خبر بعد عشرون عام ما الذي جنيناه من اتفاقية باريس الاقتصادية..د. ماهر تيسير الطباع

الساعة 07:18 ص|02 أكتوبر 2013

خبير و محلل اقتصادي

 

تم توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية قبل عشرون عاما , بتاريخ 29/4/1994 في مدينة باريس  كأحد الملاحق الهامة لاتفاقية أوسلو و كان من المفترض أن تكون فترة تلك الاتفاقية للمرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات , لكن للأسف الشديد استمرت حتى يومنا هذا.

 

وبعد مرور عشرون عاما على توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية , أصبحت من الزمن الماضي حيث أنها لم تعطى أي فائدة أو تضيف أي عائد على الاقتصاد الفلسطيني , بل ساهم استغلال الجانب الإسرائيلي لبنودها وتفريغها من محتواها وعدم تعديلها وتطويرها بما يتلائم مع المتغيرات الاقتصادية المحلية و العالمية إلى تدهور حال الاقتصاد الفلسطيني و الحد من نموه ونشاطه , كما أن الاتفاقية أضعفت القدرة على الإنتاج واستغلال الأرض والموارد الطبيعية الفلسطينية وتطوير التجارة والصناعة والزراعة و الاستثمار في فلسطين.

 

و ساهمت اتفاقية باريس الاقتصادية في تحجيم دور السلطة وعدم سيطرتها على المصادر الطبيعية و المعابر الحدودية وربطت الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ذات النمو المحدود بالاقتصاد الإسرائيلي القوي ذات النمو الكبير والذي اعتبره  البنك الدولي من ضمن أفضل الاقتصاديات في العالم , مما كان له الأثر الكبير في إضعاف و تدهور الاقتصاد الفلسطيني وحدوث فجوة كبيرة بين مستوى المعيشة لدي الطرفين حيث بلغ الحد الأدنى للأجور في إسرائيل 4300 شيكل شهريا , وهذا يوازي ثلاث أضعاف الحد الأدنى للأجور في المناطق الفلسطينية والذي تم إقراره حديثا وبلغ 1450 شيكلشهريا, وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ 2293 شيكل شهريا للعام 2011 , كما يوجد فجوة كبيرة بين نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي لدى الطرفين حيث بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في إسرائيل 28,930 دولار , بينما يبلغ في المناطق الفلسطينية 1614 دولار , هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية و الأساسية لدى الطرفين.

 

كما ساهمت المعيقات الإسرائيلية إلى ضعف كافة الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية , مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين إلى 20.6%  حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 234 ألف شخص في فلسطين خلال الربع الثاني 2013، منهم حوالي 126 ألف في الضفة الغربية وحوالي 108 ألف في قطاع غزة. , ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بلغ المعدل 27.9% في قطاع غزة مقابل 16.8% في الضفة الغربية , بينما يبلغ معدل البطالة في إسرائيل 6.9% وهذا يوضح الفجوة الكبيرة الموجودة بين نشاط  ونمو الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي.

ومن أهم بنود اتفاقية باريس ربط ضريبة القيمة المضافة بين المناطق الفلسطينية و الإسرائيلية و استخدام الغلاف الجمركي الإسرائيلي , حيث يتحكم الجانب الإسرائيلي بنسب الضريبة المضافة بما يتلائم مع الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل وتبلغ نسبة الضريبة المضافة في المناطق الإسرائيلية حاليا 18% و في المناطق الفلسطينية 16% حيث أن الفرق المسموح بة يجب ألا يتجاوز 2% حسب اتفاق باريس الاقتصادي , ومما يذكر بأن نسبة الضريبة المضافة كانت 14.5% في المناطق الفلسطينية قبل رفع إسرائيل النسبة , و هو ما تسبب في زيادة الأسعار على المستهلكين , و زيادة تكاليف الإنتاج للمنتجات الوطنية  , الأمر الذي أثر بشكل سلبي على المواطنين و حملهم أعباء مالية إضافية دفعتهم في الفترة الأخيرة للتظاهر ضد الغلاء و السياسات الاقتصادية .

 

كما ربطت إسرائيل من خلال اتفاقية باريس الاقتصادية أسعار المحروقات بالمناطق الفلسطينية بالتسعيرة الإسرائيلية , مع السماح بوجود فرق للمستهلك الفلسطيني لا يتجاوز 15% من السعر الرسمي النهائي للمستهلك في إسرائيل , وتحصل إسرائيل على ما يعرف "بضريبة البلو" البالغة 3 شيكل عن كل لتر من مشتقات البترول يباع سواء في "إسرائيل" أو في مناطق السلطة الفلسطينية هذا بالإضافة إلي ضريبةالقيمة المضافة البالغة 18% , و هذا يعني أن كل لتر من مشتاقات البترول يباع في السوق يتحمل ما قيمته 3.5 شيكل و هو ما يشكل 50% من سعر اللتر يذهب لصالح الضرائب , وتعتبر هذه النسبة من أعلى النسب في العالم.

 

كما منحت اتفاقية باريس الاقتصادية الحق للجانب الإسرائيلي بتحصيل كافة الضرائب و الجمارك على الواردات الفلسطينية و على المبيعات الإسرائيلية في الأسواق الفلسطينية ومن ثم تحويل تلك الأموال إلى حساب السلطة , مما أدي إلى  تحكم إسرائيل بتلك الأموال و استخدامها للابتزاز السياسي و هو ما ساهم في أزمة السلطة المالية , كما أدى عدم سيطرة السلطة على المعابر إلى انتشار التهرب الضريبي , وبحسب أحدث تقرير للأونكتاد فإن الضرائب غير المسددة عن السلع المهربة التي تأتي من إسرائيل تمثل 17% من مجموع الإيرادات الضريبية أي نحو 305 مليون دولار في عام 2012 ، وهو ما يكفي لتغطية 18% من فاتورة الأجور التي تدفعها السلطة , و وفقا لاتفاقية باريس الاقتصادية يفترض أن تحول إسرائيل إلى السلطة الإيرادات المتسربة من الضرائب على الواردات المباشرة وغير المباشرة .

 

و المطلوب الآن السعي بجدية لتطوير و تعديل اتفاقية باريس الاقتصادية بما يتلاءم مع المتغيرات الحالية المحلية و الدولية و ضرورة إعطاء أولوية للجوانب الاقتصادية والمعابر في أي اتفاقية سياسية مستقبلية وإعطاء ضمانات بحرية حركة البضائع علي المعابر التجارية وحرية حركة الإفراد علي المعابر الدولية على مدار العام.