خبر « في اللحظة الحاسمة، يهرب الفلسطينيون دوما »..بقلم: شلومو تسيزنا

الساعة 05:14 م|04 أكتوبر 2013

          (المضمون: العميد اودي ديكل يستعرض فكرته المتمثلة بالتقدم نحو التسوية الدائمة من خلال خطوات يمكن تطبيقها على الارض فتغير الواقع وتثبت حل الدولتين وذلك لان آفاق الحل الدائم الفوري مسدودة لان الفلسطينيين يتحملون المسؤولية فيها كونهم يهربون كلما تطلب الامر قرارات صعبة - المصدر).

 

          تسعة اشهر. هذا هو الوقت الذي خصصه المفاوضون بين اسرائيل والفلسطينيين برعاية الامريكيين لتحقيق اتفاق سلام. اذا تحقق اتفاق دائم، فان العميد احتياط اودي ديكل سيأكل القبعة. ولكن اذا سألتم ديكل الذي رافق عن كثب وبشكل مكثف المحاولات المختلفة لعقد مفاوضات مع الفلسطينيين على مدى عقدين من الزمان، فان احتمال ذلك طفيف. وجراء ذلك فانه يؤيد فكرة التسوية الانتقالية مع الفلسطينيين، الى جانب مسؤولين كبار آخرين مثل يوسي بيلين.

 

          يرافق ديكل المحادثات مع الفلسطينيين عن كثب منذ سنوات طويلة. وهو اليوم يقوم بمنصب باحث زميل كبير في معهد بحوث الامن القومي في تل أبيبن ومؤخرا رفع الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كتابا يقع في 1.600 صفحة، يجمع كل خلاصات المباحثات التي دارت بين اسرائيل والفلسطينيين منذ الازل.

 

          في الاعوام 2007 – 2009 شغل ديكل منصب رئيس مديرية المفاوضات مع الفلسطينيين في حكومة ايهود اولمرت. وقرر اولمرت، تسيبي لفني وايهود باراك تعيين ديكل بعد أن تسرح من الجيش برتبة عميد في منصب رئيس الدائرة الاستراتيجية. قبل ذلك شغل منصب مساعد رئيس الاركان، للتسويات السياسية. ويتبين أنه يوجد منصب كهذا، محفوظ للمسؤول من جانب الجيش الاسرائيلي في مداولات المفاوضات، ودوره ان يقدم زاوية النظر الامنية، التي هي جزء جوهري في مسألة التسويات السياسية. قبل ذلك شغل ديكل منصب رئيس قسم البحوث في سلاح الجو وممثل سلاح الجو في المباحثات على التسويات السياسية.

 

*     *    *

 

          "لقد بدأ اوسلو نهج مسيرة"، يشرح ديكل في مقابلة خاصة معه، "نهج التقدم مرحلة إثر مرحلة. هذا الطريق لم ينجح. ايهود اولمرت غير النهج. فقد جاء وقال: "كفى الانشغال بالمسيرة، هيا ننشغل بمسألة الانهاء، مسألة التسوية الدائمة. نقرر ماذا نريد في التسوية الدائمة، وعندها نرى كيف نصل الى هناك". كانت هذه فكرة قمة انابوليس: البحث في التسوية الدائمة، ولكن مواصلة التقدم في ضوء خريطة الطريق.

 

          "في أنابوليس شكلنا 12 لجنة، بحثت فيها مسائل في مواضيع الاقتصاد، البنى التحتية، جودة البيئة، معابر الحدود، نقل المياه، مسائل قانونية مختلفة مثل اتفاقات التسليم، وكذا موضوع السجناء الفلسطينيين، احدى اللجان بحثت حتى في ثقافة السلام. في كل المواضيع توصلنا الى توافقات. ونسقت عمل الطواقم تسيبي لفني. وقد ادارت المفاوضات بشكل جد مسؤول وجد جدي. فحصت كل شيء بشكل عميق. لم تركض بسرعة شديدة، لم تتعهد بامور لا يمكن التعهد بها. من جهة اخرى، خلقت ثقة لدى الفلسطينيين في أنها تسعى حقا للوصول معهم الى اتفاق. كان هذا جد هام، إذ خلق نهجا ايجابيا في الغرف التي جرت فيها المحادثات".

