بطريقة لم تعجبني، فرأيت أن ذلك بداية لانحرافهم وشعرت بالقلق الشديد.

ونوهت أم خالد إلى أنها أخذت ابنيهما إلى الاختصاصي النفسي وشرحت له عن حالة خالد وأحمد وتولى هو مهمة تعليمهم عن بعض الأمور التي تمر بالإنسان في مرحلة المراهقة والتصرفات الجنسية التي تتبعها تلك المرحلة.

في حين يعتبر أبو محمود.ك (41 عاماً ) أن المراهقة وما يمر به الشخص من سلوكيات خاطئة من أخطر المراحل التي يمر بها الأبناء باعتبارها نقطة البداية في تحديد مستقبلهم.

وتابع لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": في بداية الأمر لم أكن ألقي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر إلا عندما كاد الفأس أن يقع في الرأس عندما كنت متوجهاً إلى عملي وجدت ابني جالسا على إحدى المفترقات  بالقرب من مدارس الفتيات وكان هارباً من مدرسته مع مجموعة من أصدقاء السوء ينتظرون  خروج فتيات المدرسة وبعد أن خرجن بدأ مع زملائه بالتحرش ببعض الفتيات والتقرب منهن.

وقال:"عندما رأيت ذلك المنظر لم أتمالك نفسي من شدة الحزن، وبدأت أفكر هل معقول هذا ابني؟!! وحاولت أن لا أُشعره أني أراه  وعدت إلى البيت وانتظرته وعند قدومه بدأت أسأله عن بعض الأمور الذي يشعر بها  فقال لي أنه يشعر ببعض الانفعالات الجنسية التي تثير الشهوة  لدى الانسان؛ فأيقنت أن ابني دخل مرحلة الخطر فبدأت أعلّمه، واستعنت ببعض الأطباء المتخصصين في التربية الجنسية أيضاً".

ويوضح أبو محمود قائلاً: "أهم شيء يجب تلقينه لأبنائنا التربية الجنسية وأن نعلمهم كل هذه الأمور دون خجل أو حرج من كلا الأبوين" .

أما المواطنة أم وليد.ا (38 عاماً ) فتقول: "كنت أتعرض إلى كثير من الأسئلة المحرجة من ابنتي هديل التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وكانت جل الأسئلة تتمحور عن مرحلة الزواج؛ ولكني كنت أتجاهل الإجابة على ذلك لاعتقادي أنها لا زالت صغيرة عن معرفة تلك الأمور"، وتضيف :"عندما رأيت بعض التصرفات من ابنتي هديل أصبت بصدمة وخاصة عندما رأيتها مع ابن عمها يجلسان على سطح المنزل ويتغازلان مع بعضهما البعض بكلمات الحب ويحاول كل واحد لمس الآخر، ويعانقان بعضهما البعض".

وتتابع لقد كُنت مخطئة عندما رفضت الإجابة عن أسئلتها في بداية الأمر، وقالت:"يجب علينا أن نتعامل مع أبنائنا  بكل صدق، والمحافظة عليهم  منذ الصغر خوفاً عليهم من الانحراف.

 الحبس في حال تقديم شكوى

من جانبه، قال المتحدث باسم الشرطة بغزة المقدم أيوب أبو شعر، أن شكاوى تصل لمراكز الشرطة بنسبة بسيطة، تكون ضد من هم فوق الـ17 عام، حيث يقوم بالتحرش أو الاعتداء على من هو أقل منهم سناً من كلا الجنسين.

وأوضح أبو شعر في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أنه في حال تقديم شكوى رسمية من الأهالي لمراكز الشرطة يتم تحرير محضر وتحويلهم للنيابة العامة, وفي حال صدور الحكم يقضي المدة في الإصلاحيات كمؤسسة الربيع.

لكنه أشار، إلى أن الحديث عن تحرش طفل بطفل بقطاع غزة غير وارد ولم يقدم أي شكاوي لمراكز الشرطة بغزة.

وبين أبو شعر أنه خلال العام الماضي, رصد انخفاض عدد الأطفال المتواجدين في مؤسسة الربيع لـ50 طفل فقط في حين وصل عدد الأطفال المتواجدين في المؤسسة وصل ل450 طفل، مما يدل على قلة الجرائم لدي الأطفال.

وأكد أنه في العديد من الحالات يتم معالجتها بطرق الإصلاح في حال لم يتم تسبب المراهق بأي إيذاء للطفل أو الفتاة, مؤكداً أن مجتمعنا محافظ بالدرجة الاولى ومراقب.

