خبر خطاب نتنياهو: تهديد لإيران وغياب لعملية السلام

الساعة 09:37 ص|03 أكتوبر 2013

أطلس للدراسات

في افتتاحيتها الرئيسية ورداً على خطاب نتنياهو الهجومي في الأمم المتحدة؛ شنت صحيفة "النيويورك تايمز" هجوماً لاذعاً على مضامين خطاب نتنياهو، ووصفته بأنه يدمر ويخرب جهود أوباما الدبلوماسية، على الرغم من أنها لم تختلف مع الحقائق التي عرضها نتنياهو في خطابه، التي تشكك بالدوافع والأهداف الإيرانية من وراء لغة روحاني التصالحية، لكنها حذرت من أن نتنياهو وأصدقاءه المحافظين في مجلس النواب الأمريكي لا يرغبون في منح جهود العالم الدبلوماسية لاكتشاف حقيقة الموقف الايراني فرصة مناسبة ووقت كاف.

لقد جاء خطاب نتنياهو بعد أقل من أربعة وعشرون ساعة من لقاءه مع أوباما، الذي وصف إسرائيلياً بـ "الناجح جداً"، مستشهدين باللغة والنبرة الهادئة التي استخدمها الزعيمين في لقائهما الصحفي الذى أعقب اللقاء المغلق، فقد سمع نتنياهو كل ما يريد سماعه من إطراء لشجاعته في موضوع السلام، وسمع كل ما يمكن أن يطمئن هواجسهم في الموضوع الإيراني، حيث أكد أوباما لنتنياهو أن أمريكا ستذهب للمفاوضات بعيون مفتوحة، وستطالب الايرانيين بترجمة أقوالهم الى أفعال، وأكد له أن رفع العقوبات الاقتصادية الجزئية سيتم فقط في حال التأكد من انصياع ايران وتنفيذها لشروط رفع العقوبات بطريقة يمكن قياسها والتأكد من شفافيتها، علاوة على استمرار التمسك بالتلويح بالتهديد العسكري عبر تأكيد أوباما بأن كل الخيارات لا زالت مطروحة بما فيها العسكري.

إلا أن ابتسامات الرجلين وحرارة المصافحة لم تستطيع أن تخفى عمق الخلافات بينهما في الملف الإيراني، وهو ما يمكن أن يفهم بشكل جلي وصوت قوي من خطاب نتنياهو الهجومي من على منبر الأمم المتحدة.

 

جوهر الخلاف

جوهر الخلاف بينهما يكمن في الأهداف التي يسعى كل منهما للوصول اليها، فبينما يرغب أوباما في حل دبلوماسي يؤمن مصالح أمريكا وأمن إسرائيل، ويؤمن استمرار تدفق النفط، وبالمقابل يعزز تيار الاعتدال في إيران عبر منحهم حوافز ومكافآت في شكل رفع العقوبات الاقتصادية والاعتراف بحقهم في استخدام الطاقة النووية، وربما أيضاً الاعتراف بهم كدولة إقليمية، فإن نتنياهو يصر على أن تقوم أمريكا والغرب بتخليصه من كل هواجسه، عبر حرب بالوكالة عن إسرائيل تؤدى الى تدمير إيران واستسلامها، لضمان بقاء اسرائيل دولة مهيمنة ومسيطرة وحدها على المنطقة  لعشرات السنوات القادمة.

كما أن مشكلة نتنياهو ليست مع ما يقول أوباما، بل مع أوباما نفسه، فأوباما من حيث الأقوال قال في صالح أمن اسرائيل ومصالحها ما لم يقوله أي زعيم أمريكي سابق، وأغدق على اسرائيل رغم أزمة بلاده الاقتصادية دعماً غير مسبوق. لكن نتنياهو لديه ما يشبه الشكوك المرضية تجاه أوباما، وهو يعتقد أن أقوال أوباما ليست إلا ضريبة كلامية لا يمكن التحقق من رصيدها، وعليه فإنه يعتقد أن دور الولد المزعج كثير الزن والتذمر والاشتكاء والتهديد الوقح أيضاً دوراً لا زال مطلوباً خشية نجاح "الاغواء" الإيراني، بسبب الرغبة الذاتية للغرب المتعب من الحروب من القبول بالانخداع.

