خبر فلنواجه استحقاقت ونحن على أبواب عرفات ..علي عقلة عرسان

الساعة 05:23 م|11 أكتوبر 2013

بعد موافقة سورية على المبادرة الروسية بشأن سلاحها الكيمياوي، وتقديمها لطلب انضمام إلى الوكالة الدولية لحظر الأسلحة الكيمياوية الذي سيقبل رسمياً في 14 تشرين الأول / أكتوبر 2013 ، وبعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 الخاص بتدمير السلاح الكيمياوي السوري وشموله لموافقة دولية على اعتماد الحل السياسي للأزمة في سورية وترجيح عقد جنيف 2 لهذه الغاية..  وفي ضوء استجابة الدولة السورية وتعاونها التام مع مفتشي الوكالة الدولية المعنية.. بدأت النظرة الغربية إلى سورية الدولة ورموزها تتغير، وتتالى ظهور الرئيس الأسد في فضائيات أميركية وأوربية بصورة خاصة وفي وكالات أنباء ولقاءات صحفية لصحف مرموقة، لإيصال صوت سورية من خلال تلك اللقاءات إلى الرأي العام بهدف.. وهي خطوات تسبق مؤتمر جنيف2، وتمهد لتغيير الموقف السياسي من سورية بصورة تدريجية ولاستعادت العلاقات معها.. ويتم هذا في الوقت الذي يستمر فيه الاقتتال على الأرض ويتصاعد، ويتحول في بعض المواقع والجبهات إلى تصفية متبادلة بين مسلحين " متطرفين ومعتدلين؟!" ينتمون إلى ألوية وكتائب غير منسجمة أصلاً في أفكارها وأهدافها وتوجهاتها وبرامجها، ولا يجمعها إلا هدف إسقاط النظام، وهو هدف أصلي للمشغلين والممولين وأصحاب الخطط والبرامج ضد سورية وجيشها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها في المنطقة.. وسبب استهداف سورية وجيشها مرتبط بخيارات سياسية معروفة لدى جهات فاعلة، وبسياسات ومحاور إقليمية ذات خلفيات دينية مذهبية، وبمواقف وبأوضاع وسياسات وممارسات داخلية تحتاج إلى إصلاح جذري وتفعيل للعدل ولجم للظلم ورفع للمظالم والمعاناة عن فئات من فئات، ومعالجة ملفات سياسية واجتماعية عالقة منذ عقود من الزمن.. والأمران الأخيران على الخصوص لقيا هوى لدى بعض السوريين وساهما في اندفاع غير مسؤول لتدمير البلد من كل من شارك في العنف الدامي والقتل المتبادل وتساقي كؤوس الموت..