غياب ثقة الأبناء بالوالدين

المركز الفلسطيني لحل النزاعات المجتمعية أصر على تنفيذ برنامج عن التربية الجنسية استمر عامين واستهدف أطفال ومراهقين لشدة المقلبين من الأهالي لمساعدتهم لحل العديد من المشاكل العالقة مع أبنائهم والتي لها علاقة بالثقافة الجنسية وتسببها بالعديد من المشاكل للغير , ولكن وبالرغم من تحفظ العائلات الغزية على أسرارها الا ان عدد الحالات التي وصلت الى المركز وتم علاجها بطريقة سليمة وصحيحة بلغت  317 حالة وتضيف لا زال المركز يستقبل عددا لا بأس به من الحالات.

من جهتها حنان أبو ضاهر أخصائية نفسية في المركز الفلسطيني الديمقراطية وحل النزاعات, أوضحت لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" أن المركز نفذ مشروعاً عن التربية الجنسية استمر عامين ضم عدداً من الأخصائيين والمحامين وتم تنفيذه من خلال ورشة عمل مع الأهالي حتى يتعرفوا على طريقة التعامل مع أبنائهم في سن المراهقة بالإضافة الى زيارة ميدانية لبعض الحالات.

وبينت انه وخلال تنفيذ  المركز للمشروع  تواصل عدد كبير من الأهالي بالمركز لمعالجة بعض السلوكيات عند أبنائهم، مؤكدةً أن ما دفع المركز إلى التفكير بتنفيذ هذا المشروع نابعة بعد من تزايد حالات التحرش الجنسية عند الأطفال بشكل ملحوظ.

وتتابع أبو ضاهر قام المشروع بعمل ندوات للطلبة في المدارس لتوضيح أسباب التغيرات من الجانب الفسيولوجي والتغيرات الجسمية والوجدانية المتعلقة باكتمال النمو ، مع الإشارة الى ما يصاحب هذا الحدث من التغيرات في المشاعر والعواطف نحو الآخرين مع ربط هذا الميل وتلك المشاعر بكونها طبيعة فطرية خلقنا الله عليها لكي يتم الزواج وتعمر الأرض ويكثر النسل وفق الضوابط الشرعية ولا يجوز تجاوزها.

وأشارت  أنه ينبغي على الأبوين ان يحذرا من أساليب وأماكن الشر والفساد الموجودة داخل المجتمع خاصة ان ابرز عملية التحرش الجنسية التي يتعرض لها الأطفال في سن المراهقة  تكون نتيجة البيئة التي تعيش فيها العائلة أو جهل الأبوين في تعليم أبنائهم ورفقاء السوء وغياب المراقبة على الأبناء في ظل وجود الانترنت خاصة أننا نعيش في زمن الانفتاح الإعلامي.

وتضيف الأخصائية النفسية أيضا أن من نتائج المشروع  أن أفضل طريقة لعلاج هذه الظاهرة هي بناء علاقة مودة وثقة بين الأبوين وأبنائهم ويكون ذلك من خلال معاملة الأبوين لأبنائهم على إنهم رجال ويثقون بهم في كل شيء ويشاركهم في شتى مجالات أمور حياتهم ومعالجة المشكلات التي يوجهونها بكل يسر ولين، وحينها سيدفع الابناء الى الافصاح عن كل ما يجول في خواطرهم، ونوهت إلى أن عدد الحالات التي وصلت الى المركز وتم علاجها بطريقة سليمة وصحيحة بلغت  317 حالة وتضيف لا زال المركز يستقبل عددا لا بأس به من الحالات.

 والسؤال الذي يطرح نفسه هل سنبقى ننتظر انحراف الأبناء الى أكثر من ذلك حتى يدمر المجتمع ويصبح فاسداً وهل سيشعر الأبوان حينها أنهم عار على العائلة لوجود مثل هؤلاء الأفراد بينهم وهل سنكون حينها على قدر المسؤولية وان ننهج النهج السليم في تربية أبنائنا؟

سوء التربية

ويوضح الاختصاصي النفسي والتربوي بجامعة الأزهر بغزة الدكتور محمد الأغا أنه من الضروري تهيئة الأسرة للتعامل مع المتغيرات التي نعيشها، فالتربية الجنسية من أخطر المراحل التي تواجه الأبوين في تعليم أبنائهم وخاصة مرحلة المراهقة، والمطلوب من الأسرة العمل على تهيئة الأبناء نفسياً وتربوياً كي يتعرفوا على طبيعة الحياة المستقبلية من خلال شرحه للمواضيع الجنسية مشروطة باستعمال لغة علمية بسيطة ومفهومة، وأن تكون بطريقة مباشرة دون خجل  أو اللجوء الى اعتماد مواقف وسلوكيات معينة هدفها التوجيه التربوي غير المباشر، وتتطلب الصدق التام مع الأبناء بحيث تكون أجوبة الأبوين على أسئلة الأبناء صادقة لا تتضمن كذبا أو غموضا". 

