خبر صوت اسماعيل -معاريف

الساعة 08:28 ص|04 سبتمبر 2013

بقلم: اوري اليتسور

 (المضمون:الحدث الابرز في السنة الماضية هو نهوض الجبار المسلم والامة العربية الكبرى من سبات امتد على مدى مئات السنين ليطالب بالكرامة التي يستحقها - المصدر).

في رأس السنة يتلو الناس في الكنيس آيتين من سفر التكوين، واحدة في اليوم الاول والثانية في اليوم الثاني. آية اليوم الثاني وعلاقتها برأس السنة يتذكره ويعرفه كل يهودي. الاف مواعظ المؤمنين والكافرين قيلت وكتبت عن هذه القصة الصعبة والتأسيسية، وعشرات من الشعراء كتبوا عنها مئات القصائد لرأس السنة. بطل القصة هو اسحق الذي بأمر من الرب بعث الى القربان وفي اللحظة الاخيرة يظهر الملاك من السماء لانقاذ حياته.

ولكني فتى كنت وشيخا وحتى اليوم لم أنتبه الى أن بطل القصة في اليوم الاول من السنة هو بالذات اسماعيل، وثمة غير قليل من وجه الشبه بين القصتين. اسماعيل هو الاخر ارسل بامر من الرب الى موته في الصحراء، وفي هذه القصة ايضا في اللحظة الاخيرة يظهر ملاك من السماء لينقذ حياته. وعلى كل حال الحقيقة هي أنه في اليوم الاول من السنة اليهودية بطل القصة هو اسماعيل.

 

 

لعل السبب في ذلك هو أنه في تقاليد اسرائيل من بين كل مواعيد السنة اليهودية هذا اليوم هو يوم عموم الانسانية. "لكل من يأتي الى العالم"، وليس بالذات اسرائيل. انتبهوا، يقول لنا معدو الصلاة من مكان ما هناك قبل أجيال عديدة: اسحق واسماعيل يقفان في هذا اليوم معا امام بارئهما، وقصتاهما متشابهتان بالخطوط العامة. لجيلنا ولثقافتنا صعب بعض الشيء لاستيعاب مثال فيه من يمثل عموم الانسانية هو بالذات اسماعيل، وان عليه (وليس على اسحق) قيلت آية "اذ سمع الرب صوت الفتى حيث هو". وفي عادات التذكير عندنا فان "عموم الانسانية" هم الويات المتحدة واوروبا، و "العالم" معناه الغرب. ولكن لعلنا نحن بالذات، بعد كل هذه السنين، مطالبين بان نفتح اذنينا لنستمع الى نداء اليوم الاول.

سنة غير بسيطة ومحملة بالاحداث مرت علينا. انتخابات في البلاد، انتخابات في الولايات المتحدة، حرب في الجنوب، بينيت – لبيد، انتخابات للحاخامية، زيارة اوباما، مفاوضات سياسية، قانون تجنيد جديد، محيط معتمل. في هذا العدد، في الصفحات التالية، يكتب مراسلون مختلفون يختارون كل حدث السنة في نظره. ثمة من اختار حدثا سياسيا، وثمة من اختار حدثا ثقافيا او شخصيا. تصفحوا لتروا. في نظري، القصة الكبرى لهذه السنة هي ليس حدثا موضعيا، بل احداث متواصلة. اسماعيل يطلق الصوت، والعالم يجتهد لسماع الصوت من حيث هو، وليفهم ماذا يسمع. وهو لا ينجح على الاطلاق. مرسي يصعد ومرسي ينزل، الاسد يقاتل القاعدة، الاف القتلى وملايين اللاجئين في سوريا، شيعة وسُنة يفجرون الواحد الاخر في العراق، "الجزيرة" تصب الزيت على النار وكذا تفتح شبكة بث داخل الولايات المتحدة. وقد بات الجميع يفهمون بان هذه ليست اصوات ربيع. ولكن الغرب الذي لا يعرف كيف يفكر دون أن يرسم أولا صورة تبسيطية عن الاخيار والاشرار او على الاقل المعتدلين مقابل المتطرفين، متشوش ولا يعرف ماذا يسمع.

ليست بشرى مفرحة

هذا يبدو كتفكك لكل الاطر وانزلاق نحو الفوضى، ولكنك عندما تشاهد التلفزيون لا يمكنك ان تتجاهل وجه الشبه بين الصور. ترى عملية تفجير في شارع في مدينة ولا تعرف اذا كانت هذه بغداد او دمشق او الرياض. ترى الجماهير يتظاهرون في الميدان ولا تعرف اذا كان هذا في القاهرة أم في حلب أم في تونس. ذات اللغة، ذات الشعارات، ذات الثقافة، ذات الملبس. اطر تتفكك، انظمة تسقط، جماعات تقاتل بوحشية الواحدة الاخرى، ولكن من تحت كل هذا ينبت هناك (وبوحشية وبدم) شيء ما موحد ومشترك ويتجاوز الحدود. الجبار المسلم، وفي قلبه الامة العربية الكبرى، يستيقظ من سبات مئات السنين ويطالب بالكرامة التي يستحقها في العالم.

