خبر أوسلو: خطيئة.. وكارثة.. رشاد أبو شاور

الساعة 07:33 م|18 سبتمبر 2013

عقدان من الزمن مرّا على التوقيع الاحتفال الباذخ الهوليودي باتفاق أوسلو في باحة البيت الأبيض يوم 13 أيلول 1993، وبحضور حشد أُريد بزخمه أن يُمنح الحدث مهابة تليق بالبيت الأبيض، وسيده الرئيس كلينتون الذي طمح أن يقرّبه جهده في الرعاية من جائزة نوبل للسلام، ويضع اسمه بجوار اسم الرئيس السابق كارتر (بطل) اتفاق كامب ديفد بين السادات وبيغن.

 

هناك من أطنبوا في امتداح أوسلو، وعمدوا إلى إبرازه كحدث مفصلي تاريخي يدشن مسيرة إنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني، أو كما قُزّم: الفلسطيني ـ (الإسرائيلي)، ويأتي بالسلام إلى (منطقة الشرق الأوسط).

 

الفلسطينيون الذين فاوضوا، وعملوا على التوصل إلى الاتفاق بدوا الأكثر سعادة، ومن سلوكهم المعلن، وتصريحاتهم، وكتاباتهم فيما بعد، أثنوا على ذكائهم، وقدراتهم، ودهائهم في إدارة المفاوضات التي وصفوها بالمضنية، حتى ليهيأ لمن يقرأ (المجلدات) التي كتبوها، أنهم وهم يتنقلون بين العواصم، ويتخفون عن الأنظار في (أوسلو) عاصمة النرويج، تحملوا عناءً أين منه ما تحمله الفدائيون في الأغوار الأردنية، وسفوح جبل الشيخ، والجنوب اللبناني، ومعركة بيروت!.

 

أبوعلاء قريع هو الشخص الأبرز فلسطينيا في مسيرة (أوسلو)، وإن كان أبومازن هو من وقّع في واشنطن على بنود الاتفاق التي لم يعرف منها شعب فلسطين سوى أنها (بشارة) سلام، ووعد بدولة!.

 

مرّت ذكرى أوسلو العشرينية دون اهتمام من أي طرف، فأبرز قادة الكيان الصهيوني يكررون بمناسبة وبدون مناسبة أن (أوسلو) مات، رغم فوائده الجمّة التي عاد عليهم بها.

 

الشعب الفلسطيني الذي يعاني ما يعانيه منذ بدأت مسيرة غزّة ـ أريحا أولاً، اكتشف بالملموس وعمليا أن هذا الأوسلو كان سرابا ألحق بهم وبأرضهم أفدح الخسائر.

 

وحده السيّد أحمد قريع (أبوعلاء) يقف عند جثمان أوسلو، ويعلن بأنه حي يرزق وأن وعوده لم تنته، وأنه لا يجوز دفنه بينما يتمتع بكل هذه الصحة والعافية.. ولا بديل له، وهذا هو الأهم!

 

(أبوعلاء) كان رئيسا للوفد (الفلسطيني) في مفاوضات أوسلو، والمفاوضات المتعددة الأطراف بعد ذلك، ومديرا للبكدار بعد قيام السلطة بين 1994 ـ 1996، هذا ناهيك عن ترؤسه للمجلس التشريعي، ولرئاسة الوزراء، ومناصب أخرى لا داعي للاستطراد في التذكير بها.

 

معه حق إذن أن يحتفي بأوسلو، ويذود عن جثمانه، ويتعامل معه كما لو أنه (أدونيس) في الأساطير البابلية، الذي يموت، ويعود إلى الحياة في كل عام مبشرا بالربيع!

 

تذكرت أوسلو بفضل أبي العلاء، وإلاّ كان سيمّر دون أن يحظى حتى باللعنات على ما جرّه علينا قضية وشعبا، عندما قرأت تصريحا له على صفحات جريدة (الأيام) الصادرة في رام الله، ووكالة معا الفلسطينية، وهي منقولة عن إذاعة (صوت إسرائيل) باللغة العربية بمناسبة عشرين عاما على توقيع اتفاق أوسلو. في تصريحه للإذاعة المذكورة رفض قريع القول بأن أوسلو مات، بدليل أن العلاقات بين الجانبين لا تزال تعتمد عليه!

 

لم يفسّر لنا أبوعلاء ما هي هذه العلاقة، وكيف تسير، وما أثرها على الفلسطينيين وأرضهم وقضيتهم، إنه يمتدح العلاقة وكفى!

 

أضاف أبوعلاء في تصريحه: أوسلو لم يكن خطأ.. تصوروا: بعد كل الخراب الذي جلبه لنا، لم يكن أوسلو خطأ!

 

كتب أبوعلاء قريع خمسة مجلدات كلها تدور حول المفاوضات، وبشائر السلام وأوسلو، هي من حيث الحجم أضخم من كل كتابات ماوتسي تونغ عن المسيرة الكبرى الصينية، وحرب الشعب، وما أضافه ماو نظريا وتطبيقيا حول قوانين التناقض، ناهيك عن أعماله الشعرية التي يتأمل فيها سماء وارض وجبال وأنهار الصين. أخشى أن يفاجئنا أبوعلاء بديوان شعر بعنون (في حب أوسلو) ..طبعا هو غير ملزم بهذا العنوان!