ويمكن تلخيص أهم نقاط الخلاف بين أوباما ونتنياهو في:

- أوباما لديه الاستعداد للقبول بحق إيران بامتلاك مشروع سلمي للطاقة النووية، بينما نتنياهو يصر على التفكيك الكلي للمشروع النووي الإيراني.

- أوباما لديه استعداد لرفع العقوبات جزئياً في حال تقدم المفاوضات، بينما نتنياهو يصر على استمرار التمسك بالعقوبات، بل ويطالب بزيادتها الى أن يتم التفكيك الكلي لبرنامج إيران النووي.

- نتنياهو يطالب بأن توقف إيران كل أنشطتها النووية قبل الشروع بالمفاوضات، بينما أوباما لا يرى ذلك أمراً ممكناً.

- نتنياهو يطالب بأن يكون التهديد العسكري حقيقياً وملموساً، بينما أوباما يفضل منح الدبلوماسية فرصه أكبر.

- نتنياهو يطالب بجدول زمني مقلص لاختبار النوايا الإيرانية، بينما أوباما يسمح بجدول زمني أطول.

 

عودة الى لغة التهديد

بعد أن أظهر نتنياهو في خطابه الاستعلائي والوعظي كم هو العالم الغربي ساذج، وواهم، وبعضه متواطئ؛ قام بتوجيه رسالة إرهاب وتهديد للعالم، وكان كمن يشبه رجل من عصابات المافيا عندما يضع مسدساً مشحوناً على الطاولة مرهباً الحضور إن لم تفعلوا فأنا سأفعل، وذلك عندما أعلن تهديده الارهابي الوقح "ان اضطرت اسرائيل أن تواجه الأمر وحدها، فستواجهه وحدها".

لقد عاد نتنياهو الى لغة التهديد التي مارسها سويتا مع وزير حربه السابق ايهود باراك منذ عامين، تهديد لا يستهدف إيران بقدر ما يستهدف ارهاب المجتمع الغربي، ارهابه لدفعه باتجاه تبني مواقف أكثر تشدداً تجاه إيران وأكثر تنازلاً وتدليلاً تجاه إسرائيل، وقد نجحت سياسة نتنياهو - باراك في ذلك الوقت نجاحاً كبيراً، حيث دفعت الغرب الى تبني عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، وهى العقوبات التي ربما كانت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على إيران أحد أهم أسباب الحراك السياسي والمجتمعي الايراني الذى نراه اليوم.

وقد فسرت تهديدات نتنياهو في حينه على أنها أشبه بمسرحيه متقنة الإخراج تقوم على الحرب النفسية، أشبه بالتهديد بمسدس فارغ في لعبة "امسكوني كي لا ينكشف عجزي".

ببيد أن نتنياهو يعيد تكرار نفس اللعبة بعودته للتلويح باستخدام القوة الإسرائيلية، التي يبدو أنه لا يملك غيرها، فأمثاله لا يملكون إلا لغة التهديد والارهاب وبث الكراهية وتقسيم العالم، حسب مفاهيم صهيونية عنصرية تضع اليهود في مقدمة معسكر الخير والعرب والمسلمين كأسوأ الأشرار، لكنه لم يتنبه أن العالم سئم أكاذيبه ومل من ألاعيبه، ولم يعد يطيق استغباء نتنياهو له، فالعالم يفتح عيونه على إيران جديدة غاب عنها احمدي نجاد، وان كان نتنياهو يطالب العالم بمحاكمة إيران بناءً على "حقائق" الماضي فإن الأجدر بالعالم أن يحاكم أقوال نتنياهو عن السلام، بناءً على حقائق الحاضر الاحتلالية العنصرية تجاه الفلسطينيين.