خبر العدوان الغاشم.. قادم ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:47 م|06 سبتمبر 2013

القاعدة العربية العريقة مستمرة الحضور لا تحول ولا ولا تزول ولا تعدلها العقول: " العربي يقتل العربي، ويستعدي عليه، ويمول من يعتدي عليه، ويقف على جثته ليمثل بها انتقاماً وانتصاراً ونخوة ذات جذور.."، هذا أمر عرفناه وحفظناه ويئسنا من الخروج منه بعد اللجوء إلى استعمال النصح والوعظ والتذكير بوحدة المصير واللجوء إلى طرق العقل والنقل، وتجريب الأساليب والوسائل كافة، لا سيما ما يعتمد من ذلك على الدين والقرابة والتاريخ والجغرافية والمشترك القومي والحضاري العتيد.. ويبدو أن السم الزعاف في الفم العربي الرَّعاف، حيث الكلام اندفاع بلا انتفاع واللدغ " مكرمة" بلا انقطاع.!!

العدوان الأميركي الغاشم قادم، بموافقة المؤسسات الأميركية المعنية بالعدوان على الشعوب تحت عناوين وذرائع لا نهاية لها، وسيتم بتمويل تعهَّدت به بعض الدول العربية، كما بشر بذلك جون كيري في أثناء اجتماعه بمجلسي الكونغرس، يغطي تكاليف العملية بكاملها، وهي العملية التي سيدخلها الجيش الأميركي ومن يتحالف معه وكأنهم قطاع طرق وقراصنة بحار ومرتزقة يعملون عند خبير بالشر قدير على "البِر"، فيما لا يعتبر تمويل الشر من عمل البِر.. والله أعلم؟! ومدة المرحلة الأولى من التفويض بتقويض الدولة السورية ثلاثة أشهر، وهي مدة تكفي لتدمير كل شيء يتحرك على وجه الأرض أو يرتفع عن سطحها في سورية، بغض النظر عما يمكن أن تلحقه سورية بالمعتدين من خسائر لأن الحرب تقع على أرضها وضد شعبها، وبصرف النظر أيضاً عما يمكن أن يقوم به حلفاؤها من فعل حربي ضد تحالف العدوان الخارج على الشرعية الدولية، وهو أمر لا يمكن الدخول في يقينياته وإن جاز لنا التخمين في مجالاته والبتاء على إيجابياته، فهذا التحالف الداعم لسورية المستهدَفة بالعدوان ليس سهل الابتلاع أو الدحر والاقتلاع، ويمكن أن تفعل إرادته وإرادة السوريين الكثير الكثير مما يعوض بعض نقص السلاح والعتاد ويفر بعض القوة وأشكال الصمود والنصر.. ومن باب القفز فوق الواقع والوقائع الادعاء بأن الترسانة العسكرية لسورية وحلفائها - المقاومة العربية وإيران ولا تدخل روسيا الاتحادية رسمياً في الفعل العسكري وإلا أصبحت الحرب حرباً عالمية ثالثة وهذا مما يستبعد - " تساوي أو تقترب من أن تساوي الترسانة العسكرية الأميركية التي يضاف إليها ترسانة الحلفاء المشاركين لدولة الإرهاب الأولى في العالم عدوانها الغاشم، ومنهم "إسرائيل" وفرنسا ودول أوروبية أخرى قد تحسم أمرها اليوم " السبت 7/9/2013 في اجتماع تشاوري لوزراء خارجيتها يعقد في فيلنيوس عاصمة لتوانيا، ويحضره الوزير جون كيري الذي "سيدلي بتفاصيل أكثر حول استخدام الاسلحة الكيمياوية في سوريا"، حسب كاترين آشتون، ويعقب ذلك الاجتماع أجتماع آخر لوزراء دفاع دول الاتحاد في العاصمة ذاتها.. وعلينا ألا ننسى التسهيلات والعلميات اللوجستية والمشاركات الفعلية، الرمزية وشبه الرمزية المعلنة والخفية، التي تضاف إلى ترسانة الحلفاء تلك من دول عربية وإسلامية ستشارك في الحملة العدوانية، بعضها في جوار مباشر لسورية وبعضها الآخر يغرس خنجره الطويل من بعيد في ظهرها، مساهماً في قطع وتين دولة عربية هي لأمتها القوة والموئل ووتين الثقة واليقين.

