خبر الثلاثي الدولي الشرير ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:45 م|17 سبتمبر 2013

حين خرجت الوزيرة هيلاري كلينتون من اجتماع مؤتمر جنيف 1 في الثلاثين من شهر حزيران/ يونية 2012 بدأت حملة التحريف لجوهر ما تم الاتفاق عليه وحددته النصوص، وشاركها في العزف على الوتر ذاته وزيرا خارجية كل من فرنسا وبريطانيا. ولم يتوقف ذلك الثلاثي الشرير عن التحريف والتزوير وخلق البلبلة في التفسير وفتح أبواب "شَكَل" مع الوزير لافروف، الأمر الذي أدى إلى تجميد جنيف 1 وما تبعه من استقالة كوفي عنان ومن ثم مجيئ الأخضر الإبراهيمي ليخرج الزير من البير.. وما زلنا لا بير ولا زير ولا تدبير.!؟.. كان الثلاثي الشرير آنذاك يتذرع بنقاط خلاف أهمها:" وجود أو رحيل الرئيس السوري بشار الأسد"، "و من يشارك من القوى الإقليمية في المؤتمر، حيث تصر موسكو على مشاركة إيران بينما ترفض واشنطن ذلك."

وكانت الأسباب الحقيقية للتحريف والتسويف واللعب على النصوص والكلمات، بخبث تاريخي معهود في تلك الجهات مثلما كان عليه أمر " أل" التعريف في القرار 242 بين "الإنساحب من أراضٍ محتلة عام 1967" أو "الانسحاب من " الأراضي المحتلة عام 1967"، وتلك لعبة يفرزها خبث البريطانيين العهيد القابل للعدوى والتجديد..؟! كانت الأسباب الحقيقية للتحريف والتسويف تكمن في مطالبة دول عربية بعينها ومعها المعارضة السورية والثلاثي الشرير ضمناً أو قوة دفع .. بوقت وسلاح ودعم بعد أن تعذر التدخل المباشر وإقامة منطقة حظر جوي أو مناطق عازلة وما سمي ممرات إنسانية.. كانت تلك الأسباب تكمن في المراهنة على تحقيق غَلَبَة للمعارضة السورية المسلحة عبر حلفائها.. واستمر أو بالأحرى وتنامى، تحت ذلك الظل، ضخ المال والسلاح والرجال لها لكي تخوض المعارك وتحقق الأهداف المرسومة لها وتحرز انتصارات على الأرض لمصلحة من يحركونها ومن يقفون وراء من يحركونها، أعني الحركة الصهيونية و " إسرائيل" صاحبة المصلحة الأولى في تدمير سورية وجيشها. وقد أزبدت سيول الكلام، وتتابعت مهازل الإعلام وأكاذيبه، وتتالت قوافل الشهداء والضحايا من السوريين، كما تتالت أشكال الدمار لسورية الدولة والعلاقات الاجتماعية والاقتصاد والبنى التحتية.. إلخ، ومرت أشهر وأشهر مصبوغة بالدم مثقلة بالإرهاب ومكللة بعار طال المواقف والأخلاق وكل ما يتصل بقيم الإنسان العربي الروحية والوطنية والقومية.

