خبر خليط مقدسي.. يديعوت .بقلم: يوعز هندل

الساعة 05:16 م|04 أكتوبر 2013

          (المضمون: الوضع في مدينة القدس قُبيل المعركة الانتخابية بين مرشحين من التيار الصهيوني يحاول كل منهما أن يُبين أفضل ما لديه ويتهم الآخر - المصدر).

 

          تبدو ساحة الجامعة في جفعات رم في القدس مضاءة. وتخفق الأعلام والحدائق منمقة. وفي الخلف من ذلك كنيست اسرائيل. في الاسبوع الماضي أوقفتني أوتي اليشيفع مزي بازاء المنظر الطبيعي المقدسي. وصورتني وأنا أردد عدة أسطر لتشجيع تصويت المقدسيين. ترأس مزي منظمة "روح جديدة". جاءت الى المدينة قبل عشر سنوات وهي بنت مسرحية شهيرة ورجل من قرية زراعية أقل شهرة وانشأت مع مجموعة من الشباب منظمة كانت ترمي الى تشجيع الهجرة الصهيونية الى المدينة.

 

          إن النضال عن القدس صعب. وما نراه من جفعات رم هو التوق الصهيوني لكن الواقع مختلف. فالقدس هي نموذج التنبؤ الأكثر اقلاقا لدولة أصبح أكثر من نصف طلاب الفصول الدراسية الاولى ينتمون اليوم الى تيارات غير صهيونية. وهي مدينة مختلطة فيها 62 في المائة من اليهود نصفهم حريديون. والأكثرون لا يجندون والأكثرون لا يقبلون أسماء الشوارع والجادات في المدينة. والصهاينة هم الأقلون والعامل السكاني عليهم.

 

          توجد مزايا للخليط المقدسي لأن التنوع ينشيء طعما وروائح مميزة. فهناك الكنافة الحلوة مع الحمين (نوع طعام لليهود) من مئه شعاريم. والرهبان الملتفون بعباءاتهم وحسيديون من ناتوري كارتا. إن محبي هذه المدينة مثلي يتابعون هذه الرائحة الى كل مكان وبكل ثمن. لكن من المؤسف جدا انه يصعب انشاء سياسة حكومية بالاعتماد على الطعم والرائحة، ويصعب ادارة مدينة ايضا.

 

          ينتمي المتنافسان على رئاسة المدينة الى التيار الصهيوني. وكلاهما ذو قدمين على الارض وكلاهما يفهم جيدا المشكلات في المدينة، وكلاهما يختار بحرص كلماته حينما يتحدث عن قضايا صعبة. وقد التقيت بهما في الاسابيع الاخيرة، ولكل واحد منهما قصة تخصه وطريقته للقيام باستطلاعات الرأي. وهما يقولان ما يتوقع منهما. فنير بركات رئيس البلدية المكلف يدافع عن التطوير الضخم الذي تم في المدينة منذ تولى منصبه، فهو يعرض نصف الكأس المليء، وهذا واجبه. لكن موشيه ليئون يهاجم بركات بسبب ما هو غير موجود وهذا حقه، فهكذا هي الحال في كل معركة انتخابات.

 

          ونشر ليئون اعلانات بالحاجة الى تطوير أحياء والى تربية أفضل والى علاقة أفضل بالسكان. وكلماته منقوشة في الصخر وكل ذلك صواب. وهو صواب دائما في كل مكان وكل مدينة. وهو لم يقدم تفسيرا جيدا يُبين لماذا يُستبدل ببركات. وإن ميزته ونقصه الأكبرين هما قاعدة الدعم لأن افيغدور ليبرمان يقف وراء ليئون ومن ورائهما المصوتون الحريديون. هاجر ليئون الى القدس من جفعتايم لأجل الانتخابات. ويزعم بركات أن المقدسيين لا يحبون لاعبي الشراء ولا يحبون من يبلبلونهم ايضا. ويمثل ليبرمان منذ سنوات صوتا علمانيا وإن صلته بالحريديين للاستيلاء على المدينة يصعب هضمها. يشاهد فريق من المقدسيين مسلسل "بيت الأوراق"، وهم يحبون أن يروا الألاعيب السياسية في التلفاز وراء الشاشة. لكنهم في مدينتهم يريدون "بيتا حجريا"، ويفضل أن يكون من حجارة مقدسية.