بعد القرار 2118 ومواقف سورية الإيجابية منه أخذ الرضا الرسمي الدولي يتسلل شيئاً فشيئاً ليقدم إشارات إيجابية تشمل المشهد الرسمي السوري وتؤدي إلى تعزيز موقع الدولة السورية ومواقفها عالمياً، لا سيما بعد صمود جيشها وتماسك شعبها طول الأشهر الثلاثين الماضية، وهو ما لم يكن بحسبان الأعداء، لا سيما الصهاينة والأميركيين.. فبعد إشادة جون كيري وبان كي مون بالتعاون السوري مع مفتشي الوكالة الدولية لتدمير السلاح الكيمياوي وثنائهما على هذا الإنجاز السريع في وقت قياسي والمواقف الإيجابية، جاء تصريح راسموسين من اليونان يوم الخميس 10 أكتوبر 2013 حيث قال: "لا أرى دوراً للحلف الاطلسي حاليا (...) لا حل عسكريا للنزاع في سوريا. وللوصول إلى حل طويل الأمد، يجب أن يكون هناك حل سياسي".. وهو مسؤول حلف شمال الأطلسي الذي كان يلوح بالخيار العسكري في تصريحات كان آخرها من في يوم 18 أيلول 2013 حيث أعلن من لندن: "أن الخيار العسكري "يبقى مطروحاً" للضغط على الحكومة السورية لتفكيك ترسانتها الكيميائية.".؟! وعززت الوضع الجديد تصريحات من لندن لمسؤولين أوربيين بأن موقف الدول الأوربية من الأزمة السورية أصبح أميل إلى موقف روسيا الاتحادية. وعلينا أن نتذكر هنا والآن ما هددت به الظاهرات الصوتية العربية المعارضة روسيا الاتحادية بأنها سوف تخسر العرب كلها نتيجة موقفها المؤيد للنظام في سورية.. فها هي تربح دولياً والعرب "إضافة على البيعة"؟! وفي إطار التغير السياسي  الملوس علينا أن نضيف أن لافروف صرح بأنه متفق مع جون كيري على عدم حضور ممثلين عن القاعدة ومن ينتمي إليها والمقربين منها من المصنفين إرهابيين في مؤتمر جنيف 2، وهو أمر في غاية الأهمية من جيث مفاعيله وتفاعلاته الداخلية والخارجية وتأثيره على المشهد السوري، وتؤكد هذا التوجه أو تطلبه جهات من المعارضات المسلحة المنضوية تحت "الجيش الحر".  وقد تبع هذه التطورات والتحركات الدولية بالضرورة تحرك حيي محدود من جانب بعض دول الجوار السوري لضبط بعض المنافذ الحدودية.. ومما أعلن عنه من تحركات تنم عن تغير في السياسات والمواقف رسالة الشيخ تميم أمير قطر إلى الرئيس السوري، عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقد حملها إلى دمشق عباس زكي في السابع من شهر تشرين أول/ أكتوبر الحالي، ومفادها: " طلب تلطيف الأجواء مع السلطات السورية، وإعلام القيادة السورية بأن قطر ستنتهج، بالتدريج، سياسة مختلفة عن السياسة الخارجية السابقة.".. كل هذا المعلن الآن يضاف إليه ما لا يتم الإعلان عنه من تحرك سياسي وديبلوماسي واتصالات ومواقف، وما تشهده المنطقة من مستجدات سياسية أبرزها ما بين الولايات المتحدة وطهران، مما يثير غضب الدولة القزم " إسرائيل" والعنصري العدواني نتنياهو.. كل هذا يشير إلى تغير ملموس في التوجه الدولي والعلاقات الدولية وفي المشهد السياسي المحيط بسورية الدولة والمتفاعل داخلها لا سيما بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118

وهذا مفصل من أهم مفاصل الأزمة السورية الحاكمة والمؤثرة والمبشرة بحلول سياسية مرجحة قد لا توقف الاقتتال في سورية فوراً ولكنها تعلن لكل ذي عقل ومسؤولية وضمير: أن هذا الطريق مسدود، وقد بلغ نهايته المأساوية المظلمة، وأنه لا جدوى من استمرار السير فيه وتكبيد السوريين خسائر فوق خسائر، ومد النار إلى الأقطار العربية والبلدان الإسلامية المجاورة.. وفي هذا المفصل نقرأ ونستخلص مما حدث: أن الهياج السياسي الغربي، و" تجمعات ما سمي بـ "أصدقاء سورية"، ومعظم المساندات الدولية للمسلحين ومنها العقوبات التي يرزح تحتها الشعب السوري منذ عقود، والخسائر المالية بمئات مليارات الليرات السورية التي لحقت بهذا البلد الذي كان يتمتع بكفاية ولا يخضع لضغط المديونية، وكل الموت والدمار والجرحى والمعوقين والمبعدين عن بيوتهم ومدارسهم من الأطفال، وكل التشرد والبؤس الذي لحق ويلحق بالشعب السوري كان هدفه الرئيس تحقيق أهداف استراتيجية لإسرائيل وحلفائها الغربيين، وأن أولئك لا يعملون إلا لمصالحهم ولا تعنيهم معاناة الشعوب ولا الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والمظالم وأشكال الاستبداد.. إلخ، وأن مفتاح تغيير مواقفهم من سورية الدولة والنظام، هو تغيير خياراتها واستراتيجياتها، وأن التمهيد الفعلي لتغيير الموقف منها هو: تدمير قوتها وفي المقدمة من ذلك " السلاح الكيمياوي السوري" الذي كان يدخل في مسعى سورية لتحقيق توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني بدأ منذ عقود ولم يتحقق، وجاءت نهاية هذا المسعى بانتزاع ورقة الكيمياوي من اليد السورية لتهدأ بعدها العاصفة الهوجاء..؟!! ومن غير الجائز استبعاد التفكير بأن الكثير من التخطيط والتدبير والتدريب والتسليح والتمويل والتحريض كان لإضعاف سورية وجيشها العربي السوري بالدرجة الأولى وتبديل خياراتها السياسية وثوابتها المبدئية وتوجهاتها القومية – وهذا لا يعني قبول الاستبداد والمظالم والممارسات المريضة فيها - وقد أدى ذلك كله إلى تحقيق الهدف الأساس، وبأيدي سوريين وعرب ومسلمين، وهو إضعاف سورية وجيشها والسيطرة الغربية ـ الصهيونية على السلاح الكيمياوي وتدميره، وسواء أكان يخطط لتحقيق ذلك بالتدخل العسكري الخارجي المباشر الذي حال دونه عملياً، رغم تهالك سوريين وعرب والجامعة المسماة عربية ودول غربية من خلفها إسرائيل عليه، الذي حال دونه عملياً هو الفيتو الروسي ـ الصيني المتكرر، وموقف الدولتين الثابت من الأزمة السورية وسبل حلها، وهما العضوان الدائمان في مجلس الأمن الدولي.. ولكن الهدف ذاته تحقق أخيراً بعد الحشد الأميركي الذي تم للقيام بعدوان مدمر على سورية، خارج مجلس الأمن الدولي، وبخروج أميركي معهود على الشرعية الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة.. إلخ، الأمر الذي هدد سورية بمخاطر كبيرة وهدد العالم بزلزلة سياسية وأمنية دولية قد لا تتوقف عند حدود المنطقة.. وهكذا جاء تدمير الكيمياوي السوري لتلافي التدمير الأعم الذي كان يستهدف الجيش العربي السوري وبنية الدولة السورية ومؤسساتها ومستقبل البلد وأجياله.؟!