 

          ويقول ديكل ان "موضوع القدس لم يبحث في الطواقم. اولمرت وضعه في النهاية على الطاولة. اقترحت خطة تخصيب المدينة حتى مستوى اسماء الشوارع. اساس خطة تقسيم القدس كانت الاحياء اليهودية تكون في الطرف الاسرائيلي، والاحياء العربية في الطرف الفلسطيني. وقد اقترحوا تقسيم البلدة القديمة وخلق جهاز بلدية مشتركة. في الحوض التاريخي جرى الحديث عن مكانة خاصة، تضم الحرم، جبل الزيتون، جبل صهيون ومدينة داوود. وتتم ادارة المنطقة بواسطة طرف ثالث: تقام قوة دولية تستخدم قوة لحفظ النظام في تلك المنطقة. مثلا، قائد امريكي ونائبين، اسرائيلي وفلسطيني. بالنسبة للحرم، تقرر ان تبقى الادارة في ايدي الاوقاف، والسيطرة الامنية في ايدي قوة دولية. من ناحية السيادة تقرر الا يتقرر. لا هم ولا نحن نتخلى عن السيادة. نحن نطالب بالسيادة على المكان، والان، بحكم سيادتنا نحن نعطي صلاحيات لهيئة ثالثة في المكان". والنتيجة بالطبع معروفة. "لم نحقق شيئا، لان الفلسطينيين قرروا الهرب"، يدعي ديغل. "في اللحظة التي وضع اولمرت الامور على الطاولة، مع اقتراح سخي برأينا قرروا الاختفاء. لم يرغبوا في أن يقولوا نعم ولا ان يقولوا لا. امتنعوا عن قول لا إذ ارادوا أن يجمعوا كل المرونة التي وضعتها اسرائيل على الطاولة.

 

          "نحن نحب جدا اتهام أنفسنا، ولكن الطرف الاخر مذنب بقدر لا يقل عنا في أنه لا توجد تسوية. في كامب ديفيد، مع عرفات – باراك – كلينتون وكذا مع اولمرت، الطرف الاخر رفض قبول الامور التي سرنا فيها نحوه. في كل مرة وصل الامر فيها الى نقطة الاختبار، كان الفلسطينيون يقررون الا يتخذوا القرارات الصعبة".

 

          وأولمرت؟

 

          "اولمرت من جهته أخذ كل الرزمة وسعى الى أن يستخدم فيها لعبة "اعطِ وخذ". عندها نحن نتنيازل قليلا في الارض وهم يتنازلون في الامن. الفلسطينيون من جهتهم ارادوا أن يأخذوا اقتراح اولمرت ويفككوه عائدين الى البحث في الـ 12 لجنة التي أقمناها في أنابوليس، وهكذا يستمتعون من كل المرونة الاسرائيلية، دون أن يعطوا شيئا بالمقابل".

 

"لا توجد زعامة"

 

على حد قول ديكل، "الفلسطينيون لم يرغبوا في الوصول الى اتفاق مع اولمرت. بعد ذلك ادعوا بان السبب في أنهم لا يأخذون بالاقتراح هو أن اولمرت لم يبقَ في منصب رئيس الوزراء، وان من سيأتي بعده أغلب الظن سيكون نتنياهو وليس لفني. وبالنسبة لنتنياهو، لم يصدقوا بانه سيوافق على تطبيق الاتفاق الذي اقترحه اولمرت، وبالتالي ما الذي سيكسبوه من أنهم وافقوا على اقتراح اولمرت. سينشا وضع تنكشف فيه الخطة، ويعتبر ابو مازن خائن، وذلك لانه ستنكشف كل المرونات الفلسطينية، والاتفاق لن يتحقق.

