آخرها حالة قبل عدة أشهر..160 طفلا مجهولي النسب بالقطاع

خبر اللقطاء « بغزة » تحدوا الظروف فتزوجوا من عائلات مرموقة وتفوقوا في دراستهم

الساعة 09:10 ص|28 سبتمبر 2013

غزة-تحقيق عمر اللوح

أصعب شئ في الحياة ان يجد الطفل الصغير نفسه بلا أم ولا أب يساعداه على مصاعب الحياة ويمنحوه العاطفة والحنان ...ولكن الأصعب اان يكون الأطفال بلا أسماء ينتمون إليها ..وارتكب أبائهما خطيئة كبيرة كانت حصيلتها طفل صغير لاذنب له سواء أهواء وأخطاء أبناء يعيشون خلال هذة الأيام بلا رحمة وقد يكون في أحضانهم أبناء آخرين ولكنهم وجدوا في الضوء وليس في الظلام...

أطفال مجهولي النسب ...او "اللقطاء" رغم قلتهم نسبةً بالدول العربية المجاورة لقطاع غزة..الى ان هناك زيادة في اعداد اللقطاء خلال الست سنوات الماضية ليبغ 45 حالة ...ولكن "الطفل" البرئ بحاجة لينقذه من التشرد والضياع ويحاول ان يرسم لهم مستقبلا زاهرا في بحر الحياة المتلاحم ثم يأتي السؤال الذي يطرح نفسه ونطرحه نحن في هذا التحقيق ما هو مستقبل هؤلاء الأطفال؟ كيف سيكبرون؟ كيف سيتعايشون مع زملائهم وجيرانهم ؟ كيف سيتعامل معهم المجتمع ؟ ما هي السبل الكفيلة بتوفير حياة كريمة لهم ولمستقبلهم؟ .

نماذج

الطفل" إسلام " هو الآن في الرابع عشر من عمره وتظهر على وجه طهارة الأطفال وابتسامتهم البريئة رغم انه كما تقول أمه الحاضنة شقي ويشاغب كثيرا، الأم الحاضنة "حنان" تقول:" إنها سعدت جدا أن تشبع غريزة الأمومة، ولذلك عملت جاهدة لتتبنى طفلا يملأ بيتها صخبا وسعادة"، وأضافت: سمعت ان هناك أطفالا مجهولي النسب، فأجريت عدة اتصالات مع الجهات المختصة حتى اكتملت إجراءات الكفالة، وعاش بيننا،....

 أما الطفل "إسلام " فهو بحالة سعيدة فلا يشعر بشيء يمكن ان ينغص عليه حياته، أما حاضنته "حنان" فتتنهد وتقول: "مجتمعنا لا يرحم فهو ليس متعودا على استيعاب طفل بريئ ليس له ذنب"، وتضيف ...هناك شئ يحزني كثيرا فهناك أطفال الجيران الذين كانوا يقولون له ان هذه الحاضنة ليست أمك وإنهم أحضروك من جمعية، ولك ان تتصور ثقل هذه الكلمات على طفل صغير لم يعرف الدنيا بعد".

أما الطفل "كامل"  وجد نفسه محاطا بأسئلة كثيرة  ومعقدة لذلك كان يتوجه الى أمه الحاضنة بالسؤال من هو أبي؟ ولماذا يسبني الأطفال الآخرون ؟ فالحاضنة "نهى" لم تستطع ان تقدم له إجابة غير سوى ضمه الى صدرها، ......الحاضنة "نهى" تقول: " الطفل "كامل" كان يخشى الذهاب الى المدرسة بل يكره ان يراها خشية ان يتلفظ طفل ضده بسوء".

فتقول الحاضنة خلال حديثها ل"فلسطين اليوم" لقد تشاجر مع بعض الأطفال فأحذو يقولون له ......" أنت ابن زنا وابن حرام" الأمر الذي سبب لنا ألما شديدا وقررنا بعد ذلك الانتقال إلي حي أخر لكن للأسف نجد ان الخبر يسبقنا إلي الحي الجديد وتتساءل الحاضنة أليس من حق هذا الطفل الذي حرم نعمة الوالدين ان ينعم بحياة كباقي الأطفال ..أم المطلوب دفعة إلى حياة الجريمة والتشرد ..."