نحن اليوم أمام استحقاقات سياسية شبه محتمة، وأمام مساع دولية لحل الأزمة السورية سياسياً وهي تأخذ بالاعتبار أوضاعاً في المنطقة، ومصالح دولية متنوعة، وحقيقة أن التوازن الدولي قد تغير، فقد تزلزل القطب الأميركي الذي كان يحكم السياسة الدولية ويتحكم بها وحيداً مدة تزيد على عشرين سنة، ونشأ فعلياً قطب دولي مواز ذو أرضية اقتصادية قوية وقدرات أمنية وعسكرية وبشرية لا يستهان بها، وهكذا تحقق عملياً توازن نسبي في العلاقات الدولية تمخضت عنه الأزمة السورية أو ساهمت في إنضاجه، ولم يعد من الممكن القفز فوقه، إنه ذو حضور اقتصادي من خلال مجموعة بريكس، ولا تغيب عنه مفاعيل تجمعات دولية أخرى في آسيا وأميركا اللاتينية على الخصوص عمادها أو سندها روسيا الاتحادية والصين، وهو ذو قوة ضاربة روسية تثبت تقدمها ولا تقف بعيداً عنها دول إسلامية ذات قدرات قتالية بارزة مثل إيران.. وهذا ما ينبغي أن يوضع في الاغتبار عند مقاربة الحلول السياسية من جهة وبناء سورية وإعادة إعمارها بعد أن يتم التوصل إلى حل سياسي إن شاء الله.

وأمام هذه الأوضاع المأساوية كافة بكل تشعباتها وأبعادها، وأمام والاستحقاقات السورية والعربية والإقليمية والدولية التي باتت واضحة وشبه مؤكدة، يترتب على السوريين المنتمين حقاً وصدقاً لأمة وعقيدة وثقافة وحضارة وعلى المسؤولين المعنيين منهم بهويتهم ووطنهم ومواطنيهم وبمستقبل أجيالهم وبعدالة وحرية وكرامة لكل الناس، عليهم من جهة، وعلى المسلحين الذي يقاتلون في سورية تحت شعارات متعددة وتتضارب معظم أهدافهم وتتقاطع أسلحتهم، ويحملون أفكاراً متضادة تنعكس سلباً على بنية الدولة السورية المستقبلية وتوجهاتها وعلى مسارات الحكم وأساليبه ومآلاته، عليهم جميعاً من جهة أخرى.. عليهم أن يعودوا إلى أنفسهم وعقولهم وضمائرهم وأحكام دينهم مرجعياتهم المستقلة، ليقوموا بمراجعة شاملة عميقة ومسؤولة تأخذ بالاعتبار كل ما تم وما ظهر وما خفي مما يمكن الاستدلال عليه، وما تحقق نتيجة الاقتتال المدمر وما نتج عنه، وما ألحقه كل ذلك بهم وبسورية وبالعروبة وبالإسلام من كوارث وآلام وتشوهات ونكبات وضغائن وأحقاد وخسائر مادية ومعنوية لا تحصى، وما عاد من كل ذلك أو بسببه على أعداء الأمة، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني، من مكاسب استراتيجية وسياسية واقتصادية. إن هذا من الأمور التي يحتمها العقل والوعي والدين والالتزام الجتماعي والوطني والقومي، لكي يحتكم إلى السلاح من يستمر بالاحتكام إليه، من بعد ذلك، عن بينة.. ويتراجع عن الاحتكام إليه عن بينة، ولتشكل تلك المراجعة المسؤولة مدخلاً راشداً للتفاوض والتفاهم والتعاون والعودة إلى حضن الوطن وسلاح العقل والحكمة، أو لتشكل العكس على ثوابت يقرها العقل والدين.