 

سؤالي لأبي العلاء: إذا كنتم لم تتفقوا في أوسلو، وعبر جلسات التفاوض (المضنية) على حل قضايا: القدس، والدولة وحدودها، وحق عودة اللاجئين، والمياه، والأسرى الذين تركتموهم ( رهائن) في يد الاحتلال، والاقتصاد.. فعلى ماذا اتفقتم بعد (الضنى) الذي كابدتموه؟ وهل يستحق ما وقعتم عليه كتابة كل هذه الملجلدات من (الرغي) والإطناب في الوصف للجلسات، والتنقل في العتمة، والحذر من اكتشاف ما تدبرون برعاية الطرف النرويجي الراعي لتلك المفاوضات متبرعا بالمال والجهد حبا بالسلام ونشره في الشرق الأوسط؟!

 

كان السادات قد أعلن بعد حرب تشرين ـ أكتوبر أن 99 ‘ من أوراق الحل هي بيد أميركا، وبناء على المقدمة المغلوطة والمُزوّرة والكاذبة التي تلغي أي دور للشعب المصري العظيم، ولجيشه الجبّار الذي عبر القنال إلى سيناء.. تم وضع مصير ومستقبل مصر بيّد هنري كيسنجر اليهودي الصهيوني، وهو ما أدخل مصر في نفق مظلم، وجرّ عليها التغييب عن دورها، والخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي ما زالت تدفع ثمنه حتى يومنا.

 

نفس الشيء حدث فلسطينيا مع قيادة لم تتعلم، بل وثقت باختيارها بأن أمريكا وسيط نزيه، وأنها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ستبسط السلام في منطقة (الشرق الأوسط)..وهكذا توجهت إلى أوسلو بعد مقدمات سياسية خاطئة.

 

كتب البروفسور إدوارد سعيد في كتابه القيّم (غزة ـ أريحا: سلام أمريكي) ما يلي: ما الغرابة إذا، والحال هكذا، في أن تستسلم الصفوة العربية والفلسطينية لأسطورة أمريكا والوهم الزائف عن أميركا، وليس حتى لأمريكا بوزنها الفعلي!(ص18) ثمّ يضيف موضحا فكرته، وهي التي سبق وكتب عنها الدكتور نديم البيطار كتابه (هل يمكن كسب الولايات المتحدة في الصراع؟): إن دهشتي وعجبي يتزايدان كلما أمعنت التأمل في الافتراضات القاصرة، بل والخاطئة أحيانا، التي تحكم معرفة العقل العربي الرسمي بالولايات المتحدة، وأول هذه الافتراضات وأبرزها أنه يمكن كسب السياسة الأمريكية لصف الشعوب العربية ومصالحها.(ص19)

 

لقد نافح أبوعلاء من جديد عن أوسلو، بعد عشرين عاما من الخراب والتدمير لكل مناحي حياة الفلسطينيين، نافيا أن يكون أوسلو خطأ!. وهذه مكابرة مستهجنة من فلسطيني يعيش في بلدته (أبوديس) الملاصقة للقدس، والذي يصك سمعه هدير الجرافات وهي تدمر بيوت المقدسيين، ويرى بأم العين تغيير معالم القدس حجرا حجرا!.

 

أوسلو لم يكن خطأ حسب، بل كان أفدح: لقد كان وسيبقى (خطيئة) اقترفها من فاوض، ورحّب، وبارك، وشجّع. والمأساة أن هؤلاء جميعا لم يخسروا، ولم يدفعوا من (كيسهم)، ولكنه شعبنا ووطننا وقضيتنا من دفع ويدفع الثمن.

 

يقول أبوعلاء: أوسلو لم يمت والدليل العلاقات بين الجانبين، وهو بهذا يقفز عن طبيعة هذه العلاقة الأمنية التي تصب في خدمة الاحتلال!

 

وصف الراحل إدوارد سعيد المسيرة منذ مدريد: كنت أرى أنها ستؤدي إلى (كارثة) .

 

ولقد وقعت الكارثة بفضل أوسلو يا أباعلاء، والدليل: تهويد القدس، واستفحال الاستيطان، وتدمير الزراعة الفلسطينية، وتحطيم المجتمع الفلسطيني، وزج الألوف في السجون والمعتقلات، والسلطة التي بلا سلطة، والدولة الموهومة التي لا أرض لها، وهذا ما وصفه إدوارد سعيد في كتابه الثاني عن أوسلو بأنه (سلام بلا أرض). فهل بقيت أرض في الضفة يا أبا علاء للدولة؟! وهل يمكن أن تنشا دولة بلا أرض؟!

 

 بعد كل ما جرى: هل كثير أن تعتذروا لشعبنا عن خطيئة وكارثة أوسلو، وتتركوا له أن يقرر مستقبله بإرادته، ووعيه، ووحدته الوطنية التي مُزّقت؟!