في حين ان الطفلة "عبير" عمرها الآن أكثر من خمس سنوات احتضنتها عائلة ووفرت لها كل أسباب الراحة وعندما زرناها كانت تتعامل بأدب جم وسلوك لطيف، أما الحاضنة " هبة " :"فتقول: "إنها طفلة ذكية ولماحة وقد اندمجت مع الأطفال الآخرين بشكل كبير"، وتضيف: "لا أتخيل في يوم من الأيام انني استطيع فراقها لقد أصبحت جزءا من العائلة".

 وتنفي ألام الحاضنة ان تقبل بإعادة الطفلة في حال ظهور والديها الحقيقيين، فتقول: "لا استطيع ان أتصور ان والديها اللذين قذفاها الى المجهول سيعاودان المطالبة بها فمن الحالات النادرة ان يستيقظ ضمير هؤلاء الذين يتركون الأطفال ضحية لآلام الحياة، بل ربما لا تتوقف الأمور عند هذا الحد اذ قد تتعقد مشكلة الطفل (اللقيط) , فتقول أيضاً ولكن للأسف أن مجتمعنا اليوم لا يرحم، فبدل من أن يشكرنا على قيامنا بالواجب تجاه أي طفل لا ذنب له فنجد الألفاظ النابية والكلمات التي لا ترحم".

الجمعية تعمل على رعايتهم

وفي ذات السياق يقول أحد المشرفين على جمعية مبرة الرحمة والتي تستقبل الاطفال مجهولي النسب بغزة م. حازم النعيزي ان الجمعية أقيمت من أجل رعاية الأطفال مجهولين النسب "اللقطاء" وهي الجمعية الوحيدة الموجودة في قطاع غزة فبدأت عملها بثمانية أطفال منذ العام 1993 ,مشير الى أنه لا يوجد معدل ثابت لقدوم الأطفال مجهولين النسب ، ويقول: "ان أعداد الأطفال في الجمعية يبلغون160  طفلاً تقريباً .

وأشار ل"فلسطين اليوم" أن أخر حالة وصلت للجمعية قبل بضعة أشهر تقريباً فهي تتفاوت وتزيد بين الحين والأخر, وأن هناك بعض الحالات التي لم تيم السيطرة عليها في بداية الأمر وبعد فترة تم السيطرة عليها .

ويؤكد أن الجمعية تهتم بتوفير حياة كريمة للطفل لذلك تعتني الجمعية باختيار الأسر المتبنية للطفل، ولا يبدى مسؤولي  الجمعية قلقهم من ان الطفل قد يقع أحياناً بين يدي عائلة قد لا توفر له أسباب الراحة لسبب عوامل وظروف مختلفة، ويتابع :"إننا نضع كل همنا ان نقدم لهذا الطفل الرعاية الشاملة حتى ينهي تحصيله الجامعي او المهني لكي يتمكن بعد ذلك من الاعتماد على نفسه والانخراط في الحياة بشكل سليم".

ويشير الى أن عدداً من الأطفال الذين رعتهم الجمعية أنهوا التعليم التأهيلي والتحقوا بالمدارس، وهناك نشاطات تقوم بها الجمعية من أجل ضمان أفضل للأطفال وذلك عبر تنظيم دورات مكثفة في عملية الحضانة والتغذية من الصحة وطرق التعامل مع الطفل سلوكياً.

ونوه أن هنالك  اثنين منهم تزوجوا من فتيات معلومات النسب ومن عائلة مرموقة ومعروفة في المجتمع الفلسطيني وعدد كبير منهم التحقوا في الجامعة وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية

 

دور الحكومة

وتؤكد المديرة العامة للأسرة والطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة غزة إيمان عدوان, أن وزارتها تملي اهتماماً كبيراً للأطفال مجهولين النسب "اللقطاء" من خلال المتابعة المستمرة الى الجمعية التي ترعى هؤلاء الأطفال, وتضيف عدوان قائلة  نسعى الى توفير حياة كريمة الى هؤلاء الأطفال من خلال اختيار عائلة مناسبة لهم التي تكون قادرة على رعايتهم في مختلف النواحي.

