خبر انفتاح طهران على أمريكا: مناورة أم تغيير استراتيجي؟!

الساعة 10:16 ص|30 سبتمبر 2013

مركز اطلس

الاستقبال الرسمي والشعبي الكبير لروحاني في مطار طهران بعد عودته من رحلة "الفتح" الدبلوماسي في نيويورك، واستقباله استقبال الأبطال الفاتحين يعبر أولاً عن قناعة ايرانية بانتصار دبلوماسية روحاني، ويعبر ثانياً عن التوق الايراني لرفع العقوبات الاقتصادية التي يبدو أنها أثرت بشكل عميق على جميع أوجه الحياة، ويعبر ثالثاً عن اتفاق معسكري المعتدلين والمحافظين على تبني خطاب معتدل، واجراء تغيير على سياسة طهران الخارجية التي سمحت لروحاني بمهاتفة زعيم الشيطان الاكبر بلغة ودية تصالحية ومتمنياً لبلاده الخير والسلام، اعتبرت مهاتفة تاريخية بعد انقطاع الاتصالات الرسمية بين الدولتين منذ ثورة الخميني.

المتابعون كما السياسيون، بعد أن أسرهم مشهد "هجوم الابتسامات" كما يسميه نتنياهو، وبداية ما يمكن أن يؤسس للحظة تاريخية فارقة، يعكفون الآن على دراسة وتمحيص خفايا التوجه الإيراني، محاولين البحث عن اجابات للأسئلة الكثيرة التي يثيرها المشهد السياسي، ومن بين أهم هذه الأسئلة: هل التوجه الايراني يعتبر مناورة تكتيكية أم تغيير استراتيجي؟ وهل ستنجح إيران في تخفيف العقوبات الاقتصادية دون أن تقدم تنازلات ملموسة؟ ام أن إيران اصبحت دولة حافة نووية وتريد المحافظة على انجازاتها ورفع العقوبات؟

الكثير ينشغل بمحاولة الاجابة على هذه التساؤلات بجدية وموضوعية من الخليج العربي حتى واشنطن، الا اسرائيل التي تستثني نفسها من ذلك جازمة أنها الوحيدة التي تمتلك الاجابات التي تختصر كل ما يحدث بخدعة إيرانية، فهي لا تألوا جهداً منذ أيام في فتح جبهة التشكيك بالنوايا الايرانية والتحريض، وتخشى أن تبقى وحيدة في هذه الجبهة التي تحذر وتصرخ الذئب الذئب، وتخاف أن تقف وحيدة دون أن يلتفت لصراخها أحد.

عودى سيغل المراسل السياسي للقناة الثانية يقول ان اسرائيل تقف اليوم وحيدة أمام هجوم روحاني، ويحذر من خطر خسارة اسرائيل لأهم انجازاتها في حقبة نتنياهو، الا وهو الانشغال العالمي بملف إيران النووي، ودفع العالم تجاه فرض العقوبات الاقتصادية، وأن مهمة نتنياهو باتت صعبة جداً. ناحوم برنيع يقول ان توقيت خطاب نتنياهو (الثلاثاء القادم) سيكون متأخراً كثيراً، بعد أن هربت الخيول من الحظيرة، أما عوزي اراد مستشار الامن القومي السابق لنتنياهو يقول بأن إيران ربما مستعدة لنوع محدود من الشفافية والرقابة على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات، لكنها لا زالت تتمسك بموقف هجومي حاد في موضوع حقها في تخصيب اليورانيوم، وأن ما يقلقه هو التغير والاعتدال في موقف أوباما الذي يعترف بحق إيران بامتلاك طاقة نووية سلمية، ويلاحظ غياب التهديد العسكري أو تهديد فرض المزيد من العقوبات عن خطاب أوباما، ويقول أن مهمة نتنياهو تكمن أولاً في جعل أوباما يتمسك بثوابت خطاباته السابقة حول ملف ايران النووي، وثانياً في تحريض الكونغرس على تبني قرارات تعارض رفع العقوبات، حيث أن أوباما بحاجة لمصادقة الكونغرس على رفع العقوبات.

امنون ابراموفيتش معلق رئيسي في القناة الثانية يعتقد أن إيران حققت الكثير من المكاسب في مشروعها النووي، وهي الآن تريد أن تحافظ عليها وتريد رفع العقوبات. أما روني دانييل المراسل العسكري لنفس القناة فيعتقد أن إيران ربما أصبحت دولة حافة وبإمكانها صنع القنبلة في وقت قصير عندما تقرر ذلك، ولديهم القدرة والخبرة على خداع المراقبين، ومشككا بأوباما يقول "علينا ألا نثق بهذا الأوباما".