واليوم، بعد حدث استخدام الكيمياوي في الغوطتين في 21 آب/ أغسطس 2013، و بعد اتفاق الوزيرين لافروف وكيري على مخرج من التهديد الأميركي باستخدام القوة ضد سورية بذريعة استخدامها للأسلحة الكيمياوية، وبعد موافقة سورية على المبادرة الروسية التي تضمنت وضع مخزونها من السلاح الكيمياوي تحت الرقابة الدولية تمهيداً لتدميره، والتوجه نحو الحل السياسي بعقد مؤتمر جنيف 2، وانضمام الدولة سورية فعلياً إلى منظمة حظر وإنتاج وتخزين الأسلحة الكيمياوية الأمر الذي كانت رفضته عام 1993، وقيامها عملياً بالطلب إلى المنظمة الدولية المعنية التي أصبحت عضواً فيها أن تقوم " بإرسال مراقبيها إلى سورية" تنفيذا للاتفاق.. اليوم يظهر علينا الثلاثي الشرير ذاته من باريس بمنطق شبيه بالمنطق الخبيث التحريفي الذرائعي الذي كان من كلينتون وشركائها بعد جنيف 1، حيث يطالبون باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي على وجه السرعة، صاغ مسودته الصهيوني لوران فابيوس، وهو مشروع يقضي بوضع سورية تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتنفذ تدمير أسلحيتها الكيمياوية،  الأمر الذي بدأت سورية خطوات على طريقه بسرعة قياسية ودعت مراقبي المنظمة الدولية المعنية إلى سورية لتبدأ عملها؟! وإبقاء الضربة العسكرية الأميركية خياراً مطروحاً على الطاولة، والمطالبة بامور تعود إلى ما بعد جنيف 1 ثبت أنها غير عملية وليست موضع موافقة.؟! وهكذا عدنا إلى المربع الأول، بعد اتفاق الوزيرين لا فروف وكيري الذي رحب به العالم، كأننا لم نتحرك قيد أنملة عن الأجواء التي تلت جنيف 1 وأسفرت عما أسفرت عنه من ضحايا ومهجرين ومعاناة وتدمير لسورية الدولة.؟! لقد أوضح الوزير لا فروف من موسكو، بعد ساعات قليلة جداً من مؤتمر الثلاثي الشرير في باريس، بأن التوجه الذي يعبر عنه الوزراء الثلاثة ويسعون إليه لا يعبر عن استيعاب حقيقي، أو فهم حقيقي، لما تم الاتفاق عليه بينه وبين الوزير كيري؟! ومن أسف أن كيري الذي اتفق مع لا فروف بصورة واضحة موثقة، هو الذي لوَّح بما لوح به زميلاه الفرنسي والبريطاني من أمور يطلبانها وزاد عليه ما زاد؟! أليس ذلك عجيباً في بابه من وزراء خارجية دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي يفترض بها أن تلتزم بما يتم الاتفاق عليه، وأن تتفهم روح الاتفاقيات وتحترمها عند التنفيذ، ويكون رائدها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين لا العدوان والقتل والقرصنة والخداع، لا أن تبني على ما تتخيله من حواشٍ لمتون نصوص تعبيراً عن مصالحها ومواقفها ونزوعها العدواني المتأصل في جبلّتها، وأن يبقي بعضها سورية الدولة المؤسس في منظمة الأمم المتحدة تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق لتتحكم بها الصهيونية من خلال حلفائها وخدامها وأذنابها وأدواتها كيف تشاء، بعد كل ما أصابها خلال الثلاثين شهراً الماضية من دمار هائل وما لحق بشعبها من معاناة.؟!

لقد أوضح الوزير لا فروف بما لا يدع مجالاً للشك بأنه لا مجال للحديث عن قرار يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يصدر عن مجلس الأمن الدولي حول هذا الموضوع، وأن اتفاقه مع الوزير كيري لا يشير إلى شيئ من ذلك، وهو اتفاق واضح تماماً.. فما معنى هذا الفصل الجديد من فصول العبث بمصير السوريين وبلدهم؟! وما الذي يقدمه ذلك سوى تحقيق ما كان الثلاثي الشرير ومن هم معه يتطلعون إلى تحقيقه بعد جنيف1، أي تحقيق انتصارات للمعارضة المسلحة تأتي بهم وبها أقوياء إلى جنيف 2؟! وقد تم الإعلان صراحة في المؤتمر الصحفي ذاته من باريس، مؤتمر الوزراء الثلاثة في 16/9/2013 بأنهم سيدعمون المعارضة "المعتدلة؟!" بكل ما يمكنها من تحقيق توازن على الأرض والقضاء على العناصر المتطرفة؟! يا للعجب أليس هذا هو النشيد الصهيوني ـ الغربي القديم الذي استمعنا إليه منذ أشهر وأشهر ومضمونه أن تقاتلوا حتى تفنوا سورية وجيشها ويفني بعضكم بعضاً ونحن نمدكم بالسلاح والدعم ونقبض ثمن ذلك من عربكم، ونقتلكم بأيديكم، وتحققون لنا ما نريد بكيد منكم يكيده بعضكم لبعض؟! إنه النشيد العتيد الذي طالما سمعناه طوال الأشهر الماضية، وسالت بسببه وعلى جوانبه الدماء، وشهد بلدنا على وقعه أنواع الدمار، وعانى شعبنا في أثنائه من الإرهاب والرعب والاقتتال والتدمير وضيق العيش والتهجير والبقاء على ماعبر " الأخوة" وفي معتقلاتهم في عيش ضنك وذل شبه مقيم؟!.. وحين أخفقت المعارضات السورية بأنواعها وأطيافها، الداخلية منها والخارجية، المعتدلة والمتطرفة ومعها من هم مصنفون إرهابيين بقرارت غربية وأممية.. حين عجزت المعارضات المسلحة عن تحقيق تقدم ذي قيمة على الأرض تدخل الأصيل بصورة مباشرة لينجز بقوته ما لم يستطع الوكيل إنجازه.