 

"عندما تأتي اللحظة الحرجة التي يتعين فيها اتخاذ القرارات الصعبة لا توجد هناك القوة، الزعامة او الدافعية لاتخاذ القرارات الصعبة"، يقرر ديكل، "وعندها يمكن أن نجد بسهولة مصلحة ما في تجميد المسيرة وكسب ما يمكنك ان تكسبه في تلك اللحظة. ومنذ عهد اولمرت قرر الفلسطينيون بانهم يتوجهون الى اللعب في الساحة الدولية. هناك يعتقدون بانه سيكون لهم اسهل ان يكسبوا قدرا أكبر".

 

يشرح ديكل بان الفلسطينيين يدعون بان لديهم "حقوقا طبيعية" على البلاد، وانهم لا يحتاجون الى شيء من اسرائيل. بزعمهم، جاءت اسرائيل من موقف قوة المسيطرين مع الجيش القوي، ولكنهم يأتون مع الحق الطبيعي. والان، مع حقهم، يأتون للحصول على الاعتراف من الاسرة الدولية".

 

هذا بقي حتى اليوم.

 

"نعم، اليوم ايضا دخولهم الى المفاوضات هو للاثبات بان اسرائيل ليس شريكا، ان اسرائيل غير مستعدة للتقدم. ومن التسريبات التي تخرج من الطرف الفلسطيني منذ الان نفهم بانه حسب ادعائهم اسرائيل غير مرنة بما فيه الكفاية ولا تتحرك بما فيه الكفاية بالاتجاه الذي هم معنيون به في المحاثات. هذا الميل واضح وهو يستهدف اعداد الارضية كي يتمكنوا بعد ذلك من أن يقولوا للاسرة الدولية: "نحن حاولنا، اسرائيل غير مستعدة للتقدم والوصول الى تسوية. وبالتالي تعالوا اعطونا ما نريد".

 

"انا لا أرى احتمالا في أن نتوصل الى تسوية دائمة"، يقول ديكل، "الفوارق في المواضيع الجوهرية لم تتقلص من فترة المفاوضات في حكومة اولمرت حتى المفاوضات مع حكومة نتنياهو، بل اتسعت فقط".

 

تصميم الواقع

 

          اودي ديكل هو صاحب جملة "ما يتفق عليه، يطبق"، ذاك الشعار الذي في الاشهر الاخيرة يتردد على لسان من يسمون "رجال اوسلو" ممن يؤيدون اتفاقا انتقاليا مثله. "صحيح انا صاحب هذه الجملة وقد غضبوا قليلا مني حين قلتها في حينه"، يعترف، ويسارع الى شرح الفكرة التي خلفها: "القاعدة التي ادارت الاتصالات مع الفلسطينيين في عهد ايهود اولمرت كانت ان لا شيء متفق عليه الى ان يتفق على كل شيء. الفكرة التي تقبع في اساس هذا النهج كانت خلق مرونة في غرفة المفاوضات. عمليا، خلقت تصلبا. فهمي هو أنه من أجل تغيير الواقع يجب القيام كل الوقت بخطوات تغير الواقع. وعليه فان فكرتي تقول اننا اذا اتفقنا على شيء ما، مثلا، اليوم يمكننا أن نوافق على موضوع المياه، فلماذا لا نطبقه؟

 

          "اللعبة التي لا تستعد انت فيها لان تتنازل عن اي شيء طالما لم يكن اتفاق دائم، غير ذات صلة. نهجي ونهج من كانوا في الماضي مشاركين في المفاوضات هو أن احتمال التوصل الى تسوية دائمة طفيف. والان، طالما يوجد احتمال ايجابي في المفاوضات، فتوجد امكانية لبناء بديل".

