خبر ضعف كبير الجيل- هآرتس

الساعة 08:54 ص|08 أكتوبر 2013

بقلم: إنشل بابر

في نهاية 1971 استقر رأي الحكومة على انشاء نظام خدمة وطنية تتطوع في اطاره نساء متدينات شابات لم يُجندن للجيش الاسرائيلي. وفي رد على ذلك نشر حاخامون حريديون فتوى قاطعة قالت إن الخدمة الوطنية للنساء هي وسيلة يمكن أن تفضي الى الخطيئة الفظيعة وهي زنا المحارم، و"تُسبب والعياذ بالله فسادا شديدا للبنات وإفساد عائلات في اسرائيل". ووقع على الفتوى عشرات الحاخامين الحريديين كان أحد البارزين فيهم هو الحاخام الرئيس لتل ابيب ويافا، الحاخام عوفاديا يوسف.

ودُفعت النواة الاولى للخدمة الوطنية وكانت 22 شابة قد بدأن عملا تطوعيا في حتسور الجليلية، الى ازمة شديدة بعقب فتوى الحاخامين القاطعة. بل إن عددا من البنات أخذن يُقدرن الترك بضغط من عائلاتهن. وخشي رئيس المجلس المحلي، شموئيل دنينو على مستقبل الخطة وسافر الى تل ابيب والتقى مع الحاخام فبيّن له أن البنات يؤدين دورا مهما في جهازي التربية والرفاه في ذلك المكان وأنه يصاحبهن حاخامون وعاملون في التربية يهتمون بالحفاظ على مستواهن الروحي.

واقتنع الحاخام عوفاديا بالاتيان ليرى بنفسه، وبعد شهرين اتجه شمالا الى حتسور فالتقى مع البنات والعاملين في البلدية وحاخاميها – وأُسر. "رأيت عملكن واقتنعت بأنه عظيم ومهم"، قال في حديث متأثر الى المتطوعات، "أنا أبارككن كبناتي". ونشرت وسائل الاعلام العامة بابراز هذا الكلام ووجه الحاخامون الحريديون غضبهم على يوسف للخروج عن المُجمع عليه. وبدل أن يُصر على موقفه نشر رأيا في صحيفة "هموديع" كتب فيه أن "حظر الخدمة الوطنية ما زال على حاله"، وإنه لم يُفتِ في حتسور بل نقل الامر فقط الى لجنة خاصة مؤلفة من ثلاثة حاخامين.

هناك مكان في الايام الاخيرة – حينما ستُذكر مرة بعد اخرى الفتاوى المعللة والجريئة والتقدمية للحاخام عوفاديا يوسف – لأن نذكر الى جانبها ايضا مئات الاقوال المرتجلة، والانطواءات والحالات التي حاول فيها السير بين قطرات المطر بكل ثمن كما كانت الحال في القصة المذكورة آنفا.

إن عددا من الأساطير المتصلة باسمه حينما كان حياً، والافراط في التمجيد الذي سيُصب عليه الآن مع رحيله، يقوم على حقائق: أجل لقد وُهبت له كل المزايا التي تجعل طالبا من الاوساط، عبقريا في التوراة وهي الذاكرة البالغة القوة، والتخصص العظيم وقدرة على الدراسة لا تكل، وقدرة على التحليل بين آراء مختلفة وشجاعة في الفتوى. وكانت له ايضا معرفة واضحة بخصائصه وايمان عميق بأنه مُهيأ للقيادة ولأمر شعب اسرائيل بأحكام الشريعة.

لكن برغم هذه القدرات النادرة التي تظهر مرة واحدة في الجيل في عالم المدارس الدينية، ولا تظهر دائما ايضا، فان التغيير الذي أحدثه في حياة الدولة كان ضئيلا. أصبح الحاخام عوفاديا في الحقيقة حاخاما رئيسا وزعيم حزب كبير وأشهر زعيم روحاني في اسرائيل مدة عشرات السنين. لكنه لم ينجح في واقع الامر برغم مواهبه وقدراته في تحقيق أهداف مهمة في كل مجال عمل فيه تقريبا اذا استثنينا كتابة الكتب.

ربما يستمرون في عدد من المدارس الدينية، لكن في القليل منها فقط الآن، على تعلم فتاوى الحاخام عوفاديا يوسف الأصيلة في مئات السنين القادمة. لكن الواقع على الارض وفي المحاكم الدينية التي تبت المصائر في الاحوال الشخصية والتهويد ما زال القضاة يعملون بحسب طريقة الفتوى "اللتوانية" المتشددة جدا. وهكذا يسلك ايضا أكثر القضاة من أبناء الطوائف الشرقية الذين يعرفون بمن يتعلق تقدمهم في عملهم. وهكذا كان في أكثر الفتاوى التي صدرت عن الحاخام عوفاديا حينما كان قاضيا في المحكمة حينما كان يواجه دائما تقريبا رأي أكثرية لاثنين من القضاة الاشكنازيين، وهكذا الحال اليوم ايضا.