العدوان الغاشم قادم، وعلينا أن نستعد كل الاحتمالات بما في ذلك الاستشهاد أو البقاء على قيد الحياة بثقة وأمل واقتدار على تحقيق الانتصار ودحر العار و" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذت الله والله مع الصابرين"/ البقرة 249. ومن متابعة المجريات، وعلى الرغم من وجود كتل شعبية ودولية واسعة رفضت وترفض العمل العسكري ضد سورية، وقد رفعت صوتها بذلك في عواصم العالم، ومنها دول من مجموعة العشرين في اجتماع بطرسبوغ الأخير، ويضاف إليها دول من مجموعة " البا"في أميركا اللاتينية، وبابا الفاتيكان والأزهر الشريف، وبعض الدول العربية الحيية في وقوفها ضد العدوان على سورية، وقد أبلغت الرئيس أوباما موقفها بوضوح.. إلا أن العدون المجنون يقتحم حصون العقل والمؤسسات والقوانين الدولية، ويزري بالضمير ويختار القتل والدمار بذريعة وقف القتل الدمار، ويتقد بعمه وقذرة ليسجل بالوقائع اليومية عدواناً صريحاً على سورية العربية.. لقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في بيان له، أنه: «بينما يركز العالم على مخاوف من الاستخدام المحتمل لأسلحة كيميائية في سوريا، يجب أن نضغط أكثر من أجل عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا في جنيف. الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتفادي حمام دم في سوريا."، وقد أكد الأخضر الإبراهيمي هذا التوجه.. ولكن من الذي يلتفت إلى بيانات الأمين العام للأمم المتحدة وإلى لجان التحقيق والمفتشين الدوليين والمكلفين بمهام دولية من مجلس الأمن الدولي من تلك الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إلا حين تريد أن تستغلهم والمنظمات الدولية لعمل يخدم مصالحها واستراتيجياتها وعدوانها.. والأمثلة على ذلك صارخة وأكثر من أن تحصى.؟!

لا يمكن تعليق أهمية تذكر على عقد جنيف 2 في هذه الظروف، ووجود صفقة من وراء دعوة الوزير وليد المعلم إلى موسكو للتشاور أمر يبدو مستبعداً، فموقف روسيا الذي وصل حد اتهام واشنطن بالكذب لا يبدو أن ينطوي على اتفاق معها يؤدي إلى وقف العدوان والتاهم على حل سياسي ترفضه دولة الإرهاب الأولى في العالم وتريد أن تدمر الجيش والدولة في سورية ومن ثم تجر من يمثلهما إلى جنيف 2 ليبصم على ما يريدون منه وهو في موقف المهزوم؟! الهدف واضح، وخرائط العمل السياسي والعسكري محددة، والأهداف الاستراتيجية وغير الاستراتيجية المستَهدَفة في سورية مبينة وحملة على الخرائط في غرف العمليات، والكل ينتظر التفويض الأخير لمجلسي الكونغرس بعد التاسع من أيلول/ سبتمبر الجاري لتحديد ساعة الصفر.

