خبر لعبة الاردن المزدوجة ..بقلم: عوفر أدرات

الساعة 08:40 ص|13 سبتمبر 2013

          الارهابي محمد عودة (الملقب أبو داهود)، من مخططي مذبحة الرياضيين الاسرائيليين في الالعاب الاولمبية في ميونخ، كان يمكث في السجن الاردني في العام 1972. في 18 ايلول 1973، حسب شهادته، زاره الملك حسين وروى له بانه يخشى هجوما تخطط له الدول العربية ضد اسرائيل. "عدت من القاهرة. الاخوة قد يشنوا حربا، لا اريدها"، هكذا، على حد قوله، قال له الملك. "اذا خسر السادات القاهرة، يمكنه أن ينسحب الى أسوان. اذا خسر الاسد دمشق، يمكنه الانسحاب الى حلب. أما انا فاذا خسرت عمان فالى اين أذهب؟ الى الصحراء؟". قبل ثلاث سنوات توفي عودة في دمشق وحتى اليوم من الصعب أن نعرف اذا كان الملك اشركه حقا بتردداته. ولكن هذه الشهادة تنضم الى سلسلة من الوثائق والمصادر التاريخية التي تصف التعاون والتنسيق الاستثنائي بين الاردن واسرائيل في حرب يوم الغفران.

          د. اساف دافيد، الخبير في الشؤون الاردنية من دائرة العلوم السياسية في الجامعة العبرية وزميل بحث في معهد ترومان لبحوث السلام، فحص مئات الوثائق من العام 1973، والتي سمحت الولايات المتحدة بنشرها والتي يلعب فيها ادوار النجوم الرئيس الامريكي ريتشارد نكسون، وزير الخارجية هنري كيسنجر، السفيران الامريكيان في تل أبيب وفي عمان ومسؤولون اسرائيليون واردنيون كبار – وعلى رأسهم الملك حسين. وتنضم المادة الجديدة الى كتب ومقالات كتبت في الموضوع الاردني في الاربعين سنة الاخيرة. كل هذه سمحت له بان يروي من جديد قصة الحرب من الزاوية الاردنية. وسيرى  بحثه النور هذا الشهر في مجموعة مقالات تحمل اسم "حرب اكتوبر 1973 – سياسة، دبلوماسية وتراث"، سيصدر في بريطانيا عن دار هيرست للنشر.

"قرار الاردن عدم المشاركة الفاعلة في الحرب نبع ايضا من الحوار السري الذي أداره الاردنيون مع الاسرائيليين"، يقول دافيد. مثال جيد على ذلك هو ارسال لواء اردني الى سوريا، تم بعلم اسرائيل وبالموافقة الصامتة بين الدولتين. "بطبيعة الاحوال، ما كان يمكن لاسرائيل أن تقر للملك حسين ارسال لواء الى سوريا، ولكنها قبلت بالخطوة الاردنية بصفتها أهون الشرور، وحاولت الامتناع عن ضرب اللواء الاردني. أما الاردنيون من جهتهم فقد وعدوا بان تعمل قواتهم ببطء وبحذر بقدر ما يستطيعون. كما أنهم فهموا بانهم سيكونون ملزمين بالتضحية بجنود في الحرب كي ينهوها دون ضرر في الرأي العام"، شرح دافيد.

وتتضح لعبة الاردنيين المزدوج بجلاء من الوثائق الدبلوماسية التي عثر عليها دافيد. وهكذا مثلا في 10 تشرين الاول 1973، بعد أربعة ايام من اندلاع الحرب، اقترح الامير حسن على كيسنجر، ان يطلع الملك الاسرائيليين على انتشار قواته وعلى موقعها الدقيقة، ويضمن أن "ليس للاردن اي نية للاشتباك بين الوحدات الاردنية والقوات الاسرائيلية". أما الملك نفسه فقال للسفير الامريكي في الاردن، دين براون، ان مشاركة جنود اردنيين في الحرب هي فقط محاولة لـ "التغطية على نفسه أمام الدول العربية في حالة أن تدهور الوضع بشكل سريع"، مثلما صيغت الامور في الوثائق الامريكية.