مع ذلك فإن ثمة أصوات قليلة في اسرائيل تعتقد أن ثمة تغيير جوهري في سياسية إيران النووية يجب أخذها بالاعتبار، اورى لوبرانى سفير اسرائيلي سابق في طهران يقول ان ما يحدث يعتبر تغيير جوهري مع الكثير من مساحيق التجميل. دان مريدور وزير الاستخبارات سابقاً يطالب نتنياهو بالإنصات للأمريكان، ومحاولة التأثير عليهم، وعدم الاعتداد كثيراً بالقوة الذاتية في مواجهة إيران.

نتنياهو سيلقى يوم الثلاثاء القادم خطاب صد الهجوم الروحاني، بعد أن يكون قد اجتمع مع أوباما وسمع منه وأسمعه المخاوف والمحاذير الإسرائيلية، في لقاءاته السابقة أفصح نتنياهو عن مضمون خطابه الذي سيحمل الكثير من التحذير من الوقوع في الفخ الإيراني، محذراً من نصف الخطوات الإيرانية التي ستشكل لهم سحابة دخان للتغطية على جهودهم المتواصلة لامتلاك سلاح نووي، وقد وضع للعالم أربعة شروط جديدة حيال إيران، الوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم، واخراج كل اليورانيوم المخصب، واغلاق مفاعل قم، ووقف عمليات انتاج البلوتونيوم.

وقبل أن يغادر إلى واشنطن حظر على وزراءه الحديث في الموضوع الإيراني، خشية أن يتسببوا بإحراجه مع أوباما، لإدراكه لمستوى الشعور الفظيع لدى وزراءه تجاه سياسات أوباما حيال إيران.

إن ما يقال عنه في إيران من انتصار "المرونة البطلة" التي وصف بها خامنئي سياسية روحاني، يجب ان يسكرهم بنشوة انتصار دبلوماسي قد يتبخر سريعاً عندما تبدأ أمريكا وبتحريض من اسرائيل مطالبة إيران بالمزيد من البرهنة على حسن نواياها، عبر المزيد والمزيد من الاشتراطات الى حدود المس بالكرامة الوطنية الإيرانية عبر غطاء المفتشين الدوليين، فالمعارك الدبلوماسية أشد قساوة ووطأة من المواجهات المفتوحة، لا سيما عندما يكون نظام الحكم مبنياً على اساس التوافق بين المعتدلين والمحافظين بين الرئاسة والزعامة.

كما أن ما يحدث في إيران اليوم ليس كله مجرد لعبة شطرنج فارسية تستغل التراجع الأمريكي، وتوظف توق العالم الغربي لاستقرار مصادر الطاقة، وتوظف حسبما يقول الاسرائيليون رغبة الغرب بالانخداع لتفضيلهم الاستقرار والاستكانة وتوفير المزيد من الوظائف لمواطنيهم في ظل أزمة اقتصادية لا زالت تخيم؛ بل هو تعبير أيضاً عن حراك ايراني حقيقي، لكنه حراك حكيم معتدل يخلص فيه طرفي الحكم للمصالح الإيرانية، متعظين من تجارب الربيع العربي، فهو تغيير تدريجي في السياسات الداخلية والخارجية، اصلاحية داخلية وانفتاح خارجي مع المحافظة قدر الامكان على كل مكتسبات الدولة الإيرانية، على أن الهدف الأسمى الذى يجمع عليه الجميع في إيران هو رفع العقوبات الاقتصادية، وستركز السياسة الإيرانية على تخفيض الثمن قدر الإمكان، وشعارها رفع العقوبات ولكن ليس بكل ثمن، وهو الأمر الذى سيحدد سقف التفاوض مع أمريكا، والسؤال: هل سينجحان في الوصول الى قاسم مشترك؟ هل سيلتقي الحد الأقصى للتنازل الإيراني مع الحد الأدنى المطلوب أمريكياً؟

كما أن ثمة احتمال كبير في أن نشهد انفتاحاً ايرانياً كبيراً على دول الخليج، فلا معنى لأي انفتاح على الغرب دون أن يرافقه انفتاح على الخليج العربي عبر سياسات تبريد تخفف على الأقل حدة المخاوف الخليجية تجاه سياسات إيران السابقة، فلا ننسى أن الخليج العربي يشارك اسرائيل قلقها من النووي الإيراني، واسرائيل توظف ذلك جيداً وتستغله في حملتها الدعائية.