لا شك في أن الكتب الشرعية الشعبية التي حررها ابن يوسف، وهو اليوم الحاخام الرئيس، اسحق يوسف بحسب فتاواه هي مرشد يومي لآلاف العائلات والطوائف الشرقية. لكن إصراره على أن يهتدي بالحاخام يوسف كارو، والغاء عادات جيء بها من طوائف مختلفة في أنحاء الشرق، كان في نهاية المطاف نفورا شرعيا عند العالمِين يُشك في أن يبقى سنين طويلة. وقد رفض الحاخام عوفاديا ايضا في توجهه الديني الاعتماد على القبلاه والتصوف اليهودي وفضل التمسك بحكمة الظاهر. بيد أن موافقته التي صدرت بتشجيع من آريه درعي على تبني التعاويذ لصاحب القبلاه اسحق كدوري في حملة شاس الانتخابية قد كانت دفعة عظيمة لتثبيت ثقافة أصحاب القبلاه التي نفر منها بصورة شخصية، في المجتمع الاسرائيلي.

ولم يُفض الأمل الذي علقه به اليسار الاسرائيلي بفضل قوله في نهاية سبعينيات القرن الماضي إنه ينبغي التخلي عن اراضي ارض اسرائيل لمنع حرب وسفك دماء، في أي مرحلة الى تمهيد طريق لمسيرة السلام. ففي جميع النقاط المفتاحية خضع الحاخام عوفاديا لمطالب أناسه الذين خشوا من ترك ناخبيهم اليمينيين، وامتنعت شاس دائما أو عارضت في الاقتراعات الرئيسة في الحكومة وفي الكنيست. وهو لم يترك موقفه لكنه لم يعبر عنه بالفعل وعرف دائما أن يعلل ذلك بقوله إن "الوقت غير مناسب لذلك وإنه لا يوجد من يُصنع سلام معه".

ولا يكمن السبب فقط في العنصرية التي تجلت أكثر من مرة بأقوال الحاخام عوفاديا الموجهة على العرب. فقد تذكر الحاخام مشتاقا الايام التي قضاها في القاهرة في نهاية اربعينيات القرن الماضي، وبقي يحب الموسيقى العربية الكلاسيكية بل أكثر، هذا مقارنة بكل حاخام حريدي آخر، من لقاء قادة عرب اسرائيل وممثلين عرب من العالم منهم رئيس مصر السابق حسني مبارك. وأراد الجميع أن يؤمنوا بأن الحاخام خاصة هو الذي سيقود الى زخم سياسي ويقنع مؤمنيه بضرورة اتفاق السلام وامكانه. وقد أراد هو ايضا لكنه كان ضعيفا جدا وغير متسق وخاضعا لتأثيرات. وكان من السهل أن يرضي آخر انسان يتحدث إليه. ولم يوجد وعد وعَد به شمعون بيرس الذي أسرع بالسفر الى المستشفى لوداعه، ومن المؤكد أنه سيؤبنه بكلام حار، وفى به، لا يعني أنه لم يُرد ذلك بل لم يستطع. فقد كان دائما من يشبه آريه درعي أو ايلي يشاي ينجح في منع ارادته من التحقق أو حاخام اشكنازي ما يضغط عليه.

لكن عوفاديا يوسف فشل في خدمة مجموعته من أبناء الطوائف الشرقية أكثر مما خيّب آمال الساسة في الداخل والخارج. كان عندهم في الحقيقة شخصا يُفتخر به افتخارا عظيما لكنه لم يغير بالفعل صورة عالم التوراة. فقد ظلت المدارس الدينية الفخمة والحلقات المعتبرة للبنات اشكنازية كلها الى الآن. ويريد أحفاد الحاخام ايضا كأبناء كبار مسؤولي شاس أن يتعلموا فيها لا في المؤسسات الشرقية التي بقيت في المكان الثاني. وبرغم نواب شاس الكثيرين لم ينجح الحاخام يوسف في مواجهة السبق والترأس الاشكنازيين. وخضع لهم ايضا في مجال أكثر حيوية بالنسبة لأبناء الطوائف الشرقية في اسرائيل برغم أنه منح دعما صامتا لمبادرات اعداد اختصاصي بل اكاديمي في المجموعة الحريدية كمعهد النساء لابنته عدينا بار – شلوم، واستمر يخشى المفتين الاشكنازيين الذين يرفضون هذه المشروعات ولم يدافع عنها قط على رؤوس الأشهاد.

كان يمكن أن يدفع تجنيد الحاخام عوفاديا نفسه بطائفة سكانية كاملة في اسرائيل قدما وأن يساعد على رأب الصدوع في المجتمع الاسرائيلي والدفع قدما بتصور يهودي ديني يلائم نفسه مع مطالب القرن الواحد والعشرين ويظل مخلصا للتراث. فقد كانت عنده القدرات على فعل ذلك لكنه خشي المواجهة. إن الحاخام عوفاديا يستحق التأبين، فقد كان أبرز شخصية توراتية في الحقب الاخيرة، لكن يجدر جدا أن نؤبن ايضا ما كان يمكن أن يحرزه وأضاعه بسبب ضعفه.