في حديث آخر، مع السفير البريطاني في الاردن، رغب الحسين في الاستيضاح "قبل أن يفوت الاوان"، هل يتعاطى الاسرائيليون مع "بادرته" تجاه سوريا كذريعة للحرب. لعل الملك خشي الا يكون هذا كافيا ولهذا فقد بعث ايضا برسالة الى رئيسة وزراء اسرائيل، غولدا مائير، شرح فيها خطواته العسكرية وطلب من اسرائيل "الامتناع عن الهجوم على هذه الوحدة اذا كان الامر ممكنا".  فضلا عن ذلك فقد شدد على أن الخطوة "ستبقي الاردن واسرائيل خارج "حرب عديمة المعنى" الواحدة ضد الاخرى". ووصفت مئير رسالة الملك بانها "تمس شغاف القلب". ومع ذلك، ففي الايام الاولى من الحرب تأكدت اسرائيل من أن الحسين يفهم بانه اذا انضم الى الحرب فان اسرائيل "ستكرس الجيش الاسرائيلي لتدمير الاردن تماما، بسلاح جوه، جيشه وبناه التحتية"، مثلما صاغ ذلك الامريكيون في المراسلات فيما بينهم.

 

وطلب وزير الخارجية كيسنجر من السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة، سمحا دينتس، ان تمتنع اسرائيل عن الهجوم على الوحدة الاردنية وشرح بان الاردنيين لن يشاركوا في القتال بل "فقط سيقفوا هناك". ورد دينتس بانه مع ان رد اسرائيل الرسمي هو سلبي، فلا يعني الامر ان اسرائيل ستهاجم الاردن.

واضطر الحسين في النهاية الى ارسال جنوده الى القتال، بعد أن فشلت الجهود الامريكية لتحقيق وقف للنار. وفي اقواله للامريكيين كان واضحا أن مزاجه عاصف. وضمن امور اخرى قال انه لا يمكنه "ان يبني دولة جديدة وجيشا جديدا من كل هذا الحطام". في حديث مع السفير براون أعلن بانه "يخرج الى الجبهة" وشدد على انه: "ليس مجنونا أو مريضا ولكنه يفضل الموت مع جنوده على العيش بالعار، في دولة مدمرة تحت حكم السوفييت".

بعد ان هدأ قليلا، ابلغ الملك كيسنجر وغولدا مائير بان جنوده وصلوا الى الحدود الاردنية – السورية في صباح 13 اكتوبر وان "اعمالهم من الان فصاعدا ستكون بطيئة ومتوازنة". اما اسرائيل من جهتها فوعدت الملك، عبر الامريكيين، في أنه اذا لم يحرك قواته الى داخل سوريا، فستمتنع عن ضرب الاردن.

في هذا السياق عثر د. دافيد في الوثائق الامريكية على تصريحات لرئيس وزراء الاردن، زيد الرفاعي الذي قال للسفير الامريكي ان "ما هو مطلوب الان هو ان يكون شهداء اردنيون". ويشرح د. دافيد بان الرفاعي قال في واقع الامر "انه يبعث بجنود للموت بشكل مؤكد في ميدان المعركة لارضاء "القائد".. وفي نهاية المطاف شارك اللواء الاردني في المعارك وتكبد خسائر فادحة سواء بنار الجيش الاسرائيلي أم بنار جيوش عربية اخرى.

د. دافيد، من مواليد شتاء 1973، يفترض بان "الوثائق الجديدة قد تحرج الاردن، ولكنها تروي قصة أصيلة. ففي الرؤيا العربية أيضا عندما يسألون اذا كان الحسين "خان"، فانه يمكن تفسير سلوكه في الحرب في صالحه". وعلى حد قوله "فقد بقي مخلصا للاردن وزعيما شجاعا قدر بانه لا توجد اي امكانية للانتصار على اسرائيل. ولاعتبارات عقلانية جدا وللدفاع عن مواطنيه، دولته ونظامه، فهم بان من المجدي له ان يتعاون معها، في صالح الاردن".