 

          يوجد في هذا التوجه بالنسبة لليئون اظهار سذاجة ما. إن الساسة في القدس يريدون اصوات الحريديين دائما وحينما لا يحظون بدعم رجال الدين يصبحون بديلا فجأة. وليئون صهيوني متدين. حينما التقينا وعد بأنه ليس له التزام للحريديين فهو لا ينوي مثلا ان يعارض فتح دور سينما في أحياء علمانية. وهو يقدس الوضع الراهن بيد ان المشكلة هي ان الوضع الراهن لا يقدسه. فالواقع في القدس يتغير حتى حينما لا يستقر الرأي على شيء. إن الاولاد يولدون والمقدسيين القدماء يغادرون.

 

          يقع مقر انتخابات ليئون في مدخل المدينة في داخل مبنى متواضع، ومكتب بركات في مبنى البلدية. ولا يمكن من نوافذهما أن نلاحظ عدم وجود حكم في شرقي المدينة وعدم القدرة على اتخاذ قرار. تنزهت قبل بضعة اشهر في جبل الزيتون على مبعدة بضعة أمتار تحت الجامعة العبرية وعلى مبعدة خمس دقائق سفر عن وزارة القضاء، التي هي رمز القانون والنظام. وقد رموني بالحجارة مرتين في الطريق، فقد كنت بالنسبة اليهم يهوديا زائدا. والحجارة تُحدث شعورا غير طيب وحينما تصيبك يمكن أن تُحدث حادثة مسلسلة سياسية. يصعب أن نجد مراكز سياحة اخرى في العالم يحدث فيها هذا. ويصعب ايضا أن نجد مدنا يوجد فيها قيود بناء على أحياء كاملة. إن أكثر الاسرائيليين يرون أن القدس اجماع. فمدينة داود وجبل الزيتون أعظم أهمية من غربي المدينة في التراث اليهودي. لكن الفرق بين الكلام السامي عن القدس وبين ما يجري على الارض لا يمكن تصوره.

 

          واليكم تناقضا منطقيا آخر: منذ بُني جدار الفصل في القدس يحكم رئيس البلدية أحياءا عربية لا يجوز له دخولها. وفي يوم الغفران الاخير دخلت قوة من حرس الحدود قرية عناتا لفض نزاع بين عائلات محلية. وفي دقائق معدودة رُجمت سيارات الشرطة بالحجارة واشياء في متناول اليد وهربت السيارات سريعا الى الخارج وبقيت العائلات لتحل المشكلات بنفسها. إن نصف قرية عناتا هو في نطاق المساحة البلدية للقدس والسكان يعتبرون مقدسيين ويحصلون على اموال التأمين الوطني ويفترض أن يدفعوا ضرائب الى البلدية، لكنه لا يوجد ذكر هناك بالفعل لدولة اسرائيل، فنحن نخدع أنفسنا.

 

          حُددت حدود القدس البلدية في 1967. وأعد غاندي الخرائط ووقع عليها الوزير شبيرا من المفدال. واتسعت القدس بحسب طلبات من الجمهور وهكذا أصبحت قلندية البعيدة حيا مقدسيا بعد أن أراد تيدي كوليك مطارا كالذي في تل ابيب، وهكذا كادت تصبح بيت لحم جنوبي المدينة حينما أراد موشيه ديان أن يضمها الى القدس. وكان الذي عارض ذلك بشدة هو الوزير بلا حقيبة وزارية مناحيم بيغن. فقد زعم أن ضم مناطق بعيدة الى المدينة اشارة الى العالم أننا نتخلى عن سائر الارض. واستطاع بيغن أن يكون ثلاث سنوات في الحكومة الى أن كانت مبادرة روجرز. وقد يكون سلوكه أنقذ خزينة البلدية حقبا متطاولة.

 

          حاول بركات في بداية ولايته لرئاسة البلدية أن يضع مسألة القرى خارج الجدار على الطاولة، فالسؤال مُلح والنقاش مُلح. وتراجع بركات عن ذلك في اللحظة التي أدرك فيها أنهم يتهمونه باليسارية. وفي القدس لا يُعرضون أنفسهم للخطر عبثا، ومنذ ذلك الحين لم يعد أحد يشغل نفسه بذلك، لا في الحكومة ولا في القدس في ايام معركة انتخابية. ومن الصحيح الى الآن أن العرب من سكان المدينة يقاطعون الانتخابات، وماذا سيحدث اذا حققوا حقهم في المستقبل؟ إن المرشحين يفضلان توجيه إصبع الى الحكومة بدل الاجابة. إن المقاطعة العربية في هذه الاثناء للتصويت هي ترتيب مريح للجميع: للمرشحين وللدولة اليهودية وللرؤيا الصهيونية، فلا أفكار ولا قلق.