ويتابع د. الأغا لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" يجب على الأبوين المتابعة المستمرة للأبناء في جميع توجيهاتهم ليس من باب  المراقبة عليهم؛ بل من باب الحفاظ عليهم من الانحراف , معتبراً أن استخدم الضرب والقمع ليس من الطرق التربوية السليمة بل ستكون حاضرة في ذهن الأبناء ويبحثون عن إجابة لها من طرق أخرى.

ويضيف الاختصاصي النفسي والتربوي في حال لم يتهيأ الأبوين في التعامل  مع أبنائهم وتجاهلهم بسبب بعض الأسباب الواهية كعملهم وعدم وجود وقت كافٍ لتعليمهم  والإجابة على تساؤلاتهم واستفساراتهم فستكون النتيجة كارثية مشيراً أنهم لن يجدوا طريقة أخرى للإجابة عن طبيعة المرحلة التي يعيشونها، وبالتالي يستقي المعلومات من مصادر غير سليمة، وسوف يجد الابناء خارج البيت من يجيبهم عن كل ما يريدون ويكون من طرق غير مشروعة ويمضي  د. الأغا قائلاً وربما يصبح من المضرين بالمجتمع، ومن هنا يكون فساد المجتمع وخرابه.

الوقاية والعلاج

وأكد الطبيب النفسي بالجامعة الإسلامي الدكتور ياسر أبو جامع لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"أن الأبناء منذ نعومة أظافرهم يشعرون باختلاف والتغير الجنسي، وذلك من خلال الاختلاف في الملابس وطريقة الاهتمام ويضيف ومع النمو الطبيعي الإنسان وبداية ظهور العلامات الجنسية فيكون هنالك اختلاط بين الذكر والأنثى من خلال اللعب في الشارع او اصطحابهم الى المناسبة العائلية والزيارات، ويكون ذلك في السن 13 الى 16 تقريباً، ويتابع ويترتب على ذلك علاقة بين الجنسين وخلال هذا الفترة يحدث بعض التعارف، ومن هنا تنشأ العلاقات.

مطالباً بضرورة أن يتلقى الأبناء ذكوراً وإناثاً قدراً مناسباً من الثقافة الجنسية يتفق مع مراحل السن ومستوى الثقافة والوعي لديهم مع مصارحة الأولاد في هذه الأمور المهمة كي يفهموا ما يتصل بحياتهم الجنسية فهماً دقيقاً، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من واجبات دينية وتكاليف شرعية،

ودعا جميع المؤسسات التربوية للعمل على نشر الوعي لدى الأبوين حتى يكونوا على دراية بخطورة هذا المرحلة.

موقف الدين

وفي ذات السياق قال الداعية الإسلامي عماد الداية أن الإسلام حرص منذ البداية على ان ينشأ الولد نشأة صالحة وفق منهج تربوي سليم، ويتابع يجب على الأبوين التعرف على كل ما يدور في أذهان أبنائهم، والعمل على حل أي مشاكل تواجههم بالطريقة السليمة والصحيحة وعدم استخدام العنف أو القوة.

وأوضح لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن الاختلاط بين الذكور والإناث يعد من ابرز العوامل وخاصة في الأعراس والزيارات العائلية ويضيف في حالة ترك الوالدان أبنائهم دون أي متابعة حينها ستكون بداية انحراف هؤلاء الأبناء في سلوكهم وتصرفاتهم.

ويوضح الداية قائلاً ان الأمور لا تقف عند حد انحراف الأبناء فقط وإنما تصل إلى مرحلة أكثر خطورة مثل الوقوع في ارتكاب الجرائم والسقوط في وحل العمالة خاصة في ظل انتشار التكنولوجيا  ومواقع الفيسبوك  وتوتير، وما يترتب على ذلك من تدمير الأسرة المسلمة والفساد الذي سوف يصبح منتشراً بالمجتمع.