خبر بعد عشرين سنة- هآرتس

الساعة 09:03 ص|18 سبتمبر 2013

بقلم: يوسي بيلين

 (المضمون: اذا لم يكن ممكنا في الاشهر القادمة الوصول الى اتفاق دائم او حتى الى اتفاق جزئي في الطريق الى اتفاق دائم، فان الفلسطينيين كفيلون بان يحلوا السلطة التي ولدت في اوسلو ويعيدوا الينا المفاتيح ويرتبطوا باليمين الاسرائيلي الذي يقترح علينا اليوم دولة واحدة - المصدر).

في لقاء عقد بيني وبين تري لارسن، مدير معهد البحوث النرويجي فافو، في 29/نيسان/1992، في ذروة حملة الانتخابات، لم يكن هناك شيء يمكنه ان يتنبأ بما سيأتي في اعقابها. واقترح النرويجي اللطيف خدمات معهده  كي يعقد لقاء بيني وبين فيصل الحسيني، الزعيم الفلسطيني الكبير في شرقي القدس ويحل مشاكل لم تحل في محادثات عقدت في حينه بين الوفد الاسرائيلي وبين الوفد الاردني – الفلسطيني المصطنع في واشنطن. هكذا بدأت المسيرة التي أدت الى اقامة حكم فلسطيني في المناطق، للتوقيع على اتفاق تاريخي بين اسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينية والى المصافحة التي لم يكن ممكنا على الاطلاق تخيلها قبل ذلك – بين اسحق رابين وياسر عرفات – بعد 17 شهرا من ذلك.

حجر الطريق الهام التالي  كان زيارة نائب وزير الخارجية النرويجي، يان ايغلند برفقة لارسن، في اسرائيل في ايلول 1992، بعد شهرين من تعييني نائبا لوزير الخارجية. فبعد وليمة العشاء الرسمية التي عقدتها على شرفه في تل أبيب، عقدنا لقاء سريا، دعوت اليه صديق د. يئير هيرشفيلد، واتفقنا فيه على المبادىء لفتح القناة السرية. في 4 كانون الاول، عندما كنا جميعنا في لندن، اتفق هيرشفيلد على أن يكون المحاور في اوسلو رجل م.ت.ف تونس احمد قريع (ابوعلاء) وبدأت المحادثات بالفعل في اوسلو، حيث انضم د. رون بوندك الى هيرشفيلد.

كانت هذه خطوة شاذة جدا، لاني لم يكن بوسعي أن اروي عن ذلك لوزير الخارجية في حينه، شمعون بيرس: علمت أنه سيشعر بواجب اطلاع رئيس الوزراء اسحق رابين. علمت ان رابين اتفق معه الا يعنى بأي مفاوضات ثنائية، بل فقط بالمحادثات متعددة الاطراف (في  مواضيع المياه، جودة البيئة وغيرها)، ومن شبه المؤكد انه سيطلب وقف المحادثات السرية مع م.ت.ف . وفقط بعد أن قدرنا بان لدينا شريكا فلسطينيا، وفقط بعد أن اتفق الطرفان على مسودة أولية، شعرت أني يمكنني أن اروي عن ذلك لوزير الخارجية، وأطلع هو على الفور رابين. وبنفس محبوس انتظرت نهاية الحديث بين الرجلين. وفوجئت حين أبلغني بيرس بان رابين يعطي ضوء أخضر لمواصلة الخطوة.

اللحظة الحرجة التالية كانت بعد بضعة اشهر من ذلك، عندما وافق الفلسطينيون على الاستجابة للمطالب السبعة التي عرضتها اسرائيل مقابل اعترافها بـ م.ت.ف . ومن تلك اللحظة اصبحت المحادثات، التي استهدفت في الاصل حل مشاكل لم تحل في واشنطن الى سبيل المفاوضات السياسية – حتى تلك اللحظة المثيرة للانفعال التي وقع فيها الاتفاق بين شمعون بيرس ومحمود عباس بحضور عرفات ورابين.