وأشارت خلال حديث ل"فلسطين اليوم" في حال تدهور الوضع المالي للعائلة التي ترعى الطفل تقدم وزارة الشؤون الدعم المالي للعائلة حتى لا يؤدي الى تشرد الطفل وضياعه داخل المجتمع, موضح أن هنالك أخصائية نفسية تقوم كل شهر بمراجعة العائلة الحاضنة حتى تطمئن على صحة الطفل ولفتت أن أعداد الأطفال بلغ خلال الستة أعوام الماضية من 40 الى 45 تقريباً .

موقف الدين

وفي ذات السياق يوضح الداعية الإسلامي عماد الداية  أن الدين الإسلامي الحنيف دعا الى التعامل مع هؤلاء الأطفال برحمة وشفقة ويكفي أنهم أصيبوا بمصيبة عظيمة؛ والله سبحانه وتعالى أبطل ان يحملوا جرما لم يقترفوه بقوله: (ولا تزر وزرة وزر أخرى ) فالمطلوب من المجتمع ككل ألا تتولد لديه عادات الجاهلية. 

وأشار بل يجب علينا أن نتعامل مع هؤلاء بقربنا منهم حتى نخفف عنهم ما هم فيه وأن نعطيهم كامل حقوقهم حق الأخوة والمحبة وأن نراعيهم، وأضاف الشيح الداية: "لو اننا حسبناهم بذنوب غيرهم ستتولد لديهم بعض العدوانية وسوف يبدؤون بالتفكير بكيفية الانتقام من المجتمع على معاملته لهم بهذا الطريق سوف يؤدي ذلك الى حدوث تشقق داخل المجتمع المسلم وسيكون أداة سهلة من قبل العدو.

يعتمد على الأسلوب التربوي

 ويؤكد الاختصاصي النفسي والتربوي بجامعة الأزهر بغزة الدكتور محمد الأغا: "هؤلاء أطفال لا يعرفا شيئا عن أنفسهم؛ ولكن المشكلة تبدأ عندما يكبر الطفل ويعرف الحقيقة كيف سيكون حالهم وخاصة عندما يصل الطفل إلى المراحل التعليمية ويلتحق في الدراسة وعند الزواج بالأخص تكون صدمة لهم".

ويضيف:" ولكن المسألة تتوقف على طبيعة المجتمع نفسه الذي يجب ألا يذكرهم دائما بذنب هم ليسوا مسؤولين عنه ويكون ذلك من خلال بعض العوامل من أهمها التربية الصالحة والعمل على دمجهم في المجتمع وأن يرسخوا لديهم إنهم أشخاص مهمين ولهم دور بارز في المجتمع بغض النظر عن من هم وهذا بالطبع يتطلب دورا كبيرا من الجهات المعنية سواء في الحكومة او مؤسسات المجتمع المدني حتى يتجاوزوا الكثير من العقبات في حياتهم العملية في المستقبل ويؤدي الى الرقي بهم في جميع مستويات".

وينوه د. الأغا أن من الآثار السلبية المترتبة على الأطفال اللقطاء حينما يتم تبنيهم من بعض الأسر فقد يواجه الطفل اللقيط داخل الأسرة بعض المشاكل فربما يحدث انفصال بين الزوج والزوجة وتكون أوضاعهما الاقتصادية بالغة الصعوبة مما يزيد من حرمانه من العيش بكرامة، وهناك بعض الاسر الأخرى حاولت التخلي عن هؤلاء الأطفال لعدم مقدرتها على إعاشتهم لسبب اكتشافها ان هؤلاء الأطفال يعانون من أمراض مزمنة وغيرها....

هؤلاء الأطفال بإمكانهم ان يعيشوا حياة عادية ومن حق المجتمع ان يساعدهم  ويعينهم ولا يكون حجر عثرة في طريق مستقبلهم؛ لأنه ليس بالضرورة ان يكون هذا الطفل بسبب وجوده في الحياة بهذا الشكل مائلا نحو الانحراف او الاجرام، بل كما يقول علماء الاجتماع والنفس أن المسألة كلها تتوقف على الجانب التربوي والتعليم واحترام المجتمع له؛ لذلك يمكن ان ينشأ الطفل نشأة سليمة ويعيش حياة كريمة والتاريخ ملئ بمثل هذه النماذج.