لا يمكن ان نعرف كم من الوقت سيمر الى ان ينجح احد ما في السيطرة على هذا البحر العاصف ويقيم القوة العظمى الاسلامية العالمية. في هذه الاثناء يصطدم هناك العلمانيون بالمتدينين والسنة بالشيعة والاقليات الاخرى، كراهيات عتيقة وولاءات قبلية تنبعث الى الحياة، ولكن الصوت الصاعد من تحت كل هذا الزبد العاصف هو حيوية عظمى لها لغة واحدة، ثقافة واحدة ودين واحد.

العالم الناعس والكسل الذي كان حولنا يوشك على التغير، وهذه ليست بشرى مفرحة من ناحيتنا إذ ان ليس احد هناك صديقنا او محبا لنا. وبالذات لهذا السبب يتعين علينا ان نسمع الاصوات وان نعتاد بسرعة وان نتعلم. كم امتصصنا كثيرا من ثقافة العالم الغربي – المسيحي، وكم قليلا نعرف عن الثقافة العربية والاسلامية. دعينا ذات مرة الى لقاء في لندن لصحفيين اسرائيليين وفلسطينيين. كان هذا سخيفا. الناس الذين يسكنون على مسافة ربع ساعة سفر الواحد عن الاخر، ولغتي الام لديهم متشابهة جدا الواحدة بالاخرى، يسافرون حتى لندن كي يلتقوا ويستخدمون الانجليزية كي يتبادلوا الحديث. في لحظة معينة وجدت صعوبة في ايجاد الكلمات بالانجليزية كي اعبر عن فكرة معقدة ما، واحد الفلسطينيين قال لي: هيا تكلم بالعبرية. فحصت حول الطاولة ووجدت ان معظم الصحفيين العرب يتحدثون العبرية، واحد من الصحفيين الاسرائيليين غير قادر على ان يتحدث العربية.

اوباما يتردد ويتلبث ولا يهاجم دمشق إذ مرت ايام ادار فيها الغرب العالم وحده، واليوم لا يمكن توقع ما يحصل في سوريا في اعقاب هجوم امريكي، واذا كان هذا خير ام شر. ولكن السؤال اذا كان اوباما سيهاجم الاسد هامشي ولحظي. اوباما والاسد على حد سواء سينسيان بعد سنوات قليلة اما نحن، اسحق واسماعيل، فهنا دوما.

الحدث الذي لم يكن

وأخيرا اريد أن اختار ايضا الحدث الاهم الذي لم يحصل في هذه السنة: قانون القومية لم يسن. القانون الاساس الذي يقرر بان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي كان ينبغي أن يسن فور قيام الدولة، غير أنه في حينه كان امرا مسلما به لدرجة أن احدا لم يرَ حاجة لسنه، مثلما ليس ثمة حاجة لقانون يقضي بان الاوراق خضراء والسماء زرقاء. وثيقة الاستقلال تبدأ بكلمات "في بلاد اسرائيل قام الشعب اليهودي". هذان الامران، بلاد اسرائيل والشعب اليهودي، هما العمودين اللذين تقف عليهما الدولة. الشعب اليهودي وبلاد اسرائيل، تقول الوثيقة الاساس للدولة هما العريس والعروس اللذين على شرف زواجهما اجتمعنا هنا وبدونهما لا معنى لكل الامر. الى جانب ذلك كتب في ذات الوثيقة بان الدولة ستضمن لكل مواطنيها مساواة كاملة وكامل الحرية والحقوق دون أي تمييز. احد لم يجعل الامر صعبا ولم يفاجأ، إذ حقا لا يوجد اي تضارب بين المساواة الكاملة دون تمييز وبين الدولة القومية. اسرائيل هي ايضا دولة الشعب اليهودي ودولة كل مواطنيها في نفس الوقت. لا تضارب بين هاذين التعريفين لان كل واحد منهما يعمل في العلاقات بين الدولة والمواطنين والاخر في العلاقات بين الدولة والشعوب. ولكن مع السنين تشوشت المفاهيم. فقد تبنى بعض الليبراليين الاسرائيليين الرواية الفلسطينية بصفتها الحقيقة التاريخية الموضوعية، والديمقراطية كذخر خاص لهم. وحسب المبادىء الليبرالية الجديدة فان كل شيء لا يعجب الفلسطينيين ليس ليبراليا، وكل فكرة ليست ليبرالية متطرفة هي غير ديمقراطية. بقدر ما تكون هذه المناورة مكشوفة ومتحققة، فان لها مع ذلك تأثير كبير على المحكمة وعلى وسائل الاعلام. في هذا الوضع تكون الحاجة الى سن قانون القومية حيوية أكثر فأكثر. اسرائيل تطالب الفلسطينيين بان يعترفوا بها كدولة الشعب اليهودي، فلا يحتمل الا تفعل هي نفسها ذلك.