وبقي الاعتراف المتبادل على حاله، ومنذئذ يوجد لاسرائيل عنوان فلسطيني واضح. فالحركتان الوطنيتان المعاديتان جدا تعترفان الواحدة بالاخرى وهما اليوم تتعاونان في كل مجالات الحياة، ولا سيما في المجال الامني. هذا هو  التغيير الاكبر الذي احدثه اتفاق اوسلو. كما أن الاتفاق دفع الاردن ايضا الى الموافقة على خطوة  منفردة سريعة للوصول الى اتفاق سلام ودفع سوريا الى الاعلان بانها مستعدة لاجراء مفاوضات سلام مع اسرائيل، دون صلة بالدول العربية الاخرى. عشرات الدول التي لم تكن لنا معها علاقات دبلوماسية اقامت سفارات في اسرائيل، ورفعت المقاطعة العربية في قسم هام منها – والشركات الدولية الكبرى التي تخاف الدخول الى اسرائيل اقامت  فروعا لها في البلاد، والاقتصاد نما مثلما لم ينمو منذ سنوات عديدة. وعلى مدى بضع سنوات تغيرت مكانة اسرائيل في العالم وفي نظر المنظمات الدولية، وبعثت بعض الدول العربية الينا بوفود دبلوماسية او شبه دبلوماسية، مع واحدة منها، هي موريتانيا، اقمنا علاقات دبلوماسية، وكان يخيل أن العالم فتح امامنا.

لم  نقدر على نحو سليم تصميم معارضي  الاتفاق في الطرفين. رأينا الاستطلاعات التي تنبأت بأغلبية كبيرة لكل اتفاق سياسي، سواء في الجانب الاسرائيلي أم في الجانب الفلسطيني، واعتقدنا أن هذا كافٍ. قدرنا ان يكون عنف، ولكننا ظننا انه سيأتي اساسا من الطرف الفلسطيني وانه سيكون مشابها في طبيعته للانتفاضة الاولى. لم نتوقع عمليات انتحارية لحماس وللمنظمات الاسلامية المتطرفة، ولم  ننظر الى داخل معسكرنا. وحتى بعد المذبحة في الخليل التي ارتكبها باروخ غولدشتاين، لم  نتصور أن احدا من داخلنا سيقتل رئيس الوزراء.

لقد نجح يغئال عمير، على الاقل لزمن ما. فلو لم  يقتل رابين، اقدر باننا كنا سنصل  الى اتفاق دائم في الموعد المقرر: 4 ايار 1999. ولاحقا سيتعين على الطرفين ان ينظرا الى الوراء وان يسيطرا على المتطرفين في معسكريهما. فأعداء السلام يوجدون هناك.

 

ان جولة المحادثات الحالية بين اسرائيل والفلسطينيين ما كانت لتقع لولا  تصميم وزير الخارجية الامريكي جون كيري. الطرف الثالث (الامريكي وكذا الاوروبي) حيوي في وضع لا يكون فيه الطرفان يبادران الى شيء. في  مسيرة اوسلو وكذا في مسيرة السلام مع الاردن لم تكن حاجة الى ذلك. وعندما يعتقد الزعماء بان الوضع الراهن ليس وضعا لا يطاق، فان الطرف الثالث يجب أن يوقظهما.

اذا كان سيتحقق اتفاق اسرائيلي – فلسطيني في اثناء الاشهر التسعة القريبة القادمة، فانه سيحظى بتأييد عظيم. قرابة 70 في المائة في الطرفين مستعدون لقبول المبادىء المعروفة للحل (مبادىء كلينتون في 2000، مبادرة جنيف في 2003). ومع أن نسبة مشابهة تعتقد بان لا أمل في ذلك، ولكنه اذا تبين بان الاتفاق واقعي – فلن يكون معنى للتشاؤم الذي يتميز به في هذه اللحظة الرأي العام. يبدو أن الجمهور في الطرفين يريد السلام أكثر مما يريده زعماؤهما.

لقد كان يتعين على نجاح اتفاق اوسلو ان يقاس بالتوقيع على اتفاق دائم في غضون الفترة الزمنية التي قررناها لانفسنا. وحقيقة أنه بعد عشرين سنة لم يوقع الاتفاق فاننا نقف امام الرافعات وليس امام المبنى الكامل، هي حقيقة مخيبة للامال. اذا لم يكن ممكنا في الاشهر القادمة الوصول الى اتفاق دائم او حتى الى اتفاق جزئي في الطريق الى اتفاق دائم، فان الفلسطينيين كفيلون بان يحلوا السلطة التي ولدت في اوسلو ويعيدوا الينا المفاتيح ويرتبطوا باليمين الاسرائيلي الذي يقترح علينا اليوم دولة واحدة.