يبدو أن المحنة السورية ستطول وتطول وتطول.. ما لم يُلجَم الشر الصهيوني الذي يحرك مسؤولين أميركيين وبريطانيين وفرنسيين خاصة وأوروبيين عامة كما يحرك أدواتهم الأخرى العربية وغير العربية.. ويبدو أن دون ذلك خرط القتاد، فمن ذا الذي يفعل ذلك غير قوة دولية فاعلة غير موجودة الآن، أو قوة عربية ـ إسلامية مستقلة تستشعر معنى السيادة والكرامة وتملك حرية اتخاذ القرار وممارسة الإرادة، قوة مالكة لكل الإمكانيات والأدوات والوسائل التي تمكِّنها من وضع الأمم المتحدة ومنظماتها ودولها، لا سيما مجلس الأمن الدولي، أمام مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية.. وإلا فإن عليها أن تكوِّن تحالفاً دولياً كبيراً، كما كان عليه الأمر عام 1974 يقوم بهذه المهمة التاريخية خدمة للقانون والعدل والإنسانية.. وإلا فلا بد من فتح أبواب الخيارات، كل الخيارات الأخرى باقتدار، لإنقاذ الحق والعدل والذات والأرض والمقدسات والهوية والمصالح الحيوية للأمتين العربية والإسلامية، تلك المصالح والحقوق التي تنتهك صباح مساء من دون أن يحرك أحدٌ ساكناً أو يشعر بما يحركه من الأعماق دفاعاً عن وجوده.؟! إن إسرائيل المصنفة دولة عنصرية بالقرار الأممي 3379، وهو قرار لم يلغ وإنما أبطل مفعوله بقرار أممي شارك عرب في التصويت عليه للأسف الشديد.. تمارس ما لايمكن قبوله بأي شكل من الأشكل، وتطلب تدمير هذه الدولة أو تلك من دول العرب فتلبى طلباتها، وترتكب أشد الجرائم فظاعة وتقى دون حساب أو عقاب.. لأنها وضعت من قِبَل الولايات المتحدة والأوروبيين فوق منطق الكبح واللجم وفوق القانون والحساب والعقاب، وهاهي مطلقة اليمين في أن تفعل ما تشاء بالفلسطينيين والعرب، وهي تقوم بما تريد منذ عام 1947 وحتى اليوم من خلال احتلالها وعدوانها واستيطانها وتهويدها ومعتقلاتها التي تفوق المعتقلات النازية بآلاف المرات" طول مدة وشدة انتهاك لأبسط حقوق البشر"، وتفعله من خلال مجازرها الكثيرة التي تمر علينا هذه الأيام ذكرى واحدة من أبشعها، مذبحة صبرا وشاتيلا/ بيروت 16 أيلول سبتمبر 1982، وتمتلك أسلحة الدمار الشامل النووية وغير النووية منذ عام 1956، وهي أسلحة مما هو محرم دولياً، من دون أن تسأل عنه أو تحاسب عليه أو تدعى إلى الانضمام للمنظمات والوكالات الدولية التي تراقبه.. وترفض بوقاحة وصلف دعوات متكررة منذ بداية سبعينات القرن العشرين بأن تكون هذه المنطقة من العالم خالية من أسلحة الدمار الشامل.؟!

لقد تحقق انتصار " على البارد المستريح" لإسرائيل العنصرية في موضوع نزع السلاح الكيمياوي السوري، وهو أمر كانت تطلبه منذ بداية الأزمة، وكانت تعتدي تحت ذرائعه، وتضع الخطط وتسخر الأدوات، وتشرف على تنفيذ البرامج بشأن كل ما سخرته ومن سخرتهم لوضع سورية في أتون الحرب والفوضى وصولاً إلى تدميرها ونزع كل سلاح استراتيجي تملكه، ولكي تمزقها بأيدي أبنائها وبأيدي من يدعون الحرص عليها وتخليصها من أوضاع غير مقبولة، أولئك الذين يقاتلون على أرضها!!.. لقد تحقق انتصار لإسرائيل يحاول أن يحجبه ضجيج إعلامي  حيث هناك في ساحة الديبلوماسية والإعلام والساسة من يقول بضرورة أن تنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة كلها لتصبح خالية منه تماماً بعد الاتفاق الذي تم بشأن الأسلحة الكيمياوية في سورية.. وأظن أن هذه الموجة سوف تهدأ بعد وقت، وستبقى إسرائيل دولة نووية تهدد العرب والمسلمين، لأن العرب عربان متناحرة متقاتلة متدابرة، ولأن شأن المسلمين لا يقل عن شأن العرب في ذلك، ولأن الغرب الاستعماري المعادي لنا تاريخياً سيحمي ربيبته إسرائيل ويقويها ويضمها إلى نادي الدول النووية ذلك النادي الذي لا يسمح لدول أخرى بأن تفكر مجرد تفكير بالسير على أقرب رصيف إليه.

وضع عالمي مزرٍ وفي غاية البؤس من هذه النواحي، ويحتاج إلى تغيير، وهناك بدايات وإرهاصات بتوازن دولي فعال تقوده روسيا الاتحادية من خلال مجموعة بريكس ثبت أقدامه في الأزمة السورية، ولكن لا في هذا الشأن ولا في غيره من الشؤون الاستراتيجية الدولية الحيوية يمكن أن يكون للعرب الممزقين شأن وهم يملكون فقط خصوصيتهم المأساوية.

دمشق في 17/9/2013