لا يمكن الاقتتال إلى الأبد من أجل انتصار جَيشان الدم والحقد والثأر والانفعالات الهوجاء في العروق، ولا يحق لمتقاتلين مهما كانت مواقفهم وأهدافهم وعقائدهم أن يتناسوا أن معظم من يلحق بهم الموت والدمار والإعاقات والعاهات الدائمة والتشرد والأذى جراء اقتتالهم، هم مواطنون وبشر وضحايا، ليس لهم رأي ولا موقف ولا يد في كل ما يجري، وهم لا يوافقون عليه ولا يختارونه سبيلاً وحيداً لإحقاق حق أو إبطال باطل.. ولا يجوز ل}لئك إلحاق كل هذا الأذى والضرر بهم وبممتلكاتهم وبمستقبلهم ومستقبل أبنائهم لمجرد اختيار ذلك الفريق من الناس طريق العنف والموت والتدمير والإرهاب والشر والبؤس وسيلة وأداة ودرباً للوصول إلى ما يريدون، حتى لو كان بعض ما يريدون هو الحق، فللحق طرق توصل إليه، وعند اليأس من كل تلك الطرق والسبل والوسائل يُحتكم إلى العقل والشرع وإجماع الناس على أمر ورأي وموقف ليكونوا شركاء إما بصورة مباشرة وإما بصورة غير مباشرة عن طريق ممثلين مختارين بحرية يمارسون دورهم ومهامهم بوعي ومسؤولية وحكمة وجدارة وحرية تامة.. إن العدالة المنشودة والحرية والكرامة.. وكل المطالب المرفوعة هي وغيرها من القيم والحقوق شعارت ورايات وموثِّبات قتال واقتتال في معسكرات المقتتلين، كلها لا تبيح لأي كان أن يقتل شخصاً بريئاً تحت ذريعة أنه يريد أن يوصله إلى حقه أو يخلصه من استبداد وظلم فالخلاص لا يكون بالإماتة وإنما بالإحياء مادياً وروحياً، وإلا فهو الإبادة أو نوع منها.؟! ولا بد في نهاية المطاف من أن تضع أي حرب أوزارها ويعود الناس إلى حضن الأمن والسلام وعلاقات المواطنة وربما إلى التقوى بمعانيها وأبعادها كافة.. ألا هل من سبيل إلى ذلك ونحن في معمعان الخطأ، بل في معمعان الإثم القتال والاقتتال المدمر المستمر. ألا هل من سبيل إلى مراجعة مسؤولة والتوقف الواعي عند استحقاقت كثيرة ونحن على أبواب عرفات.؟! أسأل الله تعالى، ونحن على أبواب عرفة مع جموع حجاج بيت الله الحرام، أن يهدينا إلى ما فيه الخير، لنحقن الدم، ونوقف تدفق البؤس واليأس، ونحكِّم العقل، ونعود إلى الشرع والعقل والحكمة.. وهو سبحانه من يهدي إلى سواء السبيل، وهو القائل سبحانه وتعالى: ﭽ ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ   ﯭ    ﯮ  ﯯﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ      ﯴ  ﯵ  ﯶ   ﭼ البقرة: ٢٦٩   

  دمشق في 11/10/2013

 

                                                                علي عقلة عرسان