 

ويقترح ديكل فحص امكانية التسوية الانتقالة او "الخطوة الذاتية"، على حد تعبيره. "التسوية الدائمة تبقى الهدف النهائي، ولكن يجب أن نقرر باننا سنغير الواقع على مراحل. توجد لنا مصلحة اسرائيلية لاقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة وتثبيت حل الدولتين. إذن تعالوا نصل الى هناك وبعد ذلك نعدل التفاصيل.

 

"لا حاجة لتقرير الحدود بل فقط مبدأ الحدود"، يواصل تفصيل الفكرة. "نحن صباح غد يمكننا أن نقيم للفلسطينيين دولة تضم أكثر من 60 في المائة من اراضي الضفة الغربية، دون أن نخلي اي مستوطنة، مع حرية حركة كاملة لهم، مع خلق سيطرة كاملة لهم في المجال. صحيح أن هذه ليست دولة بالشكل الكامل من السيادة، ولكن هذه قفزة ذات مغزى من وضعهم الحالي".

 

"مفاهيم "احادي الجانب" و "فك الارتباط" هي غير شعبية، ولكننا ملزمون بان نخطط ايضا خطوات احادية الجانب كخيار ذي صلة. نحن نعنى بالتخطيط الاستراتيجي في محيط متغير. لم يعد ممكنا تخطيط شيء ونقرر باثر رجعي ما هو الهدف. الخط الجديد يجب أن يكون أنه في كل نقطة زمنية عليك أن تخلق لنفسك اكبر قدر ممكن من الخيارات التي تتضمن الامر الاساس.

 

"الان الاساس هو الحفاظ على اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وتثبيت حل الدولتين. بالنسبة لهذين المبدئين يوجد اجماع واسع. يوجد عليهما موافقة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومن ائتلافه، وكذا من خارجه. فنحن نحاول منذ عشرين سنة الوصول الى تسوية ولم ننجح. واضح أنه من الافضل تسوية دائمة، ولكن اذا لم يكن هناك احتمال للتسوية، فيجب ايجاد حل يكون جيد لنا. والتسوية الانتقالية ستتضمن ما هو جيد لنا. ليس فيها اي ذكر لعودة اللاجئين. لا تغيير في القدس. نحن نحافظ على الكتل الاستيطانية في سيطرتنا ونقف على خط الجدار الامني. نحن نحافظ على تواجد الجيش الاسرائيلي في غور الاردن. صحيح أن المطالب لا نهاية لها، ولكن نشأ وضع جديد يتعين على العالم ان يواجهه".

 

          ماذا نحقق بذلك؟ انت تسلم ارضا وتتخلى في جملة من المواضيع، النزاع يستمر، لا التزام من الطرف الاخر على وقف السياسة في الساحة الدولية والمواجهة هناك وعلى الارض تستمر؟

 

"الفكرة الاستراتيجية الجديدة تقول على النحو التالي: "هيا نأخذ الادوات التي في أيدينا ونصمم الواقع دون التعلق بما يريده الطرف الاخر. المراوحة في المكان سيئة، وذلك لانك تجميع فقط كل النقاط السلبية دون أن تتقدم في تحقيق اهدافه، مع أو بدون الطرف الثاني"".

 

ويواصل ديكل فيقول ان مسيرة فك الارتباط احادية الجانب عن قطاع غزة لا تشبه خطوات تنفيذ اتفاق انتقالي احادي الجانب في الضفة. أولا، لانه لا يوجد اخلاء للمستوطنات. ثانيا، لانه ستكون سيطرة اسرائيلية في غور الاردن. "نحن لا نفتح الحدود. نحن نمنع كل دخول لوسائل قتالية واناس غير معنيين بدخولهم الى الدولة الفلسطينية. مهما يكن من أمر فان حق الدفاع الذاتي محفوظ لنا واذا كانت حاجة لعمل أمني في نطاقه، سنفعل ذلك".