لا أظن أن هناك صفقات يمكن أن تلجم العمل العسكري العدواني المحتمَل وقوعه على سورية بترجيح كبير، وتفتح الباب أمام الحل السياسي المنتظر والمرتجى، وإذا حدث ذلك فبمعجزة ويا حبذا المعجزات في مثل هذه الأوقات والأزمات!؟ من الطبيعي أن تتشاور موسكو ودمشق في هذه الظروف وأن تبحثا الكثير من الأمور والقضايا والتفاصيل، فموسكو لم تتخل عن دمشق ولن تتخلى عنها، وليس معنى امتناعها عن التلويح بدخول الحرب إلى جانبها إذا وقع العدوان عليها هو تخل عنها، ذلك لأن دخول روسيا الاتحادية، بثقلها الدولي والعسكري وتحالفاتها الواسعة ومنها " بريكس".. دخولها حرباً مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، يعني اشتعال نار حربٍ عالمية لا يطيقها ولا يقبلها ولا يُقبل عليها أحد في العالم، وهذا معلوم مفهوم.. ووجود وزير الخارجية السورية في مركز دولي وسياسي وإعلامي كبير ومهم مثل موسكو في هذه الظروف، حتى لو فاجأه العدوان الأميركي على سورية وهو هناك، يبقى في صالح السياسة السورية التي يمكن أن ترفع صوتها وتعبر عن مواقفها وترسل رسائلها من هناك عبر طيف واسع من وسائل الإعلام والعمل الديبلوماسي الدولي. إذن فلا صفقات تلوح في الأفق، ومع ذلك فيا حبذا معجزة في هذه الأوقات والأزمات، تحقن الدم، وتصون ما تبقى من سورية الحبيبة، وتجنب شعبها ويلات الحرب ومزيداً من التهجير والتدمير!؟.

نحن في سورية نعد أنفسنا للأسوأ ونستعد له، والأسوأ أمامنا بلا ضفاف لأن ما ينتظرنا وما يدبر لنا غير محدد ولا يمكن حصره والتحكم بأفقه ومداه، فهو تفاعل التدمير والشر مع من يدفع عن نفسه التدمير والشر.. ليس بيدنا أن نحيي الضمائر ونحكَّم العقل والحكمة في الشؤون العامة والخاصة التي تهمنا وتهم سوانا مما يتصل بالسلم والأمن والمصير الإنساني، وليس بيدنا أن نعيد تكوين الأشخاص وتربيتهم وتعزيز محاكمتهم للأمور بمسؤولية ووعي إنساني أشمل تضيق معه الرؤى الخاصة القاصرة وتُهمَل.. ونحن إذ لا نملك أن نحقن دماءنا النازفة، ولا أن نضع بعض أبناء بلدنا وشعبنا وأمتنا أمام ذلك النوع من التفكير والوعي والتدبير المسؤول عن البشر والوطن والعمران وأمام الله والتاريخ والأمم.. فكيف لنا أن نضع مسؤولين كباراً في دول كبيرة وصغيرة ذات مصالح واستراتيجيات مختلفة أمام تفكير وتدبير ومنطق يلزمهم/يلزمها بتحمل مسؤوليات إنسانية وأخلاقية وتاريخية تشمل البشر والعمران والحضارة..؟! إنه لمما يسبب المرارة والعار ويشعِر بالأسى والأسف الشديديدين أن ينبت بين ظهرانينا من يستهين بالدماء والأرواح والحيوات والوطن والأمن وراحة الشعب وكل أسباب العيش المشترك وقيمه ومقوماته، وبكرامة الإنسان وأسس بقائه في وطن قوي عزيز، وأن يكون من بيننا من قتل ودمر واستعدى الأعداء على أهله وبيته وزين لهم الفتك ببلده وشعبه واستجداهم ليدمروا بلده، وقدم لهم المعلومات الدقيقة عن المواقع الاستراتيجية لدولته وجيشه بهدف تدميرها، وارتضى الخيانة والعمالة، وأن يكون بضاعة في سوق السياسة ليأتي على دبابات اليانكي ويحكم بلداً دمره وشعباً أذله؟! ومن أسى وأسف أيضاً أن يكون بيننا من بغى وطغى وظلم وفسد وأفسد وتعالى واستطاب الفتنة وعلا الناس بسيف الجهل والعنجهية والتفرقة وانعدام الحنكة والحكمة فأضعف وأوجع وأرهب وفرق ونشر العداوة والمهانة وفتح على الناس أبواب الانتكاس.. وأن يكون بين ظهرانينا من استباح الحرمات والمحرمات فامتد طيف إجرامه بين قتل الأولاد وأكل الأكباد ونشر الرعب ومارس الإرهاب.. ألا إن فينا من العار ما يُذل، ولكن فينا أيضاً من الشرف والرفعة والسمو ما صنع الفداء والبطولة والرجولة وقدم الشهداء والتضحيات الكبار وحرر الوطن وصنع الحضارة وشق طريق الأمة إلى الوعي والمعرفة والعلم، ووقف شوكة في حلق المحتل والمعتدي والطامع والباغي، وفينا من نذر نفسه للحرية بكل صورها وللدفاع عن الإنسان والقانون والحقوق وقدم من أجل ذلك الكثير.. فهل نحن يا ترى سوى بشر، وفينا كل ما في البشر من حسنات وسيئات؟! ألا فلينصفنا المنصفون وليتعظ كل إنسان بفعل غيره من بني الإنسان، والسعيد من اتعظ بغيره.    

