خبر كُف عن الحفر -يديعوت

الساعة 08:45 ص|09 سبتمبر 2013

كُف عن الحفر -يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: إن حصر الادارة الامريكية عنايتها في الشأن السوري الآن وإعراضها عن الشأن الايراني الذي هو أهم هدر لطاقتها ولسلاحها السياسي - المصدر).

كان دنيس هيلي وزير دفاع بريطانيا في ستينيات القرن الماضي، وقد دخل التاريخ في الأساس بفضل نصيحة حكيمة واحدة منحها الساسة حيثما كانوا: "حينما تكون في بئر، كُف عن الحفر". ومنذ ذلك الحين يردد الساسة هذه المقالة في ورع – لكنهم في لحظة الحقيقة يفعلون العكس فيحفرون ويحفرون. ويسألونهم لماذا تفعلون فعل الحماقة هذا فيجيبون بكلمة واحدة: الصدقية. فالصدقية تقوم فوق كل شيء، فوق الفائدة والمصلحة والعقل الرشيد ايضا.

 

إن الصدقية قيمة مهمة لكنها ليست المشهد العام. صدر في المدة الاخيرة بالعبرية كتاب إيلي فيزل "روح الكتاب المقدس" الذي يصف مجموعة من الشخصيات من الكتاب المقدس. ويفصل فيزل الحديث عن حالات خط فيها الله خطا أحمر ثم ندم كما كان الامر في قصة الطوفان مثلا.

 

لم يكن الرئيس اوباما يقصد التدخل العسكري في الحرب الأهلية في سوريا، ومع ذلك أراد أن يبرهن على أن قلبه ليس متبلدا تماما عن معاناة السكان. وهكذا وُلد الخط الاحمر الكيميائي. وكانت تلك ضريبة كلام لا خُطة عمل.

 

كان اوباما يستطيع أن يأمر باطلاق سريع لرشقة صواريخ على أهداف عسكرية في سوريا وأن يُنهي بذلك نصيبه من الأمر. وبدل ذلك بدأ حملة اقناع عالمية وجهتها الفشل. فلم يقتنع الاوروبيون ولم يقتنع أكثر اعضاء مجلس النواب في واشنطن والشيء الأساس أن الرأي العام في امريكا لم يقتنع. وقد سبب توجه اوباما الى العالم والى مجلسي النواب الضرر فقط، فقد ضخم اجراءً عسكريا رمزيا يكاد يكون بالقدر الأدنى ليصبح حربا عالمية. تمخض الجبل فولد فأرا.

 

ونجمت اسئلة ولم يوجد عند اوباما أجوبة مرضية: بماذا سيغير الهجوم وجه الحرب الأهلية؟ وبماذا سينفع الشعب السوري؛ وكيف سيردع عن استعمال سلاح الابادة الجماعية في المستقبل، وكيف سيُسهم في تحسين العلاقات الدولية. وقد افترض الجميع أن اوباما يدعو الى هجوم ليثبت فقط أن كلمته كلمة. وليس في ذلك من وجهة نظر أكثر العالم ما يُسوغ عملا عسكريا.

 

نسي اوباما الدرس الذي علمه دنيس هيلي فبقي يحفر. في اثناء نهاية الاسبوع نشرت الادارة الامريكية صورا فظيعة لمصابين سوريين بالغاز. وشبّه وزير الخارجية الامريكي كيري عدم اكتراث اوروبا باستعمال الغاز في سوريا باتفاق ميونيخ الذي سلمت به اوروبا لعدوان هتلر. إن الاسد ربما يحلم بأن يكون هتلر لكنه ليس كذلك. إن المبالغة الوحشية انتقصت فقط من قوة الاقناع.

 

إن الذي يجب أن يقلقنا هو تأثير الكيمياء في سوريا في برنامج ايران الذري. يوجد الكثير من المشترك بين الاثنين: فكلاهما يشتغل بسلاح ابادة جماعية وكلاهما يصدر عن محور الشر نفسه وبدعم من الخارج، من روسيا والصين وكوريا الشمالية، وفي كليهما خط اوباما خطوطا حمراء، أما الفرق فهو في مقدار الضرر لأن قنبلة ذرية ايرانية

 

ستغير وجه المنطقة تغييرا أساسيا، فاذا لم يكن رئيس امريكي قادرا على أن يجند شرعية دولية وتأييدا في الداخل لعملية عسكرية في سوريا فكيف سيستطيع أن يفي بوعوده في شأن ايران.

 

يقتضي الحل تفكيرا في البيت الابيض من جديد، ويقتضي الامر أولا تعريف العدو، فهو ليس النظام السوري وحده بل هو محور ايران – سوريا؛ ويقتضي ثانيا توسيع مساعدة الجيش السوري الحر وتعميقها، أعني الجهة الموالية للغرب في صفوف المتمردين؛ ويقتضي ثالثا الانتظام استعدادا للحظة الحقيقة في مواجهة المشروع الذري الايراني. إن الخندقة في سوريا هدر لسلاح سياسي. ولن يسارع الرأي العام الامريكي الذي يُحجم عن الهجوم على دولة واحدة الى تأييد هجوم على دولتين، فيجب الاتجاه الى الشيء الأساسي، إلا اذا كان هدف اوباما من خندقته في سوريا أن يدفن بصورة نهائية احتمال وقف المشروع الذري الايراني. واذا كان هذا هو الهدف فانه يستطيع أن ينسب الى نفسه نجاحا عظيما.