خبر عطوان:حماس تعيش ازمة خانقة ولكنها ليست ضعيفة وتستطيع خلط الاوراق

الساعة 05:38 م|20 أكتوبر 2013

كتب عبد الباري عطوان

لا يختلف اثنان، داخل الارض المحتلة وخارجها، ان حركة المقاومة الاسلامية “حماس″ تعيش ازمة حادة، سياسية واقتصادية، ولكن ما هو موضع خلاف، هو كيفية الخروج من هذه الازمة الى بر الامان، ولو جزئيا ان لم يكن كليا؟

السيد اسماعيل هنية رئيس حكومة قطاع غزة، ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة حاول اعطاء اجابة على هذا التساؤل المشروع في خطاب قوي مطول وشامل استغرق ساعة ونصف الساعة القاه ليلة السبت، عكف على اعداده عدد من مساعديه، استعان بعضهم ببعض السياسيين في اكثر من بلد عربي واجنبي، ولكن الاجابة لم تكن شافية تماما بالنسبة لبعض المراقبين لبعض جوانب الغموض المتعمد فيه ومحاولة مراعاة الظرف الداخلي الحساس.

ثلاث نقاط رئيسية وردت في هذا الخطاب يصعب علينا تجاهلها، لانها تلخص بعض جوانب الازمة، وتطرح بعض المخارج:

ـ الاولى تتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني عندما اعاد التأكيد على ثوابت الحركة من حيث حق العودة واقامة الدولة على كل التراب الفلسطيني التاريخي، ودعوته الى الرئيس محمود عباس الى التعاون المشترك، والعمل معا من اجل تخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين في كل الساحات، والبحث العملي في آليات تطبيق اتفاق المصالحة وانهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد لانتخابات تشريعية ورئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني.

ـ الثانية تتناول العلاقات مع مصر عندما اكد ان البندقية الفلسطينية موجهة ضد اسرائيل فقط، مشددا على ان حماس ليست طرفا في اي حوادث تقع في سيناء وانها لا تريد لمصر الا الخير والامن والوحدة والاستقرار ولا نتوقع منها غير الدعم والاحتضان، ودعا الى وقف حملة التحريض والاتهام الموجهة ضد حماس.

الثالثة: تركز على العلاقة مع سورية، عندما قال السيد هنية دون ان يسمّي: “عبّرنا، ولا نزال، عن موقفنا من حيث المبدأ، والتزاما بموقفنا الاخلاقي، مع الشعوب وحقها في الحرية والكرامة، وضد ما يؤدي لسفك دمائها من اي طرف كان”، واضاف “ان حماس لا تشعر انها في مأزق حتى تدفع ثمنا للخروج منه، ولا تندم ان تعتذر عن تلك المواقف المشرفة حتى ترضي احدا، نحن لم نعتد على احد ولم نغدر بأحد، ولم نخطيء في البوصلة والمسار العام”، في رد واضح على الرئيس بشار الاسد الذي اتهمها بالغدر.

كلام السيد هنية كان تصالحيا بالنسبة الى كل من مصر والسلطة الفلسطينية في رام الله، ولكنه لم يكن كذلك مع سورية، وربما ايران ايضا التي لم يرد ذكرها بشكل قوي في الخطاب، الامر الذي يعكس تراجعا عن مسار بدأه السيد خالد مشعل عندما طالب المعارضة السورية بالتخلي عن السلاح، والعودة الى سلمية الانتفاضة واللجوء الى الحوار، واذا لا بد من حمل السلاح فمن اجل توجيهه لتحرير الاقصى، وهو ما عرضه لهجوم كاسح من الجيش الاسلامي السوري، وآخر من قبل الرئيس الاسد الذي اتهم حركته بالغدر.

السلطة الفلسطينية ردت على غصن الزيتون الذي مده السيد هنية اليها بالتجاهل بل والسخرية، وهذا امر يتناقض مع فصائل فلسطينية اخرى مثل الجهاد والجبهة الشعبية التي رحبت به ونقاطه الايجابية، وقال المتحدث باسم حركة فتح السيد احمد عساف، بان الخطاب لم يتضمن اي جديد، واتهمها بتعطيل المصالحة، ويبدو ان ما اغضب حركة “فتح” هو انتقاده للمفاوضات التي جاءت باملاءات امريكية حسب رأيه، اي السيد هنية.

اما الحكومة المصرية فقد التزمت الصمت تجاه هذا الخطاب وتجاهلته، لانها تعتبر حماس عدوا، ولا نعتقد ان ازمة حماس مع مصر ستشهد اي انفراجا قبل كسر الحصار وتضييق الخناق على حليفتها حركة الاخوان المسلمين والافراج عن قادتها المعتقلين واولهم الرئيس محمد مرسي.

لا شك ان نوايا السيد هنية التي وردت في الخطاب كانت طيبة، ولكن النوايا الطيبة ليس لها مكانة في لعبة السياسة المعقدة والبعيدة عن الاعتبارات الاخلاقية في معظم الحالات، ولعل بعض الجهات العربية تدخلت، وطالبت السيد هنية بان يعود الى خط الحركة الاول تجاه سورية والازمة الراهنة فيها، مما يعني ان توجه جناح السيد مشعل قد تقدم على جناح السيد الزهار المتشدد، خاصة بعد فشل الجهود لترتيب زيارة الاول الى ايران، ووضع الرئيس الاسد “فيتو” على عودته الى دمشق، واتهامه حركة “حماس″ بالغدر في رسالة واضحة بعدم التجاوب مع رسائلها التصالحية.

نختلف مع السيد هنية في نفيه لوجود ازمة داخل حماس، ولكننا نتفق معه في انها ليست ضعيفة، فالحركة ما زالت تتمتع بشعبية داخل غزة وفي الضفة الغربية، وتستطيع ان تقلب الطاولة على رؤوس الجميع لو ارادت، للرد على من يضيقون الخناق عليها، ويحاولون قتلها، فما زالت حركة مقاومة، وما زال جناحها العسكري (عز الدين القسام) قويا.

فعندما يلوح السيد هنية بانتفاضة اقصى جديدة فعلى الجميع ان ينصت، لانها قادمة وارهاصاتها واضحة من خلال تزايد العمليات العسكرية في الضفة، والاهم من ذلك ان وضع السلطة ليس نموذجيا، بعد الكشف عن زيادة بنسبة سبعين في المئة في الاستيطان، وعدم تحقيق اي تقدم في المفاوضات بسبب اصرار اسرائيل على الاعتراف بها كدولة يهودية، وعدم بحث قضية الحدود، الى جانب شروط تعجيزية اخرى تفرضها.

حماس بحاجة الى اتخاذ عدة مواقف فورية، اولها الكف عن التصريحات القابلة لتأويلات عديدة، وثانيها عدم تكرار توسلها للحكم العسكري في مصر رغم ادراكنا لقدرته على خنق القطاع اكثر فاكثر، لان هذا التوسل لن يفيد او يجد آذانا صاغية، وثالثها البعد عن ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي وتذكيره بنكوصه تجاهها، والمشاركة في خنقها، حتى لو ارادت عدم العودة الى المعسكر السابق الذي ادارت ظهرها له في شباط (فبراير) العام الماضي عندما غادرت قيادتها دمشق الى قطر ومصر مرسي، معتقدة ان النظام السوري سيسقط وان ايامه معدودة، وايران ستمحى عن الوجود بغارات امريكية واسرائيلية، وهو ما لم يحدث حتى الآن على الاقل وليس في المستقبل المنظور.