ألا أيها الباكين منا على أنفسهم وأنفسنا ومآلاتنا وعلاقاتنا وبلادنا..  و يا أيها الباكين والمتباكين علينا من "أهلنا وأصدقائنا والمتعاطفين معنا".. ألا كفكفوا دموعكم، وابصروا بقلوبكم فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التب في الصدور، ألا وأعملوا عقولكم في كل ما جرى ويجري ويمكن أن يجري لنا ولدول وشعوب من قبلنا ومن بعدنا على أيدي الأميركيين القتلة والصهاينة العنصريين المجرمين أولئك الذين يجمعهم، منذ عقود من الزمن، عداءٌ للإنسان واستهانة بحقوقه وكرامته وشؤونه وما ملك.. أولئك الذين يجمعهم حلف سوء لحمته وسداه الإرهاب والعنصرية والجريمة والكذب والعدوان.. ألا وانظروا وتبصروا أيها الناس واسألوا أنفسكم: "هل يجوز لأحد في العالم أن يتجاوز مؤسسات العالم وقوانينيه وأعرافه ومواثيقه وإرادة شعوبه ليمارس الجرائم بدوافع وذرائع التعالي وامتلاك القوة والجبروت والقدرة على القتل بتفنن المجانين، مقدماً ذرائع شتى يستبيح فيها الافتراء والكذب.. فيفتك ويدمر ويبيد ويصنع للناس ليل العبيد، ثم يتربع على عرش الأمم ملكاً مالكاً حاكماً آمراً.. لأنه يملك القوة ويتمتع بتفوق في فنون الجنون؟!.. ألا اسألوا أنفسكم وتذكروا الضحايا الكثر من هيروشيما وناغازاكي إلى كابُل وبغداد، ومن الفلسطينيين إلى الفييتناميين، مروراً بشعوب ودول على امتداد قارات الأرض كانت ضحايا، بشكل أو بآخر وكانت أهدافاً للعدوان والنهب والتآمر بشكل أو بآخر لدولة أبناء العم سام، اليانكي المتجدد، وللصهاينة الذين هم معدن الحقد المعتق على الشعوب والعنصرية التي لا تعرف الضفاف..!؟ تذكروا ذلك وفكروا فينا نحن السوريين في بلدنا سورية مهد الحضارة، سورية البلد الثاني لكل متحضر في أصقاع الأرض، سورية الأرض التي قدمت للناس الأبجدية الأولى، وكانت مهبط الرسل وأرض الرسالات الإلهية.. سورية الشام.. وسورية الشام كل الشام قبل سايكس ـ بيكو التي لا يعترف عليها أهل الشام.. ألا تذكروا ذلك وتذكرونا وتدبروا ما يُدبر لنا، وقولوا من بعد: ما الذي يجب على الشعوب والدول أن تعمل حين تفرض عليها القوة العمياء شريعة الغاب بالعدوان الغاشم والقوة المجنونة، وحين يعيدها الطغيان إلى ما قبل عصور الحضارة وما قبل نور المعرفة ونقاء الأديان.. ألا وفكروا فيما ينبغي علينا جميعاً أن نعمل لمواجهة هذا الذي يسعى لدمٍ ناقعٍ من دون ردعٍ ولا رادع.

والله ولينا جميعاً وهو ولي المؤمنين.

 

دمشق في 6/9/2013

 

                